الوطن

السياسات الاحتكاريّة الغربيّة ترجئ مجابهة الكورونا؟

} د. وفيق إبراهيم

جائحة الكورونا لا تقف عند حدود سياسية وفواصل طبيعية او أي معوقات أخرى، فتواصل غزوها وسط مقاومات على مستوى حدود البلدان الوطنية، لكنها لا تبدو حتى الآن كافية لحصرها والقضاء عليها.

تشير هذه المعادلة الى تفوّق الكورونا على السُبل المبذولة لمجابهتها بما يهدّد فعلياً كامل الإنسانية وللمرة الأولى منذ بدايات انتشار الأوبئة والجائحات في الجزء المعروف من التاريخ.

اما الاسباب فواضحة، لأن حركة الاتصالات والانتقال كانت غير موجودة في سالف الايام وظلت ضعيفة حتى مطلع القرن العشرين. ولم تتطور الا مع اختراع نظام نقل وفتح حدود واتصالات وإعلام مشترك استطاعت جمعها تحويل العالم الى قرية صغيرة مفتوحة. لذلك فالظروف باتت مهيأة لانتشار كورونا في اي مكان، حتى المنعزل تماماً ربطاً بسلبيات الامتزاج الانساني غير المسبوق.

هذه هي العناصر التي تتيح انتشار جائحة كورونا في معظم زوايا الارض من دون استثناء، فإذا كانت انطلقت من الصين وإيران، فهذا لا يعني انتماء الوباء اليهما، لانه انتشر بسرعة في الولايات المتحدة الأميركية مجتاحاً اكثر البلدان الاوروبية تطوراً في ايطاليا واسبانيا وفرنسا وانجلتره والمانيا منتقلاً الى معظم بلدان القارة العجوز وآسيا والشرق الاوسط وأميركا الجنوبية.

لقد تسببت الجائحة حتى الآن بنحو مئة الف قتيل واكثر من مليون ونصف المليون اصابة، مواصلاً انتشاره ومختبئاً في مناطق من افريقيا والبلدان العربية والشرق الاوسط في اوساط دول لا تهتم كثيراً بشعوبها وقد لا تكون متمكنة من تأمين وسائل حماية وتعقيم، فتتعمّد الادعاء بأن الاصابات عندها قليلة.

واذا كانت الاصابات قابلة للتضخم بشكل سريع، فإن سبل العلاج لا تواكب حركتها على الإطلاق.

هناك ملاحظة يجب ذكرها وتتعلق بمسارعة معظم الدول المتقدمة علمياً وصناعياً في الولايات المتحدة والصين وروسيا والدول الاساسية في اوروبا واليابان الى فتح مختبراتها وتشجيع القطاعات الصحيّة فيها على اكتشاف علاجات لوقف الانتشار ولقاحات لمنع تشكل الفيروس وهو في التكوين.

فتكاد هذه المختبرات تعلن يومياً انها على مشارف وضع حد للجائحةفرنسا قالت إن مختبراتها لم تعُد بعيدة، كذلك المانيا وبلاد الانجليز، حتى ان وسائل الإعلام تنقل يومياً حركة مختبرات هذه الدول وإمكانية توصلها لاكتشاف اللقاحات بين الساعة واختها.

كذلك تعمل المختبرات الصينية باتزان وصمت على تطوير لقاحات والتنقيب عن سبل علاج لوقف انتشار هذا الوباء في بنيتها الديموغرافية التي تزيد عن مليار وخمسمئة مليون نسمة.

فما يثير اهتمام الصين هو حماية شعبها والمحافظة على اقتصادها الذي ينافس الاقتصاد الأميركي متأهباً لتجاوزه في أقل من عقد.

بمعنى أن عدم النجاح في احتواء كورونا أولاً وتدميره في ملاحقة لاحقة، لا يعني الا الفتك بالاقتصاد الصيني والاستسلام لجائحة الكورونا والعودة إلى الصين القديمة الفقيرة ذات الاقتصاد المتخلف.

لعل هذه هي الصورة المرعبة التي ترغم الصينيين على بذل كامل جهودهم للفتك بكورونا «الفتاك».

من جهتهم يواصل الروس العمل على جبهتين:

العمل على تمتين المواطنين بالدعم والحماية ووسائل التعقيم، مقابل دعم مفتوح للمختبرات الوبائية كي تتوصل بسرعة لوسائل علاج ولقاحات تؤكد المعلومات أنها لم تعد بعيدة، فروسيا بدورها تعمل على تسهيل ولادة نظام قطبي يضمّها الى جانب الأميركيين والصينيين. وهذا يتطلب على الفور حماية قصوى لأهمية روسيا السياسية والتسليحية والتي ترتكز على ثروات اولية لا تزال في باطن اراضيها وتشكل اكثر من ثلاثين في المئة من ثروات الارض.

لذلك تبذل روسيا جهوداً جبارة لاحتواء كورونا وسحقه تماماً كالصينيين اي لحماية شعبها اولاً والتهيؤ لاحتلال مقعد في النظام العالمي الجديد.

على المستوى الأميركي فإن السياسات الاستعلائية للرئيس ترامب واعتقاده بأن مثل هذا الوباء لا يقترب من الأميركيين، سمح للجائحة بالانتشار وقتل اكثر من ثلاثين الف أميركي واصابة مئات الألوف وهو لا ينفك ينتشر. بالمقابل تبذل المختبرات الأميركية جهوداً جبارة للوصول الى علاجات وعقاقير يزعم ترامب أنها لم تعد بعيدة.

لذلك، فإن ما يمكن ملاحظته، هو أن هناك جهوداً جبارة تجري في مختبرات تابعة لعشرات الدول، لكنها وبعد أربعة أشهر على ظهور الكورونا لم تتوصّل حتى الى الحد الادنى من العلاجات، فهل إن ما يحدث هي حرب أوبئة بين دول كبرى او ان هناك إشكالات أخرى؟

الواضح حتى الآن هو غياب الحد الأدنى من التعاون بين الدول الكبرى وإخفاؤها أية معلومات حول طرق مجابهته عن الدول الأخرى وهذه تعزز فرضية حرب الأوبئة، لكنها تزكي ايضاً سياسات احتكارية تتحكم بالدول الأقوى التي تريد لكل واحدة منها احتكار إنتاج اللقاح كي تتحكم بمرحلة ما بعد كورونا وتمنعه عن الدول المنافسة.

فتمارس سياسات احتكارية واستثمارية في كورونا تشكل امتداداً لأنظمتها الاقتصادية التي تقوم اساساً على الاحتكار والاستيلاء بتفرد على كل ما يفيد البشرية.

بما يؤكد أن هذه الدولة لا تعبأ بملايين الناس المهدّدين بالقتل بسبب كورونا، بقدر ما تريد إعادة بناء انظمة اقتصادية جديدة تعاود السيطرة على العالم بمضادات كورونا.

وهكذا يتعرّض الناس لوباءين شديدي الفتك والقتل. وهما جائحة الكورونا التي تقود الى الموت السريع وجائحة الانظمة الاقتصادية الاحتكارية، التي لا تقل تسبباً بالإفناء والسحق عن مستوى كورونا. فما الذي يمنع ولادة تعاون مشترك بين عشرات المختبرات الطبية المتقدمة في اوروبا وأميركا والصين وروسيا، لولا استمرار هذا الميل الاحتكاري الذي يهدد الناس.

العالم إلى أين؟ يتجه الى منافسات وبيلة قبل استقراره على قطبية متعددة قد تعيد الدول إلى إنسانيتها، لكن دون تحقيق هذا الأمر المزيد من ارواح الناس المهددة في غضون هذا الصراع الاحتكاري بين الدول الأكثر تقدماً وسط استسلام الدول المتخلفة لنظام العودة الى الغيب والاعتماد على رحمة السماء وعطف الدول الكبرى وهذا لا يحمي من القتل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى