الوطن

أزمة المعتقلين الفلسطينيّين وأجندات السعوديّة

تقرير إخباري

 

 

 

 

 

توقف المملكة العربية السعودية عشرات الفلسطينيين من طلاب وأكاديميين ومقيمين على أراضيها منذ عام دون توجيه اية تهم رسمية لهم، فيما خضع بعضهم لمحاكمات سرية دون معرفة مصيرهم.

ومن بين المعتقلين مسؤول العلاقات بين حركة حماس والمملكة محمد الخضري (82 عاماً) المقيم في جدة منذ عام 1992، ونجله هاني الخضري (49 عاماً).

ودعا رئيس الدائرة الإعلامية في حركة حماس في الخارج رأفت مرّة السلطات السعودية إلى «إطلاق سراح الخضري ورفاقه، لأن عمره يزيد على الثمانين عامًا ويعاني من عدة أمراض». وقال «نراهن على صوت العقل والحكمة لدى المسؤولين في المملكة لإنهاء هذا الملف بشكل عاجل وقبل حلول شهر رمضان المبارك، من أجل الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة».

وأوضح أن «حركة حماس مع جميع القوى الفلسطينية وأهالي المعتقلين والمؤسسات القانونية والإنسانية يتابعون الملف عن كثب»، مطالباً بـ»إطلاق سراح جميع المعتقلين الفلسطينيين، لأن اعتقالهم لا يستند إلى أي مبررات». واعتبر أن «ذلك بسبب سياسة التعتيم وعدم قدرة الجهات والمؤسسات القانونية والإنسانية على الوصول إليهم».

ولفت رئيس الدائرة الإعلامية في حركة حماس في الخارج إلى أن «حماس تواصلت خلال الأشهر السابقة مع جهات إقليمية بهدف الاطلاع على أوضاع المعتقلين، وفي مسعى إنساني من أجل طلب إطلاق سراحهم»، كاشفاً أن «الحركة وجهت رسائل للسلطات السعودية مباشرة وعبر قنوات عدة أيضاً، ولا نزال ننتظر تجاوباً من قيادة المملكة مع هذه المساعي».

وأعرب عن تخوّفه بشكل كبير على «صحة المعتقلين الفلسطينيين في السعودية بسبب انتشار وباء كورونا»، وأشار إلى أنهم «كجهة سياسية فلسطينية معنية بشكل مباشر بهؤلاء المعتقلين غير قادرين على الحصول على معلومات دقيقة عن أوضاعهم في السجون».

ويأتي ذلك في وقت حذرت فيه منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية من أن «المحاكمة الجماعية التي تنظمها السلطات السعودية بحق عشرات المعتقلين الفلسطينيين المقيمين على أراضيها، تثير مخاوف خطيرة من حصول انتهاكات في إجراءاتها القانونية».

وقالت المنظمة في بيان إنه «بعد عامين من احتجاز هؤلاء المعتقلين من دون تهمة، بدأت محاكمات سرية في الثامن من آذار الماضي بناء على ادعاءات غامضة تتعلق بصلاتهم مع كيان إرهابي لم يُكشف عن اسمه». وأضافت أن «سجل السعودية الطويل في مجال المحاكمات الجائرة يثير الشكوك بأن المعتقلين سيواجهون تهما ملفقة وخطيرة وعقوبات قاسية».

ونقل بيان هيومن رايتس شهادات بعض أُسر المعتقلين تشير إلى حصول عمليات تعذيب بحقهم، وأن «أحد المعتقلين روى كيف كان المحققون السعوديون يوقظونه فجراً ويضعون رأسه في الماء الساخن، وأحياناً يعلقونه رأساً على عقب لمدة يومين». وأعربت عائلات المعتقلين عن «مخاوف جدية بشأن احتمال تفشي فيروس كورونا في السجون السعودية»، داعية إلى إطلاق سراحهم.

وهنا لا بد من الإشارة إلى بعض النقاط بخصوص موقف النظام السعودي من القضية الفلسطينية حتى تتكشف حقيقة أجندات السعودية وراء الاستمرار في اعتقال الفلسطينيين المقيمين على اراضيها رغم دعوات حماس المتكررة للإفراج عنهم إلا أن السلطات السعودية كانت تقابلها بالمزيد من الخطوات التصعيدية ضد الفلسطينيين.

وكثيراً نرى في كلمات الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، التي يلقيها في الاجتماعات الإقليمية كاجتماعات مجلس التعاون والجامعة العربية، يتطرّق الى القضية الفلسطينية، ويكرّر مقولته بأن بلاده تدعم القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه.

فقد قال في آخر اجتماع لمجلس التعاون الذي عقد في الرياض في 12 كانون الأول 2019 ما نصه: «لا يفوتنا في لقائنا هذا أن نؤكد على موقفنا تجاه القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية».

وفي القمة العربية الطارئة التي عقدت في مكة المكرمة في 31 ايار 2019 قال الملك سلمان: «تبقى القضية الفلسطينية قضيتنا الأولى إلى أن ينال الشعب الفلسطيني حقوقه المسلوبة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة والمبادرة العربية للسلام».

لا شك في أن الملك سلمان ألقى أيضاً كلمة في قمة العشرين التي ترأستها بلاده وعقدت في المجال الافتراضي في 26 آذار الماضي، ولكنه لم يتطرق بتاتاً إلى القضية الفلسطينية التي طالما اعتبرها قضيته الأساسية، وربما تبرر الرياض ذلك بأن «القمة كانت اقتصادية بحتة»، ولكن عندما يتمّ تناول قضايا سياسية في القمة كان يتعين عليه التحدث عن القضية الفلسطينية، ولكن يبدو أن الساسة السعوديين يثيرون هذا الموضوع في الاجتماعات الخليجية والعربية، اما الاجتماعات الدولية فإنهم يتجنبون الخوض فيه، لكي لا تتأثر مشاعر الكيان الصهيوني بذلك.

أوردنا هاتين الفقرتين من كلمتين أخيرتين للملك السعودي (طبعاً أمام العرب وحسب) ليتبين مدى الأهمية التي توليها المملكة للقضية الفلسطينية في خطاباتها، ولكن عندما نبحث عن الحيّز الذي تشغله هذه القضية في تحركات المسؤولين السعوديين، ومما لا شك فيه التحركات التي تستند الى حقوق الشعب الفلسطيني (حسب مزاعم الرياض) وليس المسار الذي ينتهجه الكيان الصهيوني في هذه القضية، فلا نجد شيئاً.

والتحركات السعودية (فيما لو كانت) فإنها تصبّ في مصلحة الجانب الذي يدعو الى «السلام» مع الكيان الصهيوني، أما الجانب الذي يدعو الى استعادة كافة حقوق الفلسطينيين، فإن النظام السعودي يعتبر التعاون مع الفلسطينيين خطاً أحمر ويرفض الاقتراب منه، بل يطارد ويضيّق الخناق ليس على حماس وحسب وإنما على كل من يقف الى جانبها ويدعمها سواء كانت دولة أو أحزاباً أو حركات.

اللافت للنظر أن حماس لا تنظر للسعودية وعموم الدول العربية على انها عدوة لها، فلو ألقينا نظرة على المقابلة التلفزيونية التي اجراها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية مؤخرا لرأينا ذلك بوضوح على الرغم من اعتقال الرياض عشرات الفلسطينيين وفي مقدمتهم محمد الخضري الذي كان يدير العلاقة بين حماس والرياض وباقي الفلسطينيين.

وبغض النظر عن موقف حركة حماس، فحتى لو افترضنا أنه كان للخضري ورفاقه والعاملين معه نشاط سياسي في السعودية، فهل يا ترى كان يستهدف النظام السعودي ليقوم الاخير باعتقاله، أم انه كان يستهدف الكيان الصهيوني، وأين اعتقال هؤلاء الفلسطينيين مما تتبجح به السعودية أمام العرب والمسلمين بأنها تدعم القضية الفلسطينية وتضعها في سلم أولوياتها؟

أليس عداء الرياض للحركات المقاومة ضد الكيان الصهيوني سواء كانوا فلسطينيين أو غير فلسطينيين يصبّ في صالح الكيان الصهيوني ويشكل دعماً مباشراً لهذا الكيان؟ ولو صدّقنا الرياض في قولها إنها لا تقيم أية علاقات مع هذا الكيان وإنها ليست ذاهبة للتطبيع معه، فبماذا يمكن تفسير العلاقة الوطيدة بين السعودية والولايات المتحدة التي لولاها لانهار وزال الكيان الصهيونيّ منذ زمن طويل؟

اليوم تنظم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب علاقاتها مع الدول وخاصة الدول العربية والاسلامية وفق موقفها وسياساتها تجاه الكيان الصهيوني، فإذا كانت أية دولة ما تشكل خطراً على هذا الكيان فإنه من المستحيل ان توطد واشنطن علاقتها معها، بل إن الكيان لن يسمح لواشنطن بتوطيد وتوثيق علاقتها مع أية دولة عربية واسلامية تشكل خطراً عليه.

النظام السعودي لا يشكل خطراً وتهديداً على الكيان الصهيوني، بل إنه يشكل خطراً وتهديداً على القضية الفلسطينية، وعلى كل حركة مقاومة ضد الكيان الصهيوني سواء كانت فلسطينية أو غير فلسطينية، وفي هذا الاطار يمكن أن نفهم اعتقالها للفلسطينيين وكذلك عداءها لكل الدول والاحزاب والحركات التي تدافع عن القضية الفلسطينية.

(قناة العالم)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى