الوطن

الكلمة التي أخرجت دبابير السياسة من أوكارها…

 

} علي بدر الدين

أثارت رسائل رئيس الحكومة حسان دياب المتعدّدة المضامين والاتجاهات السياسية غضب الذين شعروا بأنّ المسلة تحت إبطهم وهم المستهدفون بها لأنهم فعلاً يتحمّلون مسؤولية إغراق البلد بالديون وانهيار اقتصاده وإفلاسه مالياً وشلّ ومصادرة مؤسساته.

كان دياب واضحاً وصريحاً وواثقاً من نفسه ومن كلامه الذي نزل كالصاعقة على بعض رموز الطبقة السياسية الشريكة في المسؤولية السلطوية قبل اتفاق الطائف وبعده وعن كلّ الأزمات والمشكلات والفساد الذي تفشى كالوباء، وعن سياسة المحاصصة التي تحوّلت إلى نهج تفتخر به هذه الطبقة لأنه وفق ادّعاءاتها ينتزع ويحمي مصالح الطوائف والمذاهب والبيئات الحاضنة التي لا تحصل من التحاصص الوظيفي والفساد ونهب المال العام والصفقات إلا كما يُقال من الجمل إذنه او الستوكات ومخلفاتها. وقد هالها ان يتحدّث رئيس الحكومة بهذه الشفافية من دون ان يخشى ردود أفعالها او يحسب لها حساباً أو اقله يجاملها وهي الحاكمة المطلقة الصلاحيات التي تفعل ما تشاء من دون ان يتجرّأ أحد ان يقول ما أحلى الكحل بالعين، وكيف لرئيس حكومة من خارج المنظومة السياسية المتسلطة ألتي لم تغادر السلطة منذ عقود وهي التي طغت واستبدّت ونهبت وتحاصصت وتلاعبت بقوانين الانتخاب وفق مصالحها وتفرض النواب وتعيّن الوزراء والموظفين في كلّ الإدارات والمؤسّسات والمصالح وتشارك المصارف والتجار وأصحاب الشركات والمصانع ولها حصتها من الأتوات.

انّ رئيس الحكومة بصراحته وممارسة مسؤوليته وحتى لا يقع ضحية تجار الهيكل من السياسيين الحاكمين بقوة النفوذ والقهر والزمن وحتى لا يكون شريكاً في ضياع الوطن صمّم على قول كلمة الحق في وجه هؤلاء الذين يواصلون طغيانهم ويسلبون الناس حقوقهم وقد رموا الوطن في المجهول. على  رغم كلّ ما ارتكبوه لم يرتدعوا او يرحموا او يغادروا السلطة بل أصرّوا على الإمعان بسياستهم الرعناء والمدمّرة لما تبقى من أشلاء وطن ودولة ومؤسسات ولم يفكروا يوماً ان يأتي من يوجّه إليهم الاتهام وان لم يسمّ احداً كمرحلة أولى وانّ الحساب والعقاب سيتقتربان والحكم بإعادة ما نهبوه من أموال عامة وخاصة وتحديداً أموال المواطنين والمودعين في المصارف المتواطئة التي تاجرت فيها مع الطبقة السياسية التي أهدرتها بالفساد والصفقات والسمسرات التي باتت مكشوفة ومعروفة مزاريبها والجهات المستفيدة.

حسناً فعل دياب الذي أعاد رمي القنبلة الى ملعب القوى السياسية الرافضة من الأساس لوجوده في رئاسة الحكومة والمعارضة لسياسته جملة وتفصيلاً ليس معارضة نقدية بناءة من أجل الإصلاح والإنقاذ بل لأنها استكثرت عليه موقعه وهو الآتي من خارج الطقم السياسي التقليدي، والأهمّ أنه لن يكون فريسة سهلة لهذه القوى ولا مطيعاً لها او خائفاً على موقعه الرسمي او مستقبله السياسي لأنه يبنيه بولائه وإخلاصه للوطن وبالوقوف الى جانب شعبه وانتشاله من الفقر واستعادة أمواله المنهوبة وحقوقه المصادرة.

انّ كلمته المتلفزة الموجهة إلى اللبنانيين يمكن وصفها بالجريئة وغير المسبوقة في تاريخ الحكومات المتعاقبة أقله التي تشكلت بعد الطائف باستثناء حكومة الرئيس الدكتور سليم الحص. هذه الجرأة في القرار والتوقيت والتصويب المباشر على بنك الأهداف المحددة هو الذي أثار قوى سياسية وضعت نفسها تحت مجهر الاتهام ودفعها الى مهاجمة رئيس الحكومة لأنها اعتبرت أنه تجاوز الخطوط الحمر وضرب قواعد ضبط الخلاف والاشتباك المعمول بها بين هذه  القوى الحاكمة لحماية نفسها ومصالحهاو تقاسم الحصص.

انه بوضعه النقاط على حروف الحقيقة ورسمه لمسار عمل الحكومة للمرحلة المقبلة، وانّ الوقت ليس للكلام بل للفعل، ولأنّ الأوضاع الإقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية والصحية الطارئة بتفشي الكورونا وتداعياته الكارثية ولأنه لا يمكن بعد الآن السماح لناهبي المال العام بالتمدّد واستمرار سياستهم التي خرّبت لبنان، وإبقاء الفساد والمحاصصة يتحكّمان بالوطن والمواطن لا بدّ من اتخاذ قرار الإنقاذ مهما كانت الكلفة والنتائج لأنّ البلد أصبح في عين العاصفة وعنق زجاجة الانهيار والاحتضار ولا يمكن الرهان على الخارج او على الطبقة السياسية التي أوصلته الى الطريق المسدود.

انّ رسالة الرئيس دياب وردة فعل القوى السياسية التي اعتبرت نفسها أنها المستهدفة، وهي كذلك، لا تعني على الإطلاق ان ننام على حرير، أو نعتقد انّ الإصلاح والتغيير باتا على الأبواب، وانّ حكومة مواجهة التحديات أصبحت قاب قوسين او أدنى من النجاح في إخراج البلد من دائرة الأزمات المستعصية على الحلّ أقله في المدى القريب والمتوسط لأنّ صراع الحق والباطل والظلم والعدل طويل ودونه تضحيات كثيرة، لأنّ الطبقة السياسية المتضرّرة لا يمكن ان تسكت او تنام على الضيم، ولا هي في وارد الاستسلام او الانكسار والاعتراف بالهزيمة وحتماً ستردّ بشراسة على ايّ استهداف لها او تصويب على مصالحها وقد ثارت وغضبت على تعيين مجلس الوزراء لثلاثة موظفين من دون استشارتها وعلمها وإبداء رأيها ووضع إصبعها على القرار ليحظى بمباركتها، فكيف ستكون ردود فعلها على الإطاحة بامتيازاتها ومكتسباتها ومصالحها وتشليحها جزءاً من الأموال المكدّسة التي نهبتها.

ولم يطل انتظارها وقد خرجت الدبابير من مخابئها لتحوم فوق خصمها ولتزنّ بأذنيه محذرة بأنه لا قدرة له على تحمّل لسعاتها ومن يلعب بالنار يحرق نفسه ومن حوله وخاصة انه ما زال طريّ العود في السياسة وهم لهم الباع الطويل والقاسي ولا مجال للمقارنة في موازين القوى كما تعتقد او يخيّل لها او ترغب بحصوله.

انّ الهجمة على الحكومة ورئيسها بدأت فعلاً من الذين جمعتهم المصيبة وعصف بهم القلق والخوف من الانكشاف والفضيحة، فأعادوا لملمة أشلائهم المبعثرة حتى يكونوا حزمة واحدة عصية على التكسير ولعدم الاستفراد بأحد منهم حيث يسهل كسره، وبما أنّ سجل رئيس الحكومة نظيفاً وناصع البياض اعتبروا زيارته لضمير لبنان سليم الحص تهمة، و بهدف التحريض اكتشفوا أنه في كلمته لم يذكر في أيّ فقرة منها اسم او دور رئيس الجمهورية، وانّ توقيعه للناجحين في الخدمة المدنية غير مكتمل الشروط والأحكام وخاصة لكتاب العدل وتوسيع النطاق الجغرافي لتعيينهم، وبدأ الحديث عن عودة الانتفاضة الى الشارع وعن إسقاط الحكومة او إجراء تعديل وزاري، وهذا التعديل باعتقادي مطلوب وضروري لأنّ هناك وزراء ينطبق عليهم لزوم ما لا يلزم ولم يظهروا بالصورة المتوقعة لهم لناحية العمل والإنتاج والحضور الفعلي والكثير من اللبنانيين لا يشعرون بوجودهم ولا يعرفون وجوههم واسماءهم وإن نطقوا أخطأوا كما قال بعضهم في رده على سؤال عن غلاء اللحوم والبيض فنصحهم بعدم شرائها وأكلها، او من شجع على زراعة الحقول المعدومة الوجود والعالية الكلفة وربما كان القصد زراعة الشرفات بورود الزينة.

انّ الموقف من الذين يستهدفون الحكومة لا يعني الدفاع عنها كيدية أو نكاية او من خلفيات سياسية ومصلحية بل لأن لا بديل عن وجودها في هذه المرحلة الصعبة ولن نسكت على تقصيرها وفشلها والمطلوب منها عدم الانجرار إلى السجالات العقيمة والغرق في وحول المصالح الشخصية والطائفية والمذهبية والإسراع في إثبات حضورها وفعلها وإعطاء الأولوية لما اتخذته من قرارات تبدأ بإصدار التشكيلات القضائية والتعيينات المالية والإدارية من دون مجاملة او محاصصة وبوضع حدّ لانفلات سعر صرف الدولار والهبوط المدوّي للعملة الوطنية ومواجهة الارتفاع الجنوني للأسعار واستعادة أموال المودعين في المصارف فعلياً وليس بالتعاميم. فلماذا هذا العجز الحكومي أمام مصالح الناس وحقوقهم وليعلن رئيس الحكومة الذي يعوّل على ثقة الناس الحرب على حيتان المال والتجار الجشعين وأصحاب المصارف، لأنّ هؤلاء الناس باتوا في أوضاع قاسية مأساوية، وما يحصل يا دولة الرئيس ليس في صالح الحكومة والوطن والشعب حتى لا يفقد الثقة بالحكومة ولا يصدق وعودها ولا يعوّل عليها لإنقاذه والوطن قبل السقوط في الفوضى والمجهول. وعندها لا تنفع سلطة ولا مال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى