أولى

الحرب على جبهات متعدّدة في زمن كورونا!

 د. محمد سيد أحمد

قبل بدء الحرب على كورونا كانت مصر تخوض حروباً عدة على جبهات مختلفة، كانت الحرب الأولى والشغل الشاغل لها كيف تنهض باقتصادها الذي يعاني من مرض عضال أثر وبشكل واضح على الشرائح والفئات والطبقات الوسطى والدنيا التي تشكل الغالبية العظمى من الشعب المصري، فخلال الفترة الممتدّة منذ مطلع السبعينيات وحتى قيام انتفاضة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 تدهورت أحوال المصريّين وزادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء بشكل ملحوظ، فمنذ أعلن الرئيس السادات عن تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي وعمليات الفرز الاجتماعي تتمّ على قدم وساق، حيث زاد الأغنياء غنى غير مبرّر وليس له أساس، وزاد الفقراء فقراً.

ووقفت السلطة السياسية عاجزة عن حماية مكتسبات الشعب أمام تغوّل هؤلاء الأغنياء الجدد، الذين تمكنوا من عقد ارتباط غير شرعي بالسلطة، وهو ما أدّى في النهاية إلى خروج الجماهير منتفضة في وجه السلطة السياسية والأغنياء الجدد معاً، ودخلت مصر بعدها نفقاً مظلماً أدّى إلى تدهور اقتصادي رهيب، بدأت مصر في البحث عن وسيلة للخروج منه بعد 30 يونيو/ حزيران 2013.

وخلال السنوات التي سبقت كورونا كانت مصر تخوض هذه الحرب الاقتصادية عبر مشروعات تنموية في محاولة لعودة الدولة من جديد كشريك في عملية التنمية، وقد برز ذلك عبر مجموعة من المشروعات القومية الكبرى جزء منها بسيناء المهملة عبر التاريخ، وكانت الحرب الاقتصادية قد بدأت تؤتي بعض ثمارها حتى بدأت الحرب على كورونا.

أما الحرب الثانية التي كانت تخوضها مصر قبل كورونا فهى الحرب ضدّ الإرهاب، ففي أعقاب انتفاضة 25 يناير/ كانون الثاني تقدّمت جماعة الإخوان الإرهابية واستولت على السلطة، ويرجع ذلك للخطأ التاريخي الذي ارتكبه الرئيس السادات حين عقد صفقة مشبوهة مع هذه الجماعة الإرهابية فخرجت من السجون لمواجهة خصومه السياسيين، ثم انتهت بالانقلاب عليه واغتياله، ثم تركها مبارك تتغلغل وتفرض نفوذها داخل المجتمع في الوقت الذي كانت تتراجع فيه المسؤولية الاجتماعية للدولة تجاه مواطنيها، ووجدت الجماعة الإرهابية الفرصة سانحة للوثوب على السلطة بعد 25 يناير/ كانون الثاني ودخل الشعب والجيش في معركة تحرير الوطن وتمّت الإطاحة بها من سدة الحكم في 30 يونيو/ حزيران، ومنذ ذلك التاريخ والحرب مع الإرهاب ما زالت مستمرة حتى بدأت الحرب مع كورونا.

وبالطبع كانت هناك حرب ثالثة تخوضها مصر على مستوى الحفاظ على الأمن القومي الحدودي قبل الحرب مع كورونا، فكلّ الحدود مهدّدة، فمن الشرق يقبع العدو الصهيوني على الأرض العربية الفلسطينية، وتعبر المجموعات الإرهابية إلى سيناء والجيش المصري يخوض معها معركة مفتوحة لتجفيف منابعها، ومن الغرب تتمركز المجموعات الإرهابية التي جاء بها الناتو على الأرض العربية الليبية وجاهزة للتقدّم والعبور للحدود في أي وقت، وهو ما جعل الجيش المصري في حالة تأهّب لردّ أيّ عدوان، وتمّ بناء قاعدة محمد نجيب لتكون قاعدة ارتكاز لحماية الحدود الغربية، ومن الجنوب تمركزت الجماعات الإرهابية التي كان يرعاها نظام عمر البشير على الأرض العربية السودانية، وهو ما جعل الجيش المصريّ في حالة استعداد لردّ أيّ محاولة للتسلّل، وقام ببناء قاعدة برنيس لحماية الحدود الجنوبية، وبالطبع لا يمكن إغفال حرب المياه ومعركة سدّ النهضة مع أثيوبيا وهي خطر ينتمي إلى الجنوب.

وعندما بدأت الحرب على كورونا كانت الدولة حاضرة بقوة وتمكنت من القيام بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه مواطنيها وفقاً لقدراتها وإمكانياتها، ولعلّ العائق في هذه المعركة جاء من عدم قيام الأغنياء الجدد الذين يطلق عليهم زوراً وبهتاناً رجال أعمال في حين أنّ أغلبهم كوّن ثرواته من خلال سياسة الانفتاح الاقتصادي عبر عمليات السمسرة والاستيلاء على أراضي الدولة والحصول على التوكيلات من الشركات الرأسمالية العالمية، حيث تقاعس أغلبهم عن القيام بمسؤوليته الاجتماعية، هذا إلى جانب ضعف المسؤولية الاجتماعية للأفراد لأسباب متعدّدة منها ما هو اقتصادي ومنها ما هو ثقافي.

وفي الوقت الذي تفرّغ العالم للحرب ضدّ كورونا، وكما ذكرنا في مقال الأسبوع الماضي كانت بعض الدول العربية مثل سورية واليمن وليبيا لا زالت تخوض حرباً مزدوجة في مواجهة كورونا والعدوان الخارجي سواء مع الدول المعتدية أو مع وكيلها الإرهابي على الأرض. وأعتقد البعض أنّ مصر واحدة من الدول التي تفرّغت فقط لمحاربة كورونا، لكن هذا الاعتقاد تبدّد هذا الأسبوع عندما شاهدنا قوات الأمن المصرية تحاصر خلية إرهابية في حي الأميرية بالقاهرة وتقوم بتصفيتها بعد معركة تمّ خلالها تبادل لإطلاق النار استمرّ أربع ساعات كاملة ووقع بعض الشهداء في صفوف قوات الأمن، وهو ما يؤكد أنّ المعركة مع الإرهاب لا زالت مستمرّة.

ولم يشأ الأسبوع أن يمضي حتى خرج علينا أحد الكتاب الذي يكتب باسم مستعار في صحيفة «المصري اليوم» بمقال تحت عنوان استحداث وظيفة وكانت الوظيفة المستحدثة هى «حاكم لسيناء» بمدة تعاقد 6 سنوات، وهي دعوة مشبوهة ولا يمكن أن تصدر إلا من شخص يعمل في خدمة العدو الصهيوني، خاصة أنّ الدعوة المشبوهة جاءت بعد انتصارات الجيش المدوية على الإرهاب في سيناء، وبدء عملية تنمية شاملة لها، وبعدها ظهرت بعض الأصوات المدافعة عنه رغم تحرك الدولة ممثلة في المجلس الأعلى للإعلام للتحقيق معه، وهو ما يعني أنّ هناك حرباً ثالثة تخوضها الدولة المصريّة مع الذين يسعون إلى تقسيم وتفتيت مصر.

وخلال الأسبوع نفسه سمعنا وشاهدنا تحركات تركية في الداخل الليبي لدعم الجماعات الإرهابية التابعة للسراج في مواجهة الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، ولا زالت هناك تحرّكات في ملف سدّ النهضة مع السودان وأثيوبيا، وهي حروب مفروضة على مصر من أجل الحفاظ على أمنها القومي، وبالطبع الحرب الاقتصادية لم تتوقف في زمن كورونا، ومن المتوقع أن يشهد العالم أزمة اقتصادية حادة بفعل كورونا، وسوف تكون تداعياتها أكبر على الاقتصاديات النامية مثل الاقتصاد المصري، لذلك لا بدّ أن يقف الشعب المصري حائط صدّ مع الدولة في زمن كورونا لأنها تخوض الحرب على جبهات متعدّدة. اللهم بلغت اللهم فاشهد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى