نقاط على الحروف

فدراليّة التشريع وضعف الحكومة

ناصر قنديل

لولا تدخلات رئيس المجلس النيابي نبيه بري لتأجيل البتّ ببعض القوانين، وتدويره زوايا المواقف تمهيداً لتحويلها إلى لجان فرعيّة، لكنا أمام قوانين تتعلق بقضايا مصيرية تمسّ كل اللبنانيين، جرت صياغتها بخلفيات الفريق الذي تقدّم بها، وهو عموماً فريق بخلفية طائفية حزبية، ولكنا أمام قانون لتيار المستقبل للعفو العام، وقانون للتيار الوطني الحر للمساءلة عن جرائم المال العام، بمثل ما يصف البعض قانون تشريع زراعة القنب لأغراض طبية الذي تمّ إقراره بمشروع حركة أمل، ومَن يراقب مشهد الجلسة التشريعية، يستطيع القول رغم مرور قانون يشرّع نفق حمانا شتورا، وبعض القوانين الأخرى التي تنال الإجماع حولها، أننا نعيش صورة مقلوبة للعمل الدستوري، حيث النسبة الغالبة من القوانين، يفترض أن تأتي من الحكومة بصيغة مشاريع قوانين، لما تعبّر عنه الحكومات من خطة عمرانية واقتصادية ورؤية لمواجهة التحديات، وما تملكه قدرة تجميع المعلومات والمعطيات، من مؤسسات الدولة التي تستطيع إقامة التوازن بين فوائد كل تشريع وانعكاساته السلبية في مجالات أخرى، ولأنها تستطيع استطلاع آراء مؤسسات الدولة المعنية مالياً وقانونياً واجتماعياً وقضائياً وأمنياً، ولأنها أولاً وأخيراً تمثل بما تقرره مجموعاً وطنياً عابراً للطوائف والمناطق.

طغت اقتراحات القوانين يوم أمس، على المشهد التشريعي، وهي حق مطلق لمجلس النواب خصوصاً عندما يستشعر وجود ضرورات لم تمنحها الحكومة الاهتمام اللازم، لكن الذي جرى في أغلبه لم يكن كذلك، خصوصاً في اقتراح صفة العجلة لاقتراحات قوانين تعالج قضايا مزمنة، وتحتاج معالجة هادئة ومناقشة متعدّدة الجوانب، وبصورة أخصّ أن الحكومة الحالية لم يمض على نيلها الثقة ما يكفي لمساءلتها بتهمة الإهمال والتأخر، والسعي لتعويض نواقصها، واللافت أن بعض القوانين تطال عناوين مالية واقتصادية وإصلاحية ومن كتل ممثلة في الحكومة، التي يفترض أن تتضمن خطتها الاقتصادية والمالية المنتظرة، والتي قيل على لسان كل من رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة حسان دياب، إنها جاهزة أو شبه جاهزة، ويتناقض مع وحدة روح التشريع إقرار أي أجزاء منفصلة من الخطة، بما قد يصبح متعارضاً معها، ودون التنسيق معها، وبدت الحكومة ضعيفة ومستضعفة معاً، فهي من جهة لم تبادر لطلب إحالة هذه الاقتراحات إليها لضم ما يتناسب منها إلى الخطة التي سترد على المجلس بصيغة مشاريع قوانين، ولا في المجلس وبين الكتل النيابية المشاركة في الحكومة والحاضنة لها من تصرّف وكأن هناك حكومة.

بعد رفع الجلسة وتطيير النصاب طار أهم مشروع قانون يعني اللبنانيين، وهو مشروع الـ 1200 مليار ليرة، وبدا من تصريحات رئيس المجلس ورئيس الحكومة أن نقصاً في التنسيق والتشاور، كان قائماً في صيغة تقديم مشروع القانون، وكما بدا من مشهد الرأي العام في التعليقات التي حفلت بها وسائل التواصل الاجتماعي بعد انفضاض الجلسة أن فدرالية التشريع صارت فدرالية رأي عام، في تقاذف التهم بين الحلفاء وليس فقط بين الحلفاء والخصوم، مرة بتهمة حماية الفساد ومرة بإفشال الحكومة، ومرة بالشعبويّة، ومرة باللعب على أوتار طائفية ومذهبية. والسؤال البديهي هو لماذا يشعر اللبنانيون أن الأمور لا تسير كما يجب بين الحكومة والكتل النيابية التي تتمثل فيها، وتوفر لها الغطاء النيابي؟

المطلوب الإسراع في إطلاق تشاور نيابي حكومي، بين الحلفاء على الأقل لبلورة تصوّرات موحدة، فلا الحكومة تستطيع تخيل أنها قادرة على التصرف بإدارة الظهر للواقع النيابي الذي جاء بها ويحميها، وما جرى اليوم كافٍ لتثبيت هذا الاستنتاج، ولا مكوّنات الأغلبية النيابية تملك ترف الوقت لتسجيل النقاط بينها، أو بين بعضها والحكومة، وتجاهل حجم الضغط الذي تمثله الأزمات المتعددة التي تواجه البلاد، ومحدودية الخيارات في مواجهتها، وحصرية خيار الضرورة في توفير شروط النجاح لهذه الحكومة ورئيسها، وكفى وقتاً لتمرين التأقلم بين الحكومة والغالبية النيابية. فالناس هي التي تدفع ثمن هذه الفوضى السياسية، والجميع يقول إن كل البدائل هي صفر، بل تحت الصفر.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى