مانشيت

حاكم المصرف يشرح اليوم مسار الأزمة ملقياً المسؤوليّة على الحكومات ومجلس النواب طرابلس تشتعل… تشييع السمان ومواجهات مع الجيش وقوى الأمن… وبيروت تلتحق الحكومة تحظى باهتمام فرنسيّ وبدعم حزب الله… ودياب: «اللاشيء» أفضل من أشياء ملطّخة

كتب المحرّر السياسيّ

 

مع نزف الدماء في طرابلس وضع اللبنانيون أيديهم على قلوبهم، خوفاً من انفلات المشهد نحو المزيد من الدماء والخروج عن السيطرة، ومع مشاهد التعرّض العنيف للجيش اللبناني والقوى الأمنية، زاد الخوف والقلق من وجود أيدٍ مبرمجة لدفع البلاد نحو الفتنة والفوضى، خصوصاً أن ما شهدته المدينة قبل  تشييع فواز السمان وبعده الذي سقط في مواجهات أول أمس مع الجيش اللبناني، تزامن مع تحركات في مناطق نفوذ تيار المستقبل وعلى خلفية سقف سياسي يلوح بنية المواجهة في الشارع، صدر عن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وتبعته مواقف مشابهة في رفع سقوف المواجهة عن رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وبنسبة أقل رئيس حزب القوات اللبنانية.

مشهد طرابلس وبيروت الذي غابت عنه حشود انتفاضة 17 تشرين، وخرج فيه المئات من مجموعات الحراك ومئات من أنصار الزعامات، أشار إلى أيام ساخنة مقبلة تتزامن مع وضع مالي يزداد تعقيداً ووضع اقتصادي يزداد صعوبة ووضع اجتماعي يزداد تفاقماً، ما يعني ضخّ المزيد من الغضب في الشارع، ما لم تنجح الحكومة في تظهير سياسات قادرة على لجم ارتفاع سعر الصرف من جهة، والسيطرة على الغلاء الفاحش في الأسعار من جهة موازية، وإطلاق خطة اقتصادية مالية واقعية تعيد إنتاج الأمل لدى اللبنانيين، بأن الخروج من النفق المظلم ممكن ومتاح، وأن التضحيات والمزيد من الصبر لن يذهبا هدراً، خصوصاً أن الجزء الأكبر من الناس التي تمتنع عن النزول إلى الشوارع والساحات لا تفعل ذلك لأنها مرتاحة لأوضاعها، بل لمخاوفها من الإسهام في توسيع الشقوق في خطة مواجهة كورونا الذي لا يزال الخطر الأول رغم أنّه لم يعُد الخبر الأول. وهذه الشريحة الأوسع من الناس والتي اختبرت المشاركة في المواجهة الأولى من التحركات في الشارع في الخريف الماضي  متردّدة في المشاركة في الموجة الثانية لعدم يقينها بجدوى ذلك، في ظل ظهور أجندات خفية للكثير من منظمي التحركات وقادتها، ومشاهد الفوضى وقطع الطرقات وتداعياتها، وبالتالي فإن قابلية تفاعل هذه الشرائح مع إجراءات حكومية فاعلة في ضبط سعر الصرف وتحريك قدرات الناس في التصرف بودائعها ولجم وحش الغلاء وإطلاق الأمل بالنهوض، سيتمكن من إبقاء الشارع محدود الاستقطاب، وبالتالي تمكين القوى الأمنية من جهة ونداءات الحكومة المشفوعة بالأفعال من جهة أخرى لفصل الناس الغاضبين عن الجماعات التي تخدم مشروع الفوضى.

بانتظار ذلك، تفرّغت الحكومة لإقرار المزيد من خطوات التدقيق والتحقيق التي تطال الأموال المهرّبة إلى الخارج وملفات الفساد، وستنهي قراراتها وخطتها الاقتصادية والمالية في جلسة غد الخميس، بينما يسود الترقب على جبهة علاقة الحكومة مع حاكم مصرف لبنان، الذي سيطل الليلة ليترافع عن دوره ومسؤولياته، مظهراً الموازنات دليلاً على مسؤولية الحكومات المتعاقبة ومجلس النواب عن الإنفاق غير المحسوب، وطلبات تمويله بالمزيد من الدين، وتوقعت مصادر متابعة أن يعلن الحاكم في إطلالته عن إجراءات سيبدأ بها للسيطرة على سوق الصرف، من جهة، وتمويل الاستيراد الصناعي لتخفيض الطلب على الدولار من جهة موازية.

على صعيد السجال السياسي كان ردّ الرئيس دياب على وصف النائب السابق وليد جنبلاط له بـ«اللا شيء» هو الأبرز، حيث قال دياب، في كلمته للحكومة، «نحن لا شيء يثنينا عن مواصلة مسارنا، ولا شيء في السياسة يعنينا، لأن المتقلّبين من أهل السياسة يكابرون في مواجهة اللا شيء في الفساد، واللا شيء في المصالح، واللا شيء في الحسابات، اللا شيء هنا شهادة أفضل بكثير من أشياء ملطّخة لم تعُد تستطيع المساحيق تنظيفها أو إخفاءه، بينما كان اللافت الاتصال الذي أجراه وزير خارجية فرنسا برئيس الحكومة بالتوازي مع اتصال وزير المالية الفرنسية بوزير المالية اللبناني، تنويهاً بدعم فرنسا للبنان ولخطة الحكومة، واستعداداً للتعاون مع الحكومة في الحصول على مساعدة الهيئات الدولية المانحة، بينما كان لحزب الله موقف قويّ داعم للحكومة وإشارة إلى امتلاكها خطة اقتصادية متكاملة، ورد على لسان نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم.

وبينما تتجه الانظار الى إطلالة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة اليوم، لتفنيد الواقع المالي بالوقائع والأرقام وتقديم جردة مفصلة حول ما طالبه به رئيس الحكومة حسان دياب، في وقت لم يتم البحث في جلسة مجلس الوزراء في استقالة الحاكم التي لم تطرح بشكل جدي في الجلسة السابقة، لا سيما أن هذا الأمر يتطلب جملة من المعطيات التي تتم دراستها بتروٍّ في مجلس الوزراء. وكلف مجلس الوزراء وزارة المالية الطلب من مصرف لبنان إعداد لوائح تتضمن: أولاً: مجموع المبالغ التي جرى تحويلها إلى الخارج اعتباراً من تاريخ 1/1/2019 ولغاية تاريخه مع تبيان نسبة المبالغ التي جرى تحويلها من قبل أفراد يتعاطون الشأن العام وتلك التي حوّلت لأسباب تجارية. ثانياً: مجموع المبالغ التي سحبت نقداً في الفترة عينها المومأ إليها. ثالثاً: مجموع المبالغ التي جرى تحويلها في فترة إقفال المصارف استناداً إلى قواعد الامتثال والتعاميم ذات الصلة.

وبرزت أمس، سلسلة مواقف لنائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الذي أكد أن حاكم مصرف لبنان يتحمل مسؤولية ما وصلنا إليه، لكن ليس وحده»، مشدداً على أن «موقف حزب الله من موضوع الحاكم واضح وهو ضرورة مناقشة مسألة المصرف المركزي داخل الحكومة وليس في الإعلام حتى يتخذ القرار المناسب في هذا الإطار، على أساس تقديم مصلحة البلد على أي شيء آخر». وأشار إلى أن «وصول الدولار إلى مستويات قياسية يعني أن هناك أخطاء متراكمة وأداء سلبياً من مصرف لبنان، أوصلنا إلى هذه النتيجة»، معتبراً أن «المتابعة يجب أن تكون بتشخيص العلة ومحاولة تصحيحها لوضع حد لهذا الفلتان. وهذا ما تعمل عليه الحكومة». ولفت إلى أن «الخطة الاقتصادية للحكومة كبيرة ومفصلة، وإذا ما أقرّت مرفقة بخطط إضافية متكاملة سوف نتلمس حينها بداية حلول للأزمات الراهنة». وأكد أن «هناك أطرافاً تريد إسقاط الحكومة لكنَّ إمكاناتها والظروف الموضوعية لا تسمح لها بالوصول إلى هذا الأمر»، مشدداً على أن «الحكومة قوية وثابتة ومتماسكة وهي بدأت خطوات عملية من أجل وضع البلد على الخط الصحيح».

وفيما يعود مجلس الوزراء اليوم لمواصلة البحث في الخطة الإصلاحيّة، التي يفترض ان تقر يوم الخميس أقرّ مجلس الوزراء أربعة تدابير آنية وفورية لمكافحة الفساد واستعادة الأموال المتأتية عنه، وهي: تفعيل التدقيق الضريبي، والتحقيق المحاسبي، وتطبيق المادة الخامسة من قانون السرية المصرفية، والرقابة المؤخرة لديوان المحاسبة.

وكان لافتاً أمس، التحرك الأميركي والفرنسي تجاه الرئيس دياب فزارت السفيرة الأميركية دوروثي شيا السراي الحكومية، حيث أعربت السفيرة عن استيائها من الطابع غير السلمي الذي يطغى على المظاهرات. وقالت «شعور الشعب اللبناني بالإحباط بسبب الأزمة الاقتصادية أمر يمكن تفهمه، ومطالب المحتجين مبرّرة. لكن حوادث العنف والتهديدات وتدمير الممتلكات هي مقلقة للغاية ويجب أن تتوقف ونحن نشجّع السلوك السلمي وضبط النفس من قبل الجميع، وكذلك اليقظة المستمرة بشأن التباعد الاجتماعي في إطار جائحة فيروس كورونا». وجدّدت التأكيد على وجوب التعاون مع صندوق النقد الدولي. كما أعلنت عن مساعدات إنسانية من الولايات المتحدة إلى لبنان لمساعدته في مكافحة وباء كورونا، وذلك عن طريق الجامعة الأميركية في بيروت. واستفسرت السفيرة الأميركية عن الخطة المالية ومتى ستقر وتطرقت الى أوضاع مواطنين أميركيين موجودين في سوريا ويريدون العودة الى بلادهم عبر لبنان. أما وزير الخارجية الفرنسي جانإيف لودريان فقد أجرى اتصالًا بالرئيس دياب أعرب فيه عن تأييد فرنسا برنامج الحكومة الإصلاحي، واستعدادَها مساعدة لبنان مع صندوق النقد الدولي، كذلك شدّد لودريان على نيّة فرنسا عقد اجتماع لمجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان فور انتهاء إجراءات الحظر المتعلقّة بوباء كورونا. يذكر أن اتصال لو دريان بالرئيس دياب ليس الأوّل. وليس بعيداً تلقى وزير المال غازي وزني اتصالاً من وزير المالية والاقتصاد الفرنسي Bruno Le Maire، الذي أكد دعم فرنسا للبنان بخطته المالية والاقتصادية، مشدداً على «ضرورة تنفيذ الخطوات الإصلاحية المطلوبة منه».

الى ذلك وعلى وطأة ارتفاع سعر الدولار وغلاء الاسعار من دون حسيب او رقيب وفقدان الكثير من اللبنانيين وظائفهم من جراء الازمة الاقتصادية ومن ثم ازمة كورونا، تتواصل التحركات الشعبية في بيروت وطرابلس وصيدا والبقاع، لكن المفارقة ان هذه التظاهرات يخرقها بعض المخربين الذين عمدوا الى تكسير واجهات بعض المصارف وإحراق بنوك أخرى، فضلاً عن تنفيذها اعتداء على الاملاك العامة والخاصة وتعرّض هؤلاء لعناصر الجيش اللبناني. وقد استمرّت المواجهات بين المتجمعين والجيش حتى ما بعد منتصف ليل امس لا سيما في شوارع طرابلس وصيدا.

وكانت طرابلس شيعت أمس الشاب فواز السمان الذي توفي متأثراً بجروح اصيب بها اثر الحوادث التي اندلعت في طرابلس ليل اول امس، وأدت الى جرح نحو 35 مدنياً و4 عسكريين. وكانت قيادة الجيش أعربت عن بالغ أسفها لسقوط شهيد خلال احتجاجات أمس، وتقدّمت بأحرّ التعازي لذويه واكدت انها فتحت تحقيقاً في الحادث. وجددت تأكيدها احترام حق التعبير عن الرأي شرط ان لا يأخذ التحرك منحى تخريبياً يطال المؤسسات العامة والخاصة ودعت المواطنين للالتزام بالإجراءات.

ورفض رئيس الحكومة حسان دياب بشدّة «كل المحاولات الخبيثة لتشويه التعبير الديمقراطي المتمثل بالتظاهرات بحرفه عن مساره عبر تحويله إلى حالة شغب تؤدي إلى الإساءة لهموم الناس ومطالبهم المحقة، وبالتالي الاستثمار السياسي في حالة الشغب لخدمة مطامع ومصالح وحسابات شخصية وسياسية». وقال ممنوع العبث بالاستقرار الأمني، ويجب أن تكون هناك محاسبة لهؤلاء العابثين، والدولة لن تقف مكتوفة الأيدي. فما حصل في بعض المناطق من اعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، وما تخلّله من استهداف للجيش اللبناني والاعتداء على جنوده، يؤشر إلى وجود نيات خبيثة خلف الكواليس لهزّ الاستقرار الأمني، وهذا لعب بالنار، وسيحرق أصابع أولئك الذين يريدون الاستثمار بدماء الناس لمصالحهم.

الى ذلك قالت مصادر وزارة الخارجية الأميركية لسكاي نيوز عربية: إن هناك خيارات صعبة ونحن ندعم حق الشعب اللبناني في الاحتجاج سلمياً والتعاطف مع مطالبه المشروعة بإصلاحات حقيقية ودائمة تعالج المشاكل الهيكلية وتنشط الاقتصاد. وأسفت للتقارير عن الخسائر في الأرواح والممتلكات داعية الجميع الى الامتناع عن العنف أو الأعمال الاستفزازية.

ودان الحزب السوري القومي الاجتماعي كل اشكال التحريض وما ينتج عنها من أحداث مؤسفة واعتداءات تستهدف الأملاك العامة والخاصة وعناصر الجيش اللبناني والقوى الأمنية. وأشار إلى أن الاعتداء على الجيش اللبناني والقوى الأمنية، هو اعتداء على استقرار البلد وأمن كل اللبنانيين، لأن المؤسسة العسكرية هي ضمانة الأمن والاستقرار وحامية السلم الأهلي.

وأكد «القومي» وقوفه إلى جانب مؤسسة الجيش اللبناني التي تدافع عن لبنان بوجه العدو الصهيوني وتدفع الأخطار عن اللبنانيين، داعياً القوى السياسية كافة إلى الموقف ذاته. كما دعا البعض أن يُوقف «استثماراته» في أعمال الفوضى والتخريب، لأن من يستثمر في الفوضى يحصد العاصفة. ولفت إلى إنّ الارتفاع الجنوني للدولار وللسلع والمواد الغذائية يفوق طاقة الناس على التحمل، ويجعل السواد الأعظم من اللبنانيين مهددين في لقمة عيشهم، لذا، لا نرى سبباً لهذا الانفلات في أسعار السلع والغذاء وصرف الدولار، سوى أن هناك أيادي سوداء خفية تقف وراء تفاقم الازمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية. وقال «القومي» في بيانه: الناس كلهم غاضبون، وهم ينتظرون من الحكومة والمسؤولين كافة خطوات جادة وسريعة للجم ارتفاع الأسعار وتحقيق الاستقرار الاجتماعي ونزع فتائل التفجير من أيادي المنضوين في مشاريع مشبوهة ضد مصلحة لبنان واللبنانيين.

وأكدت مصادر نيابية في لجنة الصحة لـ«لبنان24» أن الأمور تثير القلق لا سيما ان التظاهرات لا تبشر بالخير في الوقت الراهن، اذ ان لبنان لا يزال تحت خطر كورونا الذي لم ينته بعد، وبالتالي فإن على المتظاهرين اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لجهة وضع الكمامات واعتماد المسافة بينهم والتي يجب ان تكون وفق بيانات وزارة الصحة، لا سيما أن هناك الكثير من الاشخاص يصابون بالكورونا ولا تظهر عليهم العوارض. وهذا الامر بحد ذاته يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار لان هؤلاء الاشخاص يمكن أن ينقلوا العدوى بسرعة من دون ان يعلموا. وإذ أشارت المصادر النيابية الى ان اجراءات وزارة الصحة تعتبر بالغة الأهمية وأنقذت لبنان من الانزلاق نحو الهاوية، دعت المصادر المواطنين الى ضرورة مواكبة الوزارة والحكومة بالتقيّد بإجراءات الوقاية.

وبينما سجلت وزارة الصحة العامة في تقريرها اليومي 7 حالات كورونا جديدة (من اصل 1499 فحصا)، ليرتفع العدد التراكمي للإصابات منذ 21 شباط الماضي الى 717، بدأت امس الجولة الثانية من رحلات اعادة اللبنانيين المغتربين الى بيروت.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى