أولى

الحركة والجمود السياسيّ…

سعاده مصطفى أرشيد _

 

 

لم يحُل وباء كورونا دون أن تستمرّ دول العالم في أدائها السياسيّ بالتوازي مع سياسات مكافحة الوباء وآثاره على مناحي الحياة المتعدّدة

الولايات المتحدة الأميركيّة وهي من أكثر الدول تضرّراً وإصابة بالفيروس، لم تزل برغم ذلك تتحضّر لاستحقاقها الانتخابي الرئاسي في تشرين الثاني المقبل، وتشتدّ المنافسة بين الرئيس الجمهوري دونالد ترامب وخصمه الديمقراطي جو بايدن، كما لا تزال تصعّد من هجومها على إيران وفنزويلا وتناوش الصين وروسيا، وتدعم نتنياهو في صراعه الداخلي وفي تغوّله على فلسطين والإقليم.

الصين بدورها وجدت في قدراتها العالية نسبياً في مجال مكافحة الوباء أداة جديدة تساعدها في تمدّدها العالمي عبر دبلوماسية الكمّامة وأجهزة الفحص ثم إرسال فرق طبية وإغاثية لدول عديدة، والصين ماضية في سعيها لمنافسة القوة الأولى في العالم.

إيران نشطة في لبنان والعراق وكذلك في إزعاج الأميركان في الخليج والسعوديّين في اليمن والتكفيريّين في سورية، وتكشف عن أسلحة وقدرات عسكرية جديدة، وتطلق قمراً صناعياً.

تركيا تسعى للحفاظ على ماء الوجه في الشمال السوري وتتمدّد في ليبيا. الطبيعة تكره الفراغ والسياسة عمل متواصل لا يوقفه الوباء.

دولة الاحتلال التي أزهق الوباء ما يزيد عن 200 نفس فيها وأصاب ما يقارب 20000 من ساكنيها، استطاعت برغم تفشي المرض أن تتوافق على حكومة طوارئ، وهي ماضية في سياساتها التطبيعية مع بعض العالم العربي وخاصة في الخليج والسودان وتزيد من تمدّدها في القارة السوداء، وطائراتها وصواريخها لا تفتأ العبور من سماء لبنان وتضرب في الأرض السورية مذكرة إيانا بوجودها ويدها الطويلة القوية المدعومة أميركياً وغير المكبّلة روسياً. (إسرائيل) لم تعد تلقي بالاً أو تعير اهتماماً للقاهرة أو عمان أو رام الله، وهي لا ترى أنّ هؤلاء يملكون أوراق قوة أو إرادة سياسية تزعجها. وبالتالي فمخططات ضمّ الأغوار وشمال البحر الميت والمستوطنات وبرية الخليل، والتي نفذ كثير منها على أرض الواقع، وسيتخذ بها القرار في مطلع تموز ويأخذ أبعاده القانونية عبر البرلمان (الكنيست). منذ أيام صرّح وزير الخارجية الأميركي بومبيو أنّ قرار ضمّ مناطق من الضفة الغربية شأن يعود للحكومة الإسرائيلية، وبعد يومين أوضحت ناطقة باسم وزارته: «نحن على استعداد للاعتراف بالإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى بسط السيادة وتطبيق القانون الإسرائيلي على أجزاء من الضفة الغربية، واعتبار تلك الأرض جزءاً من أرض إسرائيل، وانّ ذلك سيتمّ في سياق موافقة الحكومة الإسرائيلية على التفاوض مع الفلسطينيين على أساس الخطوط التي حدّدتها رؤية الرئيس ترامب.

أما رؤية الرئيس ترامب فهي بكلمات قليلة مشروع صفقة القرن والتي تمنح «إسرائيل» صراحة المناطق التي تنوي ضمّها والتي تضرب أية إمكانية لمقوّمات إقامة دولة فلسطينية مترابطة جغرافياً.

إذا كان وباء كورونا لم يوقف العالم عن عمله في السياسة، فلماذا نتوقف نحن ونتصرّف على أساس أنّ الخطر الوحيد الذي يهدّدنا هو الكورونا لا الاحتلال، وأنّ الجهد كله منصبّ على الوباء ومعالجته والوقاية منه لدرجة جعلت منه المشجب الذي نعلق عليه عدم قدرتنا وربما عدم رغبة بعض منا في مواجهة الحقيقة المتمثلة بالاحتلال وقضم الأرض وتهويد القدس وتفكيك صراعنا الوجودي وتحويله إلى مسائل حياتية صغيرة، وأخيراً مشروع صفقة القرن وضمّ 30% من الضفة الغربية وتقطيع أوصالها وشقّ الطرق التي يقتصر الحق في استعمالها على المستوطنين ويحظر على الفلسطينيين. حالة من الجمود والفراغ السياسيّ يحاول ملأها الناطق باسم الحكومة في عرض يومي يراه شيّقاً وظريفاً فيما المستوى السياسي في رام الله يعتمد سياسة الانتظار غير مدرك أنّ زمن المعجزات قد ولّى وأنه لا يمكن الثبات في عالم دائم الحركة. الفلسطيني انتظر نتائج الانتخابات الإسرائيلية وراهن على تحقيق القائمة العربية قدراً من المقاعد يجعلها قادرة على التأثير في تشكيل الحكومة أو على السياسات العنصرية لدولة قامت على أساس عنصريّ إحلاليّ. الفلسطيني انتظر فوز حزب أزرقأبيض على الليكود مفترضاً انه أفضل، علماً أنّ الفريقين يعلنان صراحة تطابقهما في السياسة تجاه الشأن الفلسطيني، وإنّ كان ثمة اختلاف على عمليه الضمّ فهو يتعلق بالشكل وبالتوقيت لا بالجوهر، غانتس من المؤسسة العسكرية التي ترى في بقاء الأغوار تحت السيادة والسيطرة الإسرائيلية مسألة أمن قومي وقد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من العقيدة العسكرية للجيش. وانتظر الفلسطينيّ قراراً قضائيّاً يحكم في غير صالح نتنياهو في قضايا الفساد المنظورة وبما يحول دون توليه رئاسة الحكومة. الفلسطينيّ الآن ينتظر الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة ويعلق آمالاً على فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، مع أنّ التجربة أثبتت أن لا فوارق جوهرية بين الإدارات الأميركيّة جمهورية كانت أم ديمقراطية تجاه دعم «إسرائيل».

السلطة الفلسطينيّة لديها القناعة أنّ عملية ضمّ المناطق السابق ذكرها لن تتمّ، حيث يقول بعض ساستها إن شخصيات في الايباك (اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة) غير موافقة على عملية الضمّ، اقتناع السلطة بهذا التحليل وربما بتحليلات تذهب في الاتجاه ذاته من شأنها أن تعفيها من الالتزامات والمسؤوليات المترتبة على عملية الضمّ، علماً انّ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية كان قد صرّح أكثر من مرة بأنه على اطلاع على خطة الضمّ منذ عام 2011، فلعله أخذ وقتاً كافياً لإعداد الردود اللازمة، كما أنّ تصريحات ذات طبيعة نارية أطلقت على لسان عدد من مسؤولي السلطة تهدّد وتتوعّد بردود حاسمة وقرارات خطيرة سوف تتخذ في حال أقدمت الحكومة الإسرائيلية على هذه الخطوة.

لا يبدو على نتنياهو أو غيره من الساسة في تل أبيب الخوف من هذه التهديدات، لا بل أنّ هنالك ما يشير إلى أنها لم تصلهم، أو لم يلقوا إليها بالاً، فلم نسمع ردودهم عليها، إلا إذا كان بعض الردّ قد ظهر في تنفيذ الحكم القضائي الذي أصدرته محكمة إسرائيلية في القدس باحتجاز مبلغ 450 مليون شيكل (قرابة 130 مليون دولار) من أموال المقاصة العائدة لخزينة السلطة وذلك لتعويض ذوي بعض القتلى الإسرائيليين الذين قضوا في عمليات نفذتها مجموعات مقاومة فلسطينية انطلقت من الضفة الغربية، حيث ترى المحكمة الإسرائيلية أنّ حفظ الأمن واعتقال هؤلاء هو من وظيفة السلطة الفلسطينية وأن قصور أدائها هو السبب في مصرع هؤلاء.

قد لا يكون من الحصافة والحكمة الجزم في الأمور السياسية، ولكني أميل إلى ترجيح أنّ عملية ضمّ مناطق من الضفة الغربية والتي وردت آنفاً، كما وردت في متن صفقة ترامب (صفقة القرن)، ستتمّ في موعدها المقرّر في مطلع تموز المقبل، وإن كان ثمّة تأجيل فلن يكون أكثر من إجراء إداري أو انتظار اللجنة الأميركيةالإسرائيلية لترسيم الحدود لإنجاز خرائطها، وفي ظني أن لا عقبات قضائية من شأنها عرقلة القرارات، أما التهديدات التي أطلقت على مدى أعوام ولم تنفذ ثم تكرّرت مؤخراً فلا أظنها تخيف الإسرائيلي ومن ورائه الأميركي فهؤلاء شأنهم شأن أيّ مراقب ومتابع للأحداث قد أخذ الدرس والعبرة من عملية ضمّ القدس ومن قرار الإدارة الأميركية بنقل سفارتها من تل أبيب للقدس، إذ أيهما أهمّ وأخطر ضمّ القدس أم ضمّ الأغوار ومناطق المستوطنات؟ فالقدس مهوى أفئدة مليارات من البشر مسلمين ومسيحيين، وهي مَن يمنح المكانة العاطفية والروحية للمسألة الفلسطينية وما يتبع ذلك من مكانة سياسية، وهي ذخر مالي واقتصادي باعتبارها إحدى أهمّ المناطق السياحية في العالم والتي تدرّ دخلاً يعادل دخل مجموعة من آبار النفط عندما كان للنفط قيمة، لقد مرّت قضية القدس مروراً سهلاً وإنْ كان غير كريم فلماذا لا تمرّ العمليه الأسهل؟

*سياسيّ مقيم في الضفة الغربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى