مقالات وآراء

سوسيولوجيا واقع التعليم في لبنان

 

محمد فرحات:

لا يحتاج المراقب لأيّ جهد في سبيل معرفة العقبة التي تكمن وراء العجز الدائم في إصلاح المجتمع والإدارة وفي إقامة الدولة الحديثة في لبنان، حتى المرء العادي اللامبالي يعرف أنّ وراء كلّ علة لبنانية «أمّ العلل» وأقصد بها الطائفية، فقد باتت الطائفية ظاهرة أساسية تتحكم بالمجتمع والدولة، فبتنا اليوم نعيش مرحلة دقيقة يعتريها خمول فكري ولا مبالاة عامة وانجراف وراء غرائز مذهبية أوْدت بنا إلى حافة إنهيار الإنسان والمجتمع بعدما تفشت في دوائر الدولة ومؤسسات النظام على مختلف المستويات. فالطائفية ليست مجرد عواطف ومشاعر تزول بسهولة بمجرد حصول تعديل أو تغيير أو إصلاح في البنية التحتية، فالطائفية جزء أساسي من بنية المجتمع الراهن وتاريخه وواقعه، وقد ترسخت استناداً إلى بنية تحتية تستمدّ قوتها من مناطق سكنية تهيمن عليها، وهي الآن تحتلّ معظم الساحات حيث أصبحت المؤسّسات الخاصة ومؤسّسات المجتمع ذات لون طائفي ومذهبي من المصرف إلى المستشفى مروراً بالإعلام والجامعة والمدرسة.

فالبنى التحتية الطائفية عملت على بسط نفوذها في الكيان اللبناني، فمثلاً إذا أخذنا موضوع التعليم في لبنان نجد أنّ عدد المدارس في لبنان حسب إحصاء 2009 ـ 2010 للمركز التربوي للبحوث والإنماء حوالي 2727 مدرسة وتضمّ هذه المدارس 755683 تلميذ، وتقسم هذه المدارس وفقاً لنوعها سواء كانت حكوميه أم خاصة حسب الجدول التالي:

 

مدارس

 

رسمي

 

خاص مجاني

 

خاص

 

مجموع

 

ابتدائي

 

267

 

369

 

89

 

725

 

متوسط

 

794

 

0

 

448

 

1242

 

ثانوي

 

258

 

0

 

502

 

760

 

مجموع

 

1319

 

369

 

1039

 

2727

 

 

 

يتبيّن لنا حسب الجدول أعلاه انّ 47.4% هم مدارس حكومية و 12.8% مدارس خاصة مجانية و 37.2% مدارس خاصة و الاونروا 2.6%.

اما المفارقة الأهمّ حسب الجدول انّ المدارس الثانوية وهي اهمّ هذه المدارس لأنها تجمع التلاميذ من عمر 15 سنة حتى 18 سنة وهي فترة صقل وتأسيس للتلاميذ لانتقالهم الى المرحلة الجامعية والحياة العامة وهي بوجود 66% مدارس ثانوية خاصة و 34% هي مدارس ثانوية رسمية.

اما توزيع التلاميذ حسب تسجيلهم في العام الدراسي 2009 ـ 2010 في مدارس لبنان حسب نوعها هو الآتي:

 

مدارس

 

رسمي

 

خاص مجاني

 

خاص

 

مجموع

 

ابتدائي

 

125945

 

102609

 

213181

 

441735

 

متوسط

 

73864

 

0

 

121362

 

195226

 

ثانوي

 

56048

 

0

 

62674

 

118722

 

مجموع

 

255857

 

102609

 

397217

 

755683

 

 

 

يتبيّن لنا حسب جدول التلاميذ انّ 30.2% من عدد التلاميذ مسجلون في مدارس رسمية و 13.5% مسجلون في مدارس خاصة مجانية و 52.8% مسجلون في مدارس خاصة و3.5% مسجلون في الاونروا. كذلك يوجد في لبنان 105 معاهد رسمية تحتوي على37317 تلميذا و351 معهداً خاصاً تحتوي على 58494 تلميذاً.

أما الجامعات في لبنان فهي 38 مؤسسة تعليمية مسجل فيها 180850 طالباً وطالبة بينهم 72813 في الجامعة اللبنانية ، ايّ 59.7% مسجلون في جامعات خاصة و40.3% مسجلون في الجامعة اللبنانية ، أما عدد الخرّيجين عام 2008-2009 فهم 10498 طالب من الجامعة اللبنانية و 19249 طالباً من الجامعات الخاصة.

تكون نتائج هذا البحث كارثية من حيث الأرقام فقد وجدنا انّ إهمال الدولة في تنمية جميع قطاعاتها وخاصة التعليم فسح المجال أمام الطوائف لدخول الحياة الاجتماعية من هذا المدخل، وعملت على بناء مؤسساتها وأصبحت هذه المؤسسات بنى تحتية للطوائف عملت على كسب الناس عاطفياً، فجميع المدارس الخاصة طائفية مسيحية من خلال الإرساليات وغيرها، وإسلامية سنية ومؤخراً مدارس ومؤسسات إسلامية شيعية خاصة، بعد اتفاق الطائف، ليكتمل لدينا في لبنان شكل المؤسسات الطائفية، بهذا المعنى يصبح الازدهار وتكاثر المدارس والجامعات والمؤسسات المسلمة، إذا صحّ التعبير هدفاً أساسياً هو خلق التوازن مع الإرساليات والمؤسسات المسيحية، والنتيجة بالنسبة للطلاب والأجيال الصاعدة هي ثقافة وتربية تكون في معظمها ذات صبغة طائفية، فادارات هذه المدارس في النهاية هيئات دينية مرتبطة بخدمة الطائفة تديرها مجالس طائفية لكلّ طائفة كالمجالس الكاثوليكية ومنها بطريركية الروم الكاثوليك وسائر المشرق التي تدير عدة مدارس منها البطريركية وثانوية المخلص بيروت، والمؤسسات السنية كجمعية التربية الاسلامية وجمعية المقاصد الخيرية الاسلامية اللتين تديران مدارس المقاصد والايمان النموذجية وغيرهم والمؤسسات الشيعية كمؤسسات أمل التربوية وجمعية الامداد الخيرية وجمعية التعليم الديني الاسلامي وغيرهم الذين يديرون مدارس المصطفى ومدارس الامام الخميني، والمؤسسات الدرزية التي تدير مدارس المعنية وثانوية العرفان، والمؤسسات المارونية التي ترعى شؤؤن مدارسها كثانوية مار يوسف لراهبات العائلة المقدسة المارونية والرهبانية المارونية وغيرهم من الجمعيات الدينية كالثانويات الرهبانية والثانوية الانجيلية الوطنية.

أكبر مثال على ذلك إذا أخذنا عدد المدارس والتلاميذ في مدينة بيروت الكبرى نجد انّ عدد المدارس الخاصة الغير مجانية 102 مدرسة مقسّمين على الطوائف والمذاهب في بيروت مسجل فيها حوالي 53465 تلميذ من جميع الطوائف نجد حوالي 46  مدرسة تابعة للمذاهب المسيحية موجودة في بيروت الشرقية اي منطقة الوجود المسيحي حسب الفرز الطائفي وطبعاً مسجل في هذه المدارس تلاميذ ينتمون الى المذاهب المسيحية بحكم المنطقة وحوالي 41 مدرسة إسلامية مقسمة بين سنية 28 مدرسة وشيعية 11 مدرسة موجودة في منطقة بيروت الغربية ايّ منطقة الوجود الإسلامي وطبعاً مسجل في هذه المدارس تلاميذ ينتمون الى المذاهب الإسلامية ومدرستين درزيتين.

كذلك يوجد 18 مدرسة خاصة مجانية ، 8 منها مدارس مسيحية موجودة في مناطق الوجود المسيحي (بيروت الشرقية) و 10 مدارس إسلامية موجودة في مناطق الوجود الإسلامي (بيروت الغربية ) ومسجل في هذه المدارس 5174 تلميذ مقسّمين بين الطوائف في بيروت حسب الفرز الطائفي المذكور.

كذلك يوجد 70 مدرسة رسمية في بيروت الكبرى مسجل فيها 17510 تلميذ فالمدارس الرسمية الموجودة في بيروت الشرقية ذات الوجود المسيحي يغلب الطابع المسيحي بالنسبة لإدارة هذه المدارس وتلاميذها وكذلك نجد المدارس الرسمية الموجودة في بيروت الغربية ذات الوجود الإسلامي يغلب الطابع الإسلامي على إداراتها وتلاميذها، هذا بالنسبة إلى مدينة بيروت العاصمة ومركز الإدارات العامة أما في باقي المناطق فالوضع التعليمي أشبه إلى حدّ ما مدينة بيروت.

حتى الجامعة اللبنانية لم تكن حالها بأحسن حال من الجامعات والمؤسسات الخاصة فإداراتها مقسّمة على الطوائف حسب التوزيع المناطقي لهذه الأفرع فالفرز الطائفي الذي حصل في لبنان وضعت جذوره في العام 1840 وصولاً لإعلان دولة لبنان الكبير وثبتت دعائمه باتفاق الطائف بعد الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1989. فالفرز الطائفي الذي حصل ابان هذه الفترة عمل على اتساع المجتمع الأهلي طائفياً وتربوياً وسياسياً جعل من الصعوبة إمكانية قيام مجتمع مدني إلا باتخاذ خطوات عملية جدية وجذرية ليست بالخطوة التي حصلت في توحيد الجامعة اللبنانية في مجمع واحد ومنطقة واحدة يسهل عملية التواصل الطائفي بين الطوائف لأنّ هذه الخطوة دفنت قبل ان تولد لأنّ الطوائف ظلت مصرّة على إبقاء الفروع في المناطق لتظلّ متحكمة بنوع الطلبة المتخرّجين رغم شعاراتها المنادية بتوحيد الجامعة اللبنانية، فالحلّ للخروج من الأزمة هو ان نبدأ بخطوات عملية بشكل جذري تبدأ بتهيئة الرأي العام اللبناني عبر إنتاج وسائل اعلام وطنية لا طائفية، وإقفال الوسائل الإعلامية الطائفية من قبل سلطة لا طائفية ليست كالسلطة التي اعتدنا عليها في لبنان وهي سلطة طائفية تعمل على تقسيم الخريطة اللبنانية عند كلّ مرحلة انتخابية، ففاقد الشيء لا يعطيه، هذه السلطة اللا طائفية حكماً ستنبثق عن عملية انقلابية جريئة تعمل على تقوية سلطة المؤسسات الإدارية والأمنية في الدولة اللبنانية وتنتقل الى مراقبة جميع المؤسسات التربوية ابتداء من توحيد الجامعة اللبنانية فعليا في مجمع واحد ليتسنى للطلاب التعرّف على بعضهم البعض في كافة المناطق والمذاهب اللبنانية وتوحيد كتاب التاريخ للمدارس وتهيئة المدرّسين لتعليم مادة التربية المدنية والتنشئة الوطنية وذلك بإعطاء دروس في التربية والتنشئة عن التعريف عن هويتنا ومجتمعنا ووطننا بشكل ينتفي وجود ذكر للطوائف والطائفية في المدارس، وتوحيد كتاب الديني بين جميع المدارس والطوائف، ثانياً توحيد الهيئات الأهلية والمنظمات التي في معظمها منبثقة من الأحزاب الطائفية كالكشاف وغيره وتشرف على هذه الهيئات والمنظمات إدارة منبثقة من الدولة..

ثالثاً وضع قانون انتخابي يؤدّي الى الإنتقال التدريجي من القضاء والمحافظة الى الدائرة الواحدة يعني الانتقال من الطائفة الى الوطن.

هذه الخطوات ترافقها عملية وضع قانون إلغاء الأحزاب الطائفية لأنها وبعد هذه الخطوات التي قد تستمر فترة عشر سنوات يكون قد أنتجنا جيلين من متعلمين خريجين ومثقفين غير طائفيين يكون من السهل على أية سلطة لا طائفية إكمال باقي الخطوات لإلغاء الطائفية الإجتماعية والسياسية في لبنان وتكون هذه السلطة المدنية أصبحت قادرة على تأمين كافة التقديمات الإجتماعية للشعب من التعليم إلى الصحة وغيرها من ضروريات الحياة اليومية لنتمكن عندها من تغيير الأرقام الواردة في الجداول أعلاه التي تثبت أن لبنان مجتمع طائفي مذهبي بإمتياز.

هذا التغيير يستلزم قيام أحزاب ثورية عقائدية تجري نقدا» ذاتيا» لتجربتها وتقدم نفسها أنموذجا» في الفكر والممارسة لمهاجمة الثقافة الطائفية السائدة وتغيير سلَم القيم التقليدية وإعادة الإنحياز إلى حرية الإنسان وثقافته مع الحفاظ في الوقت نفسه على الهوية الوطنية المقاومة في مواجهة المخططات الإسرائيليةالغربية وترك باب الحوار مفتوحا» أمام الصراع الفكري والعقائدي.   

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى