أولى

أزمة كورونا في إيران وتركيا… والآفاق؟

 

 د. جمال زهران*

لا تزال أزمة «كورونا»، مستمرة وبلا توقف. ولا تزال معدلات النمو في الإصابات والوفيات في تصاعد وبلا توقف أو تراجع. فقد تخطت الإصابات حاجز الـ (3) ملايين وتقترب بسرعة من الـ (4) مليون إصابة! وتخطى عدد الوفيات الـ (200) ألف ويقترب من الـ (300) ألف! ولا يزال العداد مستمراً في التصاعد! كما أنّ نسب الشفاء لا تتجاوز 30% (أيّ أقلّ من الثلث). وبالتالي فإنّ عدد الثلثين إلى عداد الوفيات الذي يتحرك نحو المليون خلال شهرين من الآن! حيث إنّ نسب الوفيات حالياً تبلغ 7.1%. ومن ثم فإن توقعاتي وفقاً لما سبق أن قلته من قبل، إنّ أزمة «كورونا» مستمرة عالمياً حتى نهاية هذا العام 2020، وقد تستمرّ في أميركا على وجه الخصوص إلى نهاية العام 2021، في ظلّ قراءة تحليلية لنمو الظاهرة وحركتها. فجميع التصريحات حول قرب التوصل إلى عقار أو مصل لهذا الفيروس المرضي بعد هذا الانتشار الذي تخطى فيروس أنفلونزا الطيور، والخنازير، والسارس، بل والأنفلونزا الإسبانية، مجرد أوهام خادعة، والمستهدف منها التعامل النفسي مع البشر الذين التزموا منازلهم وتعطلت الأعمال في العالم، على خلفيّة تفادي أكبر درجة من الانتشار الوبائيّ، ولكن الهدف الأكبر هو تحطيم وانهيار النظام الاقتصادي العالمي الحالي لصالح نظام آخر تحت سيطرة رأسمالية جديدة، وكأنها إدارة  عمدية تآمرية للانتشار المنضبط لفيروس كورونا. ولكن أمام ذلك الانتشار الوبائي، تلفت نظري الإدارة الإيرانية والإدارة التركية باعتبارهما أكبر قوتين إقليميتين مؤثرتين في حاضر الإقليم ومستقبله.

فقد كانت إيران هي محطة الانتشار الوبائي بعد الصين مباشرة، وراح ضحية ذلك عدد من رموز الحكم في البرلمان الإيراني ومواقع تنفيذية أخرى.

وظهر ذلك باعتبار أنّ إيران أرض المؤامرة الاستعمارية الثانية. فقد فشل الغرب بعقوباته الشاملة عن إسقاط هذه الدولة وإجبار نظامها على الخضوع أمام الهيمنة الأميركية وتوابعها.

فقد بلغت الإصابات نحو (95) ألفاً وتقترب من الـ (100) ألف، وتجاوز عدد الوفيات الـ (6) آلاف شخص. إلا أنّ اللافت للنظر هو عدد المتعافين والذين تمّ شفاؤهم تماماً، فقد بلغ (80) ألفاً، وبنسبة (80%) من إجمالي الإصابات.

بينما بلغت نسبة الوفيات (6.4)%. ويلاحظ أنّ نسبة الوفيات قليلة بالمقارنة بمنظومة الوفيات العالمية التي تتجاوز الـ 7%. إلا أنّ الأكثر ملاحظة هو أنّ نسبة الاستشفاء الكامل هي (80%)، والمتبقي في الأسوأ هو (20%) بين متوفٍ وقابل للاستشفاء. فلو أنّ عدد المتوفين تجاوز الـ (6) آلاف، ويزداد ببطء شديد، ولذلك فليس من المتوقع تجاوز الـ (7) آلاف في الشهرين المقبلين، مع تزايد نسبة الاستشفاء، والتزايد المحدود لعدد الإصابات يومياً، بعد أن كان العداد يتصاعد بسرعة، والآن يكاد أن يكون قد توقف.

ومن ناحية عدد من تمّ فحصهم، فقد بلغ نحو نصف مليون من إجمالي عدد السكان البالغ نحو (84) مليوناً، وتمّ رصد أن نسبة الإصابة بعد الفحوصات هي: 0.11%. الأمر الذي يشير إلى أنّ هناك شيئاً لافتاً للنظر في الحالة الإيرانية. والتفسير عندي أنّ إيران تعاملت مع الأزمة بصرامة شديدة، وبحذر وبإجراءات احترازية وعلاجية كبيرة، وأمكنها التعامل الناجح مع هذا الفيروس. فسيطرت عليه، وتمكّنت من تحقيق أعلى معدلات الاستشفاء في العالم، بعد الصين، ولذلك فخلال (3) شهور كحدّ أقصى فإنّ إيران ستتمكن من إعلان خلوها تماماً من الفيروس، على أرضية وأسلوب الصين في التعامل ذاتهما، وهو إنجاز كبير يحسب للنظام الإيراني الذي يتعرّض للحصار والعقوبات، مما يشير إلى قوة الدولة الإيرانيّة بوضوح.

أما تركيا، فإنّ المؤشرات لافتة للنظر، وتحمل التناقضات، كما سيتضح:

ـ فقد تجاوز عدد الإصابات نحو (125) ألف حالة، بينما تقترب أعداد الوفيات من (4) آلاف، وبنسبة 2.6% وهي نسبة منخفضة من إجمالي عدد الإصابات.

ـ أما حالات الاستشفاء، فقد اقترب عددها من (50) ألف حالة، وبنسبة 40% فقط. ويعني ذلك أنّ نحو (75) ألف معرّض للوفاة خلال الأشهر الثلاثة الثانية المقبلة، باستمرار ذات نسبة الاستشفاء مخصوماً منها (4) آلاف توفّوا بالفعل!

ـ على حين قامت تركيا بعمل فحص لعدد يزيد عن المليون مواطن، من بين 84.5 مليون نسمة هم إجمالي عدد الشعب التركي، وقد بلغت نسبة الإصابة نحو (0.14%) للمفحوصين فعلياً.

فماذا تقول هذه الأرقام بالنسبة لتركيا: مع تزايد نسب الإصابات اليوميّة، مقابل نسبة الشفاء 40% فقط، ومعدل وفيات منخفض حالياً، فإنه مرشح للتزايد في الأسابيع المقبلة. باعتبار أنّ الفارق بين نسب الاستشفاء وبين عدد الإصابات الفعلي حالياً، والمتوقع يومياً، يصبّ في تنامي عدد الوفيات بشكل سريع خلال الأسابيع المقبلة. كما أنّ تزايد حجم الفحوص، يعتبر ظاهرة إيجابية لصالح تركيا، إلا أنّ الانتشار الوبائي أكبر من نسب الاستشفاء، إذا ما قورنت بدولة إقليمية كبرى مثل إيران السابقة الإشارة إليها، والتي تبلغ نحو 80%. لذلك فإنّ الوضع التركي مرشح للتدهور في تفشي الوباء الكوروني، على حين أنّ الوضع الإيراني مرشح للإعلان عن خلوّ إيران من الوباء الكوروني، وذلك من واقع دراسة وتحليل ظاهرة الكورونا وأرقامها المعلنة حتى آخر لحظة، من منظمة الصحة العالمية.

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية،

والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى