أخيرة

صديقي الحيوان المفترس

} محمد إقبال حرب*

في الدكان يسأل الرجل، تسأل المرأة عن الأسعار، تتلألأ دمعة، يخرجون كما دخلوا، جياعاً. كرامة الناس لا تسمح لهم أن يتسوّلوا لقمة العيش. يختارون عزل الجوع ليترافق والعزل الكورونيّ في ازدواجية لا تفرز إلا عزة نفس تستدعي الفناء بعزة وكبرياء. متنفسهم الوحيد، البكاء فرادى خجلاً من أطفال جياع يسألون سدّ رمق جفّت روافده حتى تشققت الشفاه.

«الزعيم» الذي يسمع كل شيء في مزرعته يختار ألا يسمع حتى لا يتكدّر عيشه. يختار أن يتجاهل ما يرى ويسمع حتى لا يضطر أن يوزع فتاته على من انتخبه نائبًا أو صدّره «زعيمًا». ألم تشتر أفراد المزرعة بحفنة من الدولارات ذات انتخابات؟ أوليست الحقارة والدناءة جزءاً من الأرباح؟

ينام مطمئنًا لأنه يعرف طينة الشرفاء لا تسمح لهم بتسوّل لقمة عيش مغموسة بالمذلة. وبأن حساباته لن تنقص قرشًا باسم الإنسانية البلهاء التي بها يتشدّقون.

من الصعب وصف هذا الكيان بحقير عديم المشاعر كي لا يَعتبر ذلك مديحًا يستحقه. فهؤلاء الزعماء بأطيافهم أدنى قيمة من الحيوان البري المفترس.

معذرة صديقي الحيوان المفترس على إهانتك، فأنت لا تفترس إلا لجوع، ولا تخزّن علفك لجشع أو طمع خوفاً من أن يجوع حيوان في غابتكم. أنت لا تثير الرعب والفوضى حتى تستعبد بني بجدتك. نعم صديقي الحيوان أنت أسمى من زعماء وأثرياء الوطن الذين قَتلوا كل جميل واستولوا على الأعناق والأرزاق وعلّقوا رقاب الناس بمشانق تتدلّى من جسور أملاكهم وحساباتهم البنكية. يفرحون لأنين أتباعهم، يعربدون لصفقة موت تزهر بها المقابر. يرشون المبيدات البشرية على كل مواطن تخول له نفسه أن يؤمن بأنه إنسان.

صديقي الحيوان المفترس، أعتذر مرة أخرى عن تشبيه هذه المخلوقات بكم. فأنت يا صديقي الذئب لا تخوّن عائلتك ولا تطعن من الخلف، بل تضع حياتك رهن سلامة القطيع. أما أنت صديقي الضبع القمّام، لا تأكل إلا الجيف وبقايا ما افترسه غيرك، وكأني بك رحيم، عفيف تترك الطعام الطازج لإخوانك سكان الغابة رأفة بضعفهم. ويا صديقي الأسد، حامي الغابة وملكها، اعتذر من مقارنتك بسفهاء قومي. أنت لا تأكل ولا تفترس إلا ما يسدّ جوعك. أما زعماء الوطن فيتألقون بلباس الخيانة، خيانة الأمانة والوطن والمبادئ التي قدموها قربانًا يوم دخلوا معبد عزازيل. يفترسون أقرباءهم وأصدقاءهم بشهية، وينعمون بأنين كل مواطن يتسوّل بقاياهمفيشموه وشم العبيد.

معذرة أصدقائي، الحيوانات المفترسة، فصفاتكم القبيحة أجمل وأسمى من حكامنا وطبقاتنا السياسيّة، فهناك بون شاسع من الحقارة يعشقونها.

* روائي لبنانيّ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى