الوطن

هل يعود بهاء الحريريّ بمشروع خارجيّ جديد للبنان؟

محمد حميّة

لم تكن عودة بهاء الحريري الإعلامية الى المشهد السياسي اللبناني من بوابة دعم «الثورة» ضد الطبقة السياسية الحاكمة وفي وقت تعصف بالبلد أشد وأخطر أزمة مالية واقتصادية واجتماعية في تاريخه الحديث، محضَ صدفة، كما أنها ليست منفصلة عن سلسلة الأحداث التي يشهدها لبنان والمنطقة.

تحرّك بهاء الحريري والحديث عن طائف جديد وتسوية جديدة والتموضع السياسي لرئيس القوات سمير جعجع ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط والفوضى الأمنية والاقتصادية في الشارع والضغط الاميركي على لبنان وزيارة السفير السعودي في بيروت وليد بخاري الى بيت الوسط أمس، ولقائه الرئيس سعد الحريري التي أعقبت توترات أمنيّة شهدتها العاصمة بيروت وطرابلس والبقاع الغربي بين مناصري «الأخوين» الحريريّ والتي تُنذر بانقسام كبير على مستوى العائلة والساحة السنية في لبنان!

فما الذي يحضَّر للبلد؟ وهل يعود بهاء الحريري بمشروع خارجي جديد الى لبنان يتطلب انتقال «الزعامة السياسية السنية» من بيت الوسط الى بهاء الحريري المقيم خارج لبنان؟ وما علاقة كل هذه الأحداث بمشروع «صفقة القرن» واندفاعة السعودية للتطبيع مع «اسرائيل»!

لا شك في أن حركة بهاء الحريري والأحداث التي رافقتها، تحمل مؤشرات خارجية وربما تعكس قراءة سياسية وميدانية إقليميةدولية للواقع اللبناني والقاعدة الحريريّة تحديداً، لإعادة تعبئة الشارع المستقبليالسني على أسس ومشروع جديد يتماهى مع ما يطلبه الأميركيون والسعوديون من لبنان. وهذا يحتاج الى خطاب جديد قد لا يستطيع «السعد» استيعابه والسير به لحسابات متعددة

وتتحدث تقارير أمنية عن أن حركة بهاء الحريري تُخفي قراراً تركياً بالتوغل الى عرين تيار المستقبل في طرابلس ومناطق أخرى بعد فشل المشروع التركي في السيطرة على إدلب السورية، مستفيدة من ترهل القوة الحريرية في المدينة والانكفاء السعودي عن لبنان والمنطقة. في المقابل هناك قراءة أخرى تشير الى قرار سعودي بالاستغناء عن سعد الحريري كلياً لاعتباره شخصية ضعيفة غير قادرة على خوض المعركة مع حزب الله وأنه استهلك كامل أدواره. علماً أن الحريري أسرّ للسعوديين والاميركيين في مراحل سابقة بحسب معلومات «البناء» أنه لا يمتلك أدوات محلية لمواجهة حزب الله. اضافة الى ان الحريري يردد في مجالسه الخاصة أنه يملك الأخلاقية السياسية التي تمنعه من طعن مَن تعامل معه بأخلاقية عالية أي حزب الله في المرحلة الأخيرة. فكان الخيار الخارجي بتعويم بهاء كشخصية ممكن أن ترث سعد وتنقذ الانهيار المحتم للحريرية السياسية وتدعم بالتأكيد الدور السعودي في لبنان. فالمملكة تعتبر أنها مهندسة وبانية مداميك الحريرية السياسية في لبنان وراعيتها على مدى ثلاثة عقود. وبالتالي لا تريد اندثار هذا الإرث السياسي والاقتصادي الذي شكل ركيزة لنفوذها في لبنان والمنطقة. وهذا ما يُفسر تحول حلفاء رئيس الحكومة السابق وتحديداً جعجع الذي لا يُخفي في مجالسه الداخلية تأييده لبهاء وكذلك رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، فيما يقف جنبلاط في الوسط مع ميل الى حليفه سعد، لكنه يترقب تطور ونمو حركة بهاء والأفق الإقليمي الدولي لمشروعه السياسي أو وظيفته الداخلية ليحدّد موقفه النهائي.

وقد يكون استحضار بهاء الحريري في المرحلة الراهنة حصيلة تقاطع مصالح أميركيةسعودية تركية لإعداد المسرح اللبناني لاستيعاب متطلبات «صفقة القرن» وقد يكون تنافس سعوديتركي على الحلبة اللبنانية في إطار الصراع بين المرجعيتين الإقليميتين في العالم الإسلامي. لكن أوساط سياسية بيروتية تشير لـ»البناء» الى أن «الظروف الداخلية لدخول بهاء الحريري الى المشهد الداخلي تشبه الى حدّ ما ظروف دخول الرئيس الراحل رفيق الحريري لا سيما مع وجود أهداف سياسية للتلاعب بسعر صرف الدولار ورفعه إلى الـ5000 ليرة وأكثر واستغلال الظروف الاجتماعية لإشعال انفجار شعبي ليأتي «الإبن الحريري» على حصان أبيض مع مليارات سعودية لإنقاذ لبنان من الانهيار كما أتى الحريري الأب على أنقاض الحرب الأهلية والانهيار المالي والاقتصادي مزوداً بالاموال الخليجية. فـ»مشروع» بهاء يتطلب تنفيذه أخذ لبنان خلال المرحلة الحالية الى انفجار اجتماعي وفوضى أمنية وتوتر مذهبي وحرب طبقيّة بعد رفع سعر صرف الدولار الى معدلات غير محمولة كما حصل في العام 1992 وتصبح عودة بهاء على جنح مليارات الدولارات لإنقاذ لبنان مستساغة لدى أغلب الشعب والقوى السياسية اللبنانية. وتتحدث مصادر بهاء الحريري عن إطلالة إعلامية له خلال شهرين الى ان يكتمل مسلسل الأحداث مع تكليف المحامي نبيل الحلبي إعداد الحملات الإعلامية والتسويقية لعودة «البهاء» المرتقبة. فيما علمت «البناء» أن مؤسسات بهاء الحريري بدأت منذ إعلان التعبئة العامة بتوزيع مساعدات غذائية في عدد من المناطق.  

وفي مطلق الأحوال لا يمكن فصل التشظي الحالي داخل «عائلة الحريري» والإرادة الخارجية لإعادة تشكل هذه المنظومة على أسس جديدة، عن تفاقم الازمات المالية والاقتصادية والاجتماعية ومحاولات إغراق لبنان بمشاكل أمنية وسط تقارير خارجية وفرنسية تتحدّث عن عمق الأزمة اللبنانية وعدم قدرة الدولة على دفع رواتب الموظفين في القطاع العام وحتى العسكريين، الأمر الذي ينتج فوضى أمنية تقود بدورها لبنان للارتماء بحضن صندوق النقد وشروطه المدمرة والمفجرة للمجتمع اللبناني، ما يخدم المشروع الأميركي الخليجي الإسرائيلي «صفقة القرن» والتطبيع العربي الإسرائيلي.

ويمكن الربط في هذا المجال، بين تصريحات بهاء الحريري الأخيرة وبين كلام الدبلوماسي الاميركي ديفيد شنكر، لجهة الهجوم على حزب الله وتحميله مسؤولية الازمة القائمة والتصويب على سلاحه وربطه بالفساد والصفقات بين أركان السلطة. فعودة بهاء الحريري بحسب المتابعين للمشهد الداخلي، لن تكون إلا من بوابتين: استغلال الأزمة المالية الاقتصادية وركوب موجة «الثورة» والهجوم على حزب الله.

إلا أن السؤال: هل يملك «مشروع بهاء» فرص النجاح؟ وهل لا زالت السعودية وحلفاؤها في المنطقة يملكون أوراق القوة لفرض مشروعهم الجديد في ظل المتغيرات وموازين القوى الاقليمية الجديدة التي نتجت عن فشل المملكة في اليمن وسورية والخلافات داخل العائلة الحاكمة وانخفاض سعر برميل النفط وتوتر العلاقة مع واشنطن التي تراجعت بدورها في العالم والمنطقة؟

ووسط مخاوف تعتري الرئيس سعد الحريري من انفتاح حزب الله على بهاء، تشير مصادر مطلعة على موقف الحزب الى أن الحزب لا يتدخل بالخلاف العائلي، لكن تصريحاته عن السلاح ترسم علامات استفهام حول وجود مناخ في الأصل للنظر بإيجابية لبهاء. في المقابل تشير أجواء تيار المستقبل الى أن رئيس المستقبل لن يسمح بتمدد اي تيار او قوة سياسية أخرى على حساب إرث رفيق الحريري وإنجازاته، فيما تتحدث المعلومات عن استعدادات مستقبليّة في طرابلس والطريق الجديدة للتصدّي عسكرياً لأنصار بهاء الحريري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى