أولى

التشظي اللبناني…والفوضى اللبنانية

التعليق السياسي

 

 

لا يمكن أن يتخيّل المرء أسباباً أكبر من التي يمرّ بها لبنان للتساؤل عن الحالة التي تستحق بنظر القيادات السياسية التمييز بين الوطني والسياسي، إن لم تكن الأسباب القائمة كافية لفعل ذلك ولبنان تحت وطأة خطر انهيار حقيقي وإفلاس حقيقي وجوع حقيقي والودائع التي جمعها اللبنانيون طيلة أعمارهم قد تبخّرت والليرة التي تجمع بين رواتبهم ومصادر دخلهم تذبل وتضمحل والأسعار في ارتفاع جنوني؛ ونسير نحو الانهيار بكل اندفاع، وبدلاً من فرملة الاندفاع نزيده سرعة بالخلافات والكيديات وانتظار السقوط، فلم يبق لكلمة التضامن الوطني معنى، وللشعور بالمسؤولية وجود، وفقدت الكلمات الجاذبة مثل مكافحة الفساد ودولة القانون قدرتها على الإبهار، وصار كل ما حول اللبنانيين يدعوهم لليأس والإحباط.

المشهد السياسي لا يحمل مؤشرات القدرة على تجميع المقدرات وحشدها لمواجهة الأزمة، وكلما زادت الأزمة تفاقماً ستضعف القوى أكثر وأكثر وتتشظى، بينما هي تنتظر بعضها لتقارن من كانت خسارته أكبر، فيحتفل البعض بخسارة البعض الآخر دون انتباه أن المركب يغرق بالجميع. وفي ظل التشظي السياسي والسجالات المفتوحة، وتفكك القوى وتشققها، تنهار الليرة فتضعف قدرة مؤسسات الدولة على الصمود عندما لا يعود بمقدور موظفيها خصوصاً في الأسلاك العسكرية والأمنية تأمين قوت أبنائهم، ويرتفع الغضب وتتسع المواجهات، وتتربّص قوى خارجية بالبلد لحجز موطأ قدم بكلفة رخيصة، ولبنان على المتوسط ميزة لمن يحجز فيه مقعداً.

بالتوازي الفوضى اللبنانية ليست سياسية واقتصادية بل هي شعبية أيضاً، فما شهدناه في ملف تفشي وباء كورونا في اليومين الماضيين لا يبشر بالخير، ويكشف عن تجذر الفوضى والاستهتار، رغم خطورتهما وصولاً إلى خطر الموت. والتموضع وراء العصبيات لا يزال متقدماً على اصطفاف سياسي عقلاني مبني على البرامج والمبادئ، ورغم الفقر وخطر المجاعة لا يزال الناس ينقسمون حول عصبيات مريضة لم تجلب لهم الخير يوماً.

لبنان وشعب لبنان كما اقتصاده وأمنه ومصيره في خطر، وبصيص الأمل ضئيل جداً ما لم نغيّر الكثير الكثير في أسلوب تعاملنا مع المخاطر شعباً وقيادات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى