ثقافة وفنون

الأدب الوجيز بين إشكاليّة التجنيس وطموح التجاوز

د. عبدالله الشاهر*

يعرّف «تودورف« الجنس الأدبي بأنه مجموعة من الخصائص تتصل بالكيان البنيوي لكل جنس، أي إلى خصائص استدلالية، أو أنها تنحدر من ممارسات ملحوظة في تاريخ الأدب تتيح لها أن تصبح ظواهر تاريخية.

فالتجنيس وفق هذا التعريف صيغة فنية عامة لها مميزاتها وسماتها وقوانينها التي تقيس النص الإبداعي وتخضعه إلى قواعد وقوالب الكتابة الإبداعية.

في حين يرى الأدب الوجيز على أنه حركة تجاوزية تنطلق من جملة من المفاهيم والأفكار الفلسفية والنقدية وفق رؤية عصرية تواكب حركة المجتمع شكلاً وموضوعاً بهدف بناء صرح معرفي تحكمه الضرورة والصيرورة.

وعبر هذه الرؤية للأدب الوجيز الذي يرى فيها سيادة الإبداع الذي من أهم سماته التحرر من قيود الشكل والموضوع سعياً إلى كل جديد في الكتابة الإبداعية.

والإشكالية القائمة بين الأدب الوجيز والتجنيس لا تشكل قطيعة نهائية، إذ إن نظرية الأجناس الأدبية نفسها بدأت تمردها على الجنس الأدبي من بدايات الرومانسية وقد بلغ هذا التمرد ذروته مع السوريالية والدادائية والذي يستمدّ منه الأدب الوجيز الكثير من مرتكزاته الرؤيويّة. وهذه المرحلة أدت إلى مرحلة جديدة دعيت بالتداخل بين الأجناس الأدبية ثم الدعوة إلى تقويضها والثورة عليها خصوصاً في مرحلة ما بعد الأجناس الأدبية أو موت الأجناس الأدبية التي مهدت لها مرحلة ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة.

من هذا المنطلق لا ننكر على الأدب الوجيز تمرده على التجنيس وهو مشروع. وقد يلتقي مع التجنيس في الكثير من المواقع إلا أنه يقع الإشكال في الغالب بالممارسة في نقطتين أساسيتين:

الأولى: الممارسة الإبداعيّة التي أهم سماتها التحرر فنياً وإبداعياً وهذا يعدّ المرتكز الأساس في منهج الأدب الوجيز.

الثاني: الممارسة النقدية التي لامكان فيها للتحرّر من خلال إصدار الأحكام على النصوص الأدبية. وهذا يخضع النص إلى مواصفات الفكر واشتراطات المنطق.

وبين التحرر وعدمه تتجلى الإشكالية بين الأدب الوجيز والتجنيس، ذلك أن التجنيس عمل وصفي تصنيفي، وهو يقطع الطريق على الأدب الوجيز في محاولة الخروج، والخروج هنا ليس الهدف منه الخروج على التجنيس بل الهدف الأساس هو التجديد الذي يطمح إليه الأدب الوجيز، والذي يشكل استجابة لظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية مستجدّة في المنطقة والعالم، وهذا لا يعني أن الأدب الوجيز لا يمتلك ضوابط في النص الإبداعي فمثلاً في القصة الوجيزة، يشترط الأدب الوجيز أن تكون فيها جملة من العناصر والتي هي «التكثيف، الجرأة، المفارقة، السخرية، فعلية الجملة، الإدهاش، القصصية، الوحدة، الاتجاه إلى الأنسنة، استخدام الرمز والإيحاء، التلميح، الإيهام، الصدمة، ضرورة وجود خاتمة متوهجة،…« وهذه العناصر ليست بالضرورة أن توجد مجتمعة في النص الواحد لأن القصة القصيرة جداً لا تتجاوز بضعة سطور.

إذاً أين تقع الإشكالية بين الأدب الوجيز والتجنيس؟

في الرؤية العامة فإن القضية الأساسية تتعلق بالعملية الإبداعية نفسها والتي تتمثل في أمرين أساسيين هما «الحرية والتميز« ذلك أن تقييد الإبداع أو المنتج الإبداعي بقالب أو نموذج هذا ما لا يطيقه الأدب الوجيز.

ومعلوم أن الأجناس الأدبية قضية من قضايا النقد الأدبي. فإذا أقر النقد بالتجنيس في الأدب الوجيز صار للأدب الوجيز قالب محدد. وهنا نعود إلى القول بأنه لا تجنيس بدون نقد. ومن هنا يأتي الإشكال ذلك أن النقد يرتبط بالعلمية وله أسس وضوابط يستند إليها، بينما الأدب تنجزه المخيلة التي هي أساس الصورة الإبداعية.

من هذا التشاكل فإنه يقع الأمر في اشتراطات تمليها ضرورات الفعل وليس حالات التجلي منها:

يُعدّ الجنس حاضناً لأي كتابة ادبية شرط أن تكون هذه الكتابة بلغت مرحلة النضج والوفرة.

يتلاقى النقد مع الأدب الوجيز من خلال الاستناد إلى الخلفيات المعرفية والرؤى المستنيرة بالعلم. فصار العلم والمنطق والفلسفة أركاناً لا غنى للناقد عنها، وكذلك للأدب الوجيز.

يمكن تجسير المسافة بين الأدب الوجيز والتجنيس، حيث إن الأجناس الأدبية تأخذ مرتكزات نهائية حين تعتمد على النقد، إلا أنها تعود وتنفتح إلى اللانهائي حين تستند إلى الإبداع، وبين النقد وضوابطه والإبداع ورؤاه الواسعة يجول الأدب الوجيز ليدخل في شرعية المواصفة الإبداعية.

هناك إشكال معرفي اصطلاحي يجب ضبطه وإعادة النظر فيه. ومن هذه الأشكال الوقوف على مفاهيم أساسيّة لا بد من ضبطها منها:

(الشكلالنمطالصيغةالنوعالجنس). وأعتقد أن الأدب الوجيز سيندرج وفق تلك المواصفات على أساس بناء قاعدي جديد لتلك المفاهيم. وهذا يحتاج إلى تأطير الإشكال الأجناسي بالرؤى والمفاهيم، وليس غريباً من خلال ما تقدم أن يكون التداخل الأجناسي مع الأدب الوجيز يعّج بالرؤى والتصورات، وربما بالتقارب النوعي أو التماثل النمطي وقد يكون ذلك محصلة نهائية تنذر بولادة جنس جديد، أو ربما ولادة أنواع من الأشكال الأدبية التي تنضوي تحت تسمية هجينة بين جنسين أو أكثر، في المحصلة يبدو أن الأدب الوجيز قد رمى حجراً في بركة الأدب العربي فارتسمت دوائر كثيرة، لكنها حركت وأدت إلى بناءات وأفكار جديدة علّها تلقى صدى في القريب وتحجز لها مكاناً في منتدى الإبداع العربي.

 

*الأدب الوجيز – سورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى