ثقافة وفنون

مراجعة كتاب «الصليبيّة والجهاد» لوليم بولك «حرب الألف سنة بين العالم الإسلاميّ وعالم الشمال»

} القنصل خالد الداعوق*

الصليبيّة والجهاد هو أول كتاب في جزء واحد يشتمل كلّ تاريخ النكبة عند التقاء الشمال من القارة العالمية ـ الصين، روسيا، أوروبا، بريطانيا وأميركا والمجتمعات الإسلامية من أواسط آسيا إلى غرب أفريقيا.

يستنتج المؤلف وليام ر. بولك على مدى أكثر من نصف قرن ليشرح مدى الحقد الدفين بين العالم الإسلامي وعالم الشمال. ويذكر كيف ابتدأ الإسلام وانتشر عبر شمال أفريقيا إلى أوروبا ووصل إلى العلى في الأندلس في العصور الوسطى وكان النور الساطع في أوروبا المتخلّفة المظلمة.

وبالتوازي انتشر الإسلام من الشرق الأوسط إلى أفريقيا والهند جنوب وشرق آسيا. ولكن بعد غزو المغول بدأت الحضارة الإسلامية في الانحدار بينما بدأت أوروبا بالتوسُّع عبر البحار، إذ سيطر البرتغاليون على المحيط الهندي، وأنشأ الهولنديون والإنكليز شركات قوية أدّت إلى استعمار الهند وإندونيسيا. أما الجيوش الروسية فقد اخترقت نهر الفولغا واتّجهت إلى آسيا غازية الدويلات والمدن التي كانت سائدة في حينه.

الصين (تحت حكم أسرة الكينغ) ذبحت شعباً بكامله في أواسط آسيا وبريطانيا كسحت الصناعة الوطنية ونهبت الثروة من مستعمراتها كافة.

المسلمون المهزومون والمغلوبون على أمرهم حاولوا تقليد الغرب بلباسهم وإنشاء جيوش على طريقتهم.

لم تنجح أيّ من هذه المحاولات في وقف الغزو والتمدُّد الاستعماري الشمالي نحو الجنوب المسلم.

أما بالنسبة إلى أوروبا وروسيا، فقد كان القرن التاسع عشر قرن التمدُّد الاستعماري وهزيمة العالم الإسلامي. هُجِّر الملايين من مساكنهم وأراضيهم، كما قُتل الملايين، كذلك أصبحت ثقافتهم ودينهم هدفاً للمستعمرين.

وفي القرن العشرين وبعد الاستقلال أصبحت المجتمعات في «حالة ما بعد الاستعمار»، وهي الدكتاتوريات والفساد والفقر المدقعوهي الطريق نحو الإرهاب لهذه المجتمعات المغلوبة على أمرها.

***

يتألف الكتاب من ستة أجزاء. في الجزء الأول تحت عنوان «ذكريات عظيمة ويقظة مؤلمة» يتحدث الكاتب عن الأسس الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للإسلام ومحمد رسول الله والفتوحات والخلفاء وتطوّر الإسلام وتحرّك الشمال نحو الجنوب، أيّ الشمال المسيحي نحو الجنوب المسلم.

الجزء الثاني، هو عن هجوم أهل الشمال نحو الجنوب وذلك بمبرّرات مختلفة، منها ما هو من أجل التجارة خاصة تجارة التوابل واستيرادها، وأيضاً تصدير المنتجات الصناعية من الشمال إلى الجنوب، وأهل الجنوب عليهم أن يستخرجوا المواد الأولية لتصديرها وتصنيعها من أهل الشمال. وبالتالي فإنّ المكاسب الكبرى التي يجنيها أهل الشمال تأتي على حساب أهل الجنوب. المسيحيون في الشمال والمسلمون في الجنوب ثم بدأت مسألة التنصير المسيحية.

بدأت أولى المستعمرات مع البرتغال التي أسّست لها مستعمرات في سومطرة والفيليبين تبعها الإسبان والهولنديون. فنجد مثلاً المستعمرة الكبيرة اتشيه، والتي كانت لها مكانتها ونهضتها الاقتصادية في القرن التاسع عشر، فدمّرها الهولنديون وأنشأوا فيها أهمّ مستعمراتهم وهي اليوم جزء من إندونيسيا.

وتبع الإسبانَ البريطانيون الذين احتلوا الهند ودمّروا الدولة الإسلامية في البنغال، بعد أن كانت دولة غنية، وكذلك فعلوا بدولة المغول، وبذلك أصبحت الهند كلها محتلة من بريطانيا.

حاول السكان الانتفاض ضدّ المحتلين الإنكليز ولكن من دون جدوى (ثورة 1857)، كذلك كانت الحال بالنسبة إلى الغزو الفرنسي للجزائر ومساعدة والي مصر محمد علي باشا للهجوم على الدولة العثمانية.

احتلال البريطانيين لمصر ودخولهم إلى السودان لاحتلاله خوفاً على تدفّق مياه النيل والوصول إلى منابعه لحماية محميّتهم مصر. وهنا يُشار إلى ما يُحكى في هذه الأيام عما أسمته إثيوبيا «سدّ النهضة»! وكيف أنّ إثيوبيا مع دول أخرى محرّضة لها على رأسها «إسرائيل» تسعى للإمساك بشريان الحياة لمصر منبع النيل الأزرق الذي تريد أثيوبيا الإمساك بالقفل الذي تتدفق منه المياه إلى مصر من خلال بناء «سد النهضة».

كما يتطرّق في الجزء الثاني إلى الهجـــوم الروســـي على القوقاز ودول آسيا الصغرى المســــلمة وثورة الإمام الشيـــشاني شـــامل ضدّ الهجوم الروسي الذي استمرّ سنوات وســـنوات، وعمل الروس بعد إلحاق الهزيمة به على تغيير الحـــروف العربية المستعملة بأخرى سلافية في محاولة لجعل ســـكان هذه البـــلاد لا يتعـــرّفون على تاريخهم وأصولـــهم الإسلاميـــة وتدمير شـــواهد القبــــور القديمة.

كما يتحدّث الكاتب عن الغزو الفرنسي للجزائر والمقاومة الجزائرية ومحاولة الفرنسيين استبدال اللغة العربية في هذا البلد بالفرنسية، وجلب مستعمرين فرنسيين من ملل أخرى مسيحية لاستعمار الجزائر وطمس ثقافتها الإسلامية وإنهاء ثورة الأمير عبد القادر الجزائري.

ويتطرّق الكاتب أيضاً إلى شقّ قناة السويس وكيف أنهك هذا المشروع الخزينة المصرية التي موّلت شقّ القناة مع العلم بوجود مستثمرين أوروبيين لذلك.

كما شجعت البنوك والدول الاستعمارية، خاصة بريطانيا وفرنسا الممسكتيْن آنذاك بزمام الأمـــور، من حكام وسياسيين وغيرهم، على الفساد والاستدانة لتمويل الفساد ما أدّى إلى وضع اليد الأوروبية (الدائنين المصرفيين) على خزينة الدولة في مصر وتركيا.

وهذا يعيدنا إلى واقعنا الحالي في لبنان وما حصل ويحصل عندنا من فساد وإفساد ومفسدين محليين وأجانب حتى وصلت الأمور المالية لدينا إلى هذا الحضيض، وبالتالي العمل على وضع اليد على ماليتنا واقتصادنا.

ويكتب عن ثورة الخطابي في المغرب ثم يتكلم عن اليقظة الإسلامية لمحاربة الاستعمار الذي يغزو الدول الإسلامية، متمثلة بجمال الدين الأفغاني ومَن معه من محمد عبده وغيره.

في الجزء الثالث، يتحدث الكاتب عن الاتجاه نحو القومية العلمانية والثورة الإيرانية الأولى ومقاطعة المنتجات الأجنبية البريطانية (ثورة التبغ).

ثم يكتب عن فلسطين أرض الميعاد والصهيونية وتحضيرها من أجل الاستعمار الصهيوني وتغيير الملامح العربية من خلال إقامة المستعمرات الصهيونية.

بعدها يتحدث عن أتاتورك وإنشاء تركيا الحديثة وكذلك عن إيران وثورة الخميني وأفغانستان والجزائر وحروبها التحريريّة والهند وباكستان وقضية كشمير.

في الجزء الرابع، يكتب عن الرجوع إلى الإسلام وسيد قطب ملهم الإخوان المسلمين وفيلسوفهم آنذاك، وعن الخميني وإيران الدولة الشيعية الإسلامية الثورية، والإيغور في سيكيانغ ـ الصيني ومحاولة الصين محو تاريخهم وثقافتهم.

في الفصل الخامس، يكتب عن الإسلام المحارب من ثورة المورو في الفيليبين إلى الصومال و»بوكو حرام» في نيجيريا، حيث الدولة متحضّرة نسبياً وقد دمّرها الاستعمار في القرن التاسع عشر ما جعل «بوكو حرام» حركة ثورية إسلامية. كذلك يتحدث عن «داعش» وأسامة بن لادن.

الفصل السادس والأخير، هــــو عن قراءة الكاتب للأحداث وماذا فعل الشمال بالجنوب وماذا فعــــل الجنوب بنفسه. الأول حطم حضارة الجنوب وتراثه والثـــــاني جاء بديكتاتوريات عسكرية تتحكّم بالشعوب وتحـــاربها تحت عنوان التحرُّر ومكافحة الإرهاب.

نبذة عن الكتاب

تأليف: وليام ر. بولك

ترجمة: د. عامر شيخوني

الدار العربية للعلوم ناشرون

الطبعة الأولى: أيار 2019 ـ كتاب من 582 صفحة

وليم بولك هو أستاذ الأدرب العربي والتاريخ في جامعة شيكاغو، كما درّس في مكسيكو وتشيلي وبغداد والقاهرة.

عمل مستشاراً لكثير من الرؤســـاء الأميركيين وله كتاب بالإنكليزية عن لبنان بعنوان «The opening of south Lebanon» يتحدث فيه عن غزو إبراهــــيم باشا لبنان سنة 1839. كذلك مكث الكاتب في بلدة عماطور الشوفيّــــة ودرس حالتها الاجتماعيّة.

ولد وليم بولك في 7 آذار 1929 في تكساس ـ الولايات المتحدة الأميركية وتوفي في 6 نيسان 2020 عن 91 عاماً، يوم أنهيتُ قراءة هذا الكتاب.

درّس في جامعتي أوكسفورد وهارفرد والجامعة الأميركيّة في القاهرة.

ملاحظات حول الكتاب

على مدى قرون كان الإسلام ضوءاً وتطوّراً للعالم المظلم حتى بروز حسد وجشع الشمال والاستعمار الذي انبثق منه وحاول أن يدمّر الثقافة والتراث والدين وكان مصدر الويلات للعالم الإسلامي.

إنّ هذا الكتاب يعطي مساحة كبيرة للجغرافيا والتاريخ ويغطي التفاعل بين الشمال والجنوب وكم هو مهمّ لفهم هذا التاريخ لفهم العالم اليوم.

*أمين عام منبر الوحدة الوطنيّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى