أولى

المعابر غير الشرعيّة بين ضرورة الإقفال وخطورة الاستغلال

العميد د. أمين محمد حطيط _

عندما شنّتإسرائيلعدوانها على لبنان في العام 2006، حددت وبكل وضوح هدف العدوان بتجريد المقاومة من سلاحها وحل حزب الله واعتقال مَن يمكن اعتقاله من أفراده. ويذكر من وثق مجريات تلك المرحلة ما روّجت له إسرائيل إعلامياً يومها بالقول بأنها أعدّت في فلسطين المحتلة معتقلاً يشبه معتقل أنصار لنقل قيادات وأعضاء حزب الله اليه بعد الإجهاز على قوتهم العسكرية وتجريدهم من السلاح.

لكنإسرائيلفشلت في عدوانها ورغم 33 يوماً من العمليات الإجرامية الوحشية التي ارتكبتها وابتداعها نظريات تدميرية تمارس فيها جرائم الإبادة الجماعية كما فعلت في الضاحية ونظرية الضاحية التي فاخرت بابتكارها. وهي النظرية التي تقوم على فكرة التدمير الشامل لمنطقة مأهولة بالسكان من أجل حمل المقاتلين على الاستسلام، تدمير لقتل كلّ مَن فيها بصرف النظر عن هويته وطبيعة وجوده في المكان. رغم كلّ ذلك أخفقتإسرائيلفي تحقيق النصر وعجزت عن تحقيق أهداف العدوان، ما قادها إلى اللجوء إلى أميركا لتقدّم لها سلم النزول من المأزق، وجائزة الترضية بتحقيق بعض الأهداف سياسياً ولأجل هذا كان القرار 1701 الذي نص على وقف العمليات العدائية مع تعديلات طالت قوات الأمم المتحدة يونيفيل (لم ينص على وقف إطلاق النار ولم يُصَر إلى إلحاقه بقرار وقف إطلاق النار حتى الآن رغم مضي 14 عاماً عليه لأنإسرائيلفي عقيدتها لا تقفل ملف حرب على خسارة وهي تتحفز لاستئناف الحرب عندما تتاح له فرصة الانتصار).

لكن القرار 1701 هذا لم يكن سهل الإقرار بل ولد ولادة قيصرية رافقتها محاولات أميركية لفرض شروط لا تقبل بها المقاومة، حيث إنها في البدء طرحت هذه الشروط التي منها توسيع نطاق عمل القوات الدولية بعد تحويلها إلى قوات متعددة الجنسيات تعمل تحت الفصل السابع، وتوسيع نطاق عملها جغرافياً بحيث تشمل الحدود مع سورية لمحاصرة المقاومة وقطعها عن عمقها الاستراتيجي، وعملانياً بحيث تعطى الحق بالمداهمة والتفتيش بشكل مستقل عن الجيش اللبناني للتفتيش عن الممنوعات بما فيه السلاح والسلاح المقاوم تحديداً.

بيد أن المقاومة المنتصرة رفضت الشروط الأميركية رغم قبول رئيس حكومة لبنان يومها بشكل ملتبس بها لا بل بما هو أسوأ منها وهو ما أسمي يومها بورقة النقاط السبع التي كادت ان تصبح موقفاً لبنانياً رسمياً لولا الموقف الصلب والحاسم الذي اتخذه العماد إميل لحود رئيس الجمهورية، حيث رفض بشكل قاطع تجريد المقاومة من سلاحها.

فشلت أميركا في فرض شروطها أي شروطإسرائيلكلها في مشروع القرار الذي اضحى القرار 1701 الذي شطبت منه معظم وأخطر البنود المستفزة والتي تعاملإسرائيلعلى أساس أنها المنتصر الذي يفرض الشروط وتعامل المقاومة على أنها المهزوم الذي يفرض عليه الشروط.

بيد أن أميركا وخدمة لـإسرائيلاحتفظت بالشروط المرفوضة من قبل المقاومة وأودعتها في ملف احتياط ممسوك لديها يعاد إليه في كل مرة يجري فيه التحضير لتجديد انتداب قوات اليونيفيل في لبنان وهو التجديد الذي يتم سنوياً في آب من كل عام، حيث يبدأ عملاء أميركا وإسرائيل في لبنان باختلاق جو إعلامي ونفسي سياسي تحريضي تحتاجه أميركا من أجل حمل مجلس الأمن على مراجعة القرار. ومن هنا تطل فكرة المعابر الشرعية والإضاءة على عجز لبنان عن ضبط حدوده مع سورية، وكذلك فكرة تفشي السلاح في منطقة عمل القوات الدولية والقيود المفروضة على الأمم المتحدة في ضبطه الخ.. من المواقف التي لا تهدف إلا لشيء واحد هو مراجعة القرار 1701 بما يمكن من العودة لاعتماد البنود التي أسقطت منه في العام 2006.

وعليه نرى ان إثارة موضوع التهريب عبر الحدود رغم أهميتها وضررها على الاقتصاد اللبناني والسوري على حد سواء، أنها إثارة لم تتم من اجل الاقتصاد لا بل نقول ان ما يخسره لبنان من حركة البضائع عبر المعابر غير الشرعية لا يصل إلى 10% من الخسائر التي تنزل بها عبر المعابر الشرعية وفقاً لأكثر من دراسة أجريت ومع ذلك لا نقبل بان تستمر عمليات التهريب ويستمر الإضرار بخزينة الدولة، ولكن نحن لا ننظر إلى إثارة موضوع التهريب هذا في مواسم محددة نظرة طمأنينة بل إنها مواقف تدعو إلى الريبة والشك بنيات معظم أصحابها لا نستثني منهم إلا حسني النية الذين تشهد مواقفهم على وطينتهم وحرصهم على المال العام بعيداً عن تقديم الخدمات لأصحاب المشاريع المناهضة للمقاومة.

عليه، فإننا ندعو ونصرّ على وجوب إقفال المعابر غير الشرعية ووقف حركة التهريب عبرها ووقف الأضرار باقتصاد البلدين سورية ولبنان، ولكن لهذا الإجراء قواعد وأصول يؤدي التقيد بها إلى تحقيق الغرض بأقلّ قدر ممكن من التضحيات والإرهاق. وهنا نذكر بأنه لم يعرف لبنان فترة من تاريخه الاستقلاليّ الحديث تمكن فيها من ضبط المعابر البرية بينه وبين سورية وبشكل شبه محكم إلا الفترات التي كانت فيها العلاقة بين البلدين تصل إلى مستوى فاعل من التعاون والتنسيق الذي يمكن من التكامل في المراقبة وتبادل المعلومات بحيث تبدأ المعالجة من العمق أي من الداخل ويجري تتبع حركة السلعة المهربة بدءاً من المصدر ثم يُصار إلى ملاحقة منظومة التهريب برمتها من الرأس إلى العامل البسيط المنفذ عملية التهريب،

أي يجب ان تكون منظومة مكافحة التهريب متكاملة بين البلدين تبدأ بالتقصي في داخل البلد وتنتهي بالمراكز الميدانية والكمائن ومراكز المراقبة على جانبي الحدود بحيث إن التتبع يبدأ من الدول الأولى ولا يتوقف إلا عند ضبط السلعة المهربة حتى ولو كانت انتقلت إلى الدولة الثانية عبر معبر غير شرعي أو ممر غير مسموح به.

أما الحديث عن عمل منفرد تقوم به إحدى الدولتين من اجل الحؤول دون إجراء عمليات تهريب بضائع عبر حدودها بعيداً عن المعابر الشرعية المقررة والقائمة بين بلدين فهو أمر غير عملي ولا تعتمده الدول خاصة تلك التي تملك حدوداً طويلة تستلزم لإقفالها ميدانياً مئات الآلاف من العسكريين وهو أمر منطقياً غير ممكن عملياً.

وبالخلاصة يجب فصل ملف التهريب ومعالجته عن ملف محاصرة المقاومة وقطع طرق إمدادها عبر البر السوري. فالمقاومة من أجل أن لا تقطع طرق الإمداد تلك خاضت إلى جانب الجيش العربي السوري حرباً دفاعية لأكثر من 9 سنوات وانتصرت فيها ولا يمكن لعاقل أن ينتظر من المقاومة ان تقدم انتصارها على طبق من ذهب للأميركي الذي فشل في عدوانها فجاء إلى مجلس الأمن ليقتنص منه ربحاً مجانياً.

وعلى مَن يريد مكافحة التهريب أن يسلك طرقه الناجعة والكل معه. ومن كان يريد حصار المقاومة فليسأل نفسه وتاريخه وليسأل سواه أيضاً إن لم يكن قد جرّب المقاومة وقتالها. ونؤكد أن منع التهريب ضرورة مالية للبنان وسورية أما المس بالمقاومة فإنه خيانة وطنية لما يحمل في ثناياه بالغ الخطر على مصالح لبنان الدفاعية. فلينبه أصحاب الرؤوس الحامية والمشاريع العدوانية لهذا الأمر وليصغوا إلى ما قالته مندوبة أميركا في مجلس الأمن ويعرفوا مدة التطابق بين طلبها وطروحاتهم.

*أستاذ جامعيخبير استراتيجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى