ثقافة وفنون

الدراما العربيّة لرمضان 2020: مسلسلات زاحفة لافتعال التمثيل (3) الأعمال الخليجيّة كمٌّ والنوعيّة قليلة وخارج المغامرة والإصرار على البكاء !

جهاد أيوب

أمراض الدراما العربية هذا العام مشتركة، وقد تكون وحدت الشارع العربي من خلال الخطاب الساذج، والتسطيح في تقديم المعلومة، والأهم التهريج تحت حجة الكوميديا. وهذا ما وقعت به الدراما الخليجية والمصرية أيضاً، ولكن الخليجية غامرت سياسياً، ولم تغامر اجتماعياً، واكتفت بالسوق الخليجي لذلك استسهال تنفيذ غالبية الأعمال كان واضحاً.

الأعمال

أكثر من 33 عملاً خليجياً أغلبها سعودي ومن ثم كويتي، وعمل قطري وأكثر من عمل إماراتي، عابها عدم المغامرة، واختيار قصص غير واقعية، والغرق باستسهال العمل التراثي من دون جهد، وخارج معرفة ماذا كان في اللهجة والبيئة، ولا قراءة للتفاصيل التي تغني العمل، فكانت النتيجة انفصاماً مضحكاً بين الواقع المعاصر والماضي الاستغلالي، أي يخلطون اللهجة والمفردات القديمة بالمعاصر كأننا في عمل فنتازي!

مبالغ كبيرة دفعت هذا العام في الدراما الخليجية والنتيجة متواضعة في واقع الكم على حساب النوعية إلا القليل منها، والكوميديا الخليجية تصرّ على الهشاشة والولوج بالسطحية حتى التخمة ناسية ما كانت عليه، وأخطاء تاريخية وبالهبل عاشها الحوار حتى الحوارات المعاصرة كما لو أننا أمام أعمال لا قيادة تتابع وتحدد وتنظّم، ربما سلق الأعمال بسبب الكورونا كشف عن هشاشة فكرية وسذاجة المراقبة قبل العرض!

الأعمال الخليجية على صعيد التقنيات الفنية هي الأفضل بالصوت والصورة والألوان يضاف إليها البحث عن التقاط جماليات المكان عربياً، وقدّمت مجموعة كبيرة من الوجوه الشابة الواعدة بثقة، إضافة إلى كم كبير ولافت من الفنيين والمخرجين، وبعض الكتاب الشباب المتميز، مشكلتها الاستمرار بمشاهد البكاء والنحيب، وأيضاً عدم التركيز على مفردات العمل فوصلتنا بعض مشاهد الوجوه الشابة ركيكة فيها كم من الغباء الفنّي، وعابها إصرارها بالاكتفاء بالعرض خليجياً ولا ترغب بالتسويق عربياً، وربما هم الغالبية أن تقبل بأعمالهم «MBC « وتوابع الفضائيات السعودية، أما التوسّع عربياً فليس حاجة وغاية ولا حتى من باب رغبة الشهرة أو الترفيه، وهذا اكبر خطأ يرتكب بحق الدراما الخليجية ونجومها!

احتلت بعض الأعمال الخليجية الممولة بغالبيتها من المنتج السعودي والاماراتي جدلية عربية شاملة حول فكرة ما يقدّم من رسائل سياسية مباشرة لهذا العام، وتحديداً في «إم هارون» و «مَخرج، ولو أخذنا الأول خارج نطاق السياسة نجد ضخامة في الإنتاج من خلال اختيار نجوم كبار من الخليج، والاستعانة بفنيين جيدين. وهذا انعكس على أداء مميز لفنّ التمثيل، ولكنه في كثرة اللهجات الخليجية المجمعة من كل بلد، والتي مورست بعشوائية ازعج السمع، والإتيان بمخرج «محمد العدل» لا توجد لديه خلفية بطبيعة ما يصور، ولا يقرأ مشاهد المشاركين ولا يفقه بنجوميتهم وماذا يمثلون فظلم بعضهم، ولكن حياة الفهد تفوقت في الأداء، وكانت شخصيتها الخطّ الدرامي الأساسي.

العمل فيه الكثير من الأخطاء التاريخية في العادات والتقاليد والتاريخ، والمفردات التي كانت تُستخدم. فالمخرج لم يتعب حتى يعرف ما يراد منه المشهد والممثل، فقط حصل على مبلغ مالي كبير والسلام، لذلك في كثير من المشاهد اعتمد على خبرة وتقنية الممثلين، وأجزم انه لا يفقه باللهجة ولا يرغب بذلك أو بفهمها!

العمل كان يحتاج إلى خط درامي أساسي وليس إلى تجميع أكثر من خط حدثي ينتهي مع كل حلقة تتمحور حول التركيز على خط إم هارون والباقي مجرد كومباس من حولهالو لم يتم إقحام العائلة اليهودية، وتسويق التعاطف معها لكان العمل احتل مساحة أكبر من المنافسة، نعم حقق نسبة كبيرة من المشاهدة على مستوى العالم العربي لم يحصده عمل خليجي من قبل، ولكن اللعبة السياسية، وفكرة التطبيع في تسويق اليهود فرضت الهجوم والتعصّب والتطاول على جميع فريق العمل!

«مَخرجورغم رشاقة الحوار الكوميدي تناول قضية فلسطين بسذاجة تطرح في بعض المجالس الخليجية، ومعيب أن تجسّد بهذه البساطة التطبيعية مع الاحتلال «الإسرائيلي» كما لو كان الاحتلال مجرد نكتة، والعمل قدّمها واقعاً وضرورة، وأهل فلسطين مجرد خونة للسياسة الخليجية!

العمل الذي توقف عرضه بعد الحلقة 20 بسبب الكورونا يحتاج إلى إعادة تصوير فالكثير من مشاهده فقيرة فنياً، وأداء بعض الممثلين لا يقنع، وهذا يتحمله المخرج، وعلى ما يبدو الغاية منه كانت تمرير وتبسيط الخطاب «الإسرائيلي» عبر نجم اول في السعودية وهو ناصر القصبي!

«مساحات خالية» ملل جراء بطء الأحداث، وحركة الكاميرا، ورغم وجود كم كبير من النجوم أمثال زهرة الخرجي، وإبراهيم الحربي، وعبير أحمد لكن العمل يتطلب نفضة شاملة على صعيد إخراج محمود الدولية النمطي والتقليدي، ونصّ علي فريج الذي يختزل بحلقتين فقط!

لفتتني شخصية عبير أحمد في العمل، والممثل الشاب عبدالله الطراورة، هذا الممثل صادق مع الشخصية المطلوبة منه، عليه التعلّم كيفية استخدام «حنكه» عندما يتحدث في وضع كهذا لا يستطيع أن يعطي إيحاءات الكلام وإيماءات الوجه، التدريب على اصول النطق ضرورية جداً إذا قرر المتابعة، فلديه حضور محبب، ولكن!

«شغف» عمل نظيف فنياً بصورة جميلة، وقدّم أداءاً تمثيلياً وإخراجياً جميلاً، ولكنه يعيش خارج الزمن، وهدى حسين تصر على ذلك كأنها تخاطب النخبة، والنخبة غير موجودة، العمل فيه مجموعة ممثلين أجادوا أدوارهم.

«جنّة هلي» قدّم سعاد عبدالله بأفضل حالاتها، وهي منذ سنوات لم تقدم هذا النضج، وكذلك المخرج منير الزعبي، عابت العمل التطويل، الأحداث البطيئة وغير المنطقية خاصة علاقة خليفة مع شقيقته المغنية ونحن في هذا العصر ولسنا في الخمسينيات، وغياب أحداث فاعلة إن وجدت!

«الكون في كفة» خليط عجيب غريب يعتمد على الصراخ مع أنه احتوى على وجوه فنية جيدة. و»في ذاكرة الظل» نجد نصاً جميلاً مع نخبة ناجحة ولكنه يختزل إلى خمس حلقات، و يتطلب قراءة موضوعية لواقع الزمن، وعشر سنوات من السجن لا تلغي الذاكرة ببساطة، العمل يتطلب رؤية مختلفة كلياً شكلاً وإخراجاً وتأليفاً!

داوود حسين في الحلقة الخامسة بدأت شخصيته تتبلور. وهذا دليل نجاحه وغياب مرض النجومية على حساب العمل لديه، تميز وتفوق، ولعب الشخصية بجدارة.

«مانيكان» خفيف وجميل ونظراً لكثافة الأفكار التي تدخل من هنا وتضيع هناك اربكت المخرج، واضعفت العمل، (في الدراما المطلوب تكثيف الأحداث وليس الأفكار)، ونستطيع اعتباره من الاعمال الجميلة على الأعمال الخليجية رغم الانتاج المتواضع الذي ظهر في التركيز على نجوم الصف الثاني والثالث إلى جانب «الميراث» ولكنهما لم يخدما إعلامياً!

«الميراث» جيد وقدّم وجوهاً شابه، ينقصه النصّ المعتمد على حوارات رشيقة، و»هيا وبناتها» يعيش أزمة الملل، والحكاية الساذجة التي تختزل بحلقتين، ومن دون احداث، أما «رحى الأيام» فتجب محاسبة القيمين عليه لسوء الاختيار وتبسيط التنفيذ خارج العلم كما لو كنا أمام عمل مدرسي لا مناهج فنية فيه، واستغرب القدير جاسم النبهان كيف يوافق على عمل كهذا، ويغامر باسمه وتجربته!

«كسر ظهر» احتوى على مشاهد تراجيدية لكن طريقة تنفيذها مضحكة مثل مشهد موت «وضحة»، عمل عابه الكثير من الاخطاء الدرامية في النص خاصة، وفي حركة الممثلين إخراجياً!

«العمر مرة» غياب النصّ القوي والحوارات الجاذبة والمنسجمة مع الحدث أفقده حضوره، أحداث مركبة لا تخدم العمل كأننا نقص ونلزق، والفكرة غير منطقية وكذلك أداء بعض المشاهد، وقصة تزوير الأوراق والمؤامرات تحتاج إلى فانوس سحري، وليست مقنعة كما طرحت، مع أن العمل قدم وجوهاً فنية جيدة خاصة مشعل الدوسري، وخلود أحمد، ولو تنبهوا إلى أهمية دور خلود لقاموا بتكثيف المساحة وبإثراء الشخصية درامياً، والاهتمام بطريقة تأديتها، أحياناً شعرنا أنها تسمّع درسها فقط. نص ركيك، ومخرج يحتاج إلى رؤية وإمكانات بصرية تكون شريكة في العمل خارج تصوير المشهد والسلام، والإصرار على التقاط أثاث المنزل كأنه البطل لا يفيد، فقط شخصية المتميز صلاح الملا كانت واضحة، وأداء صلاح المتميز أشبعها درامياً!

«محمد علي رود» إنتاج ضخم لنجوم كبار، وقدم القدير سعد الفرج بعناية وبمسؤولية، والعمل استسهل الماضي فتاه بالحاضر، إيقاعه بطيء، وهذا يتحمل مسؤوليته المخرج مناف عبدال مع أنه يتميز في تنفيذ الأعمال البيئية، ومنذ سنوات يحصد النجاح، كان عليه التركيز أكثر!

المؤلف محمد أنور يستحق التنويه، شاب موهوب يتميز في كتابة الحبكة الدرامية بذكاء، والغريب يكتب الأعمال البيئية بوعي، ويزخرف باستيعاب التراث كما لو كان هرماً، وهذا يعني أنه يبحث ويتعب، وليس ساذجاً في طرحه، ولو اكتفى بكتابة عشر حلقات مع تكثيف الأحداث لكانت النتيجة مغايرة كلياً، ولكن هذا مرض الـ 30 حلقة، عليه الابتعاد عن تكرار شخوصه والأحداث حتى لا يكرر قصصه، ويقع بالتقليدية!

عاب العمل التطويل كحال غيره، ومشاهد الحزن والبكاء !

«الشهد المر» نصّ فيه الكثير من القيم، وثري بالمواقف، يتطلّب إدارة ممثلين، أي مخرج يستوعب النص، ولا يُقطع المشاهد بهذه الطريقة خاصة أن العمل فيه كمّ من الممثلين الجيدين، عابته كثرة الحوارات المملة خارج الحدث والتطويل، يلفت الشاب عبدالله الطراورة في دور جديد عليه، ينقصه ما قلناه عنه في «مساحات خالية»….

أما الأعمال الكوميدية التي قدّمت بغالبيتها مملة، ارتجالية لا تصلح لهذا الزمن رغم الإنتاج الضخم لبعضها والنتيجة مؤسفة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى