الوطن

أيها اللبنانيون… إياكم والفخاخ لأنها ستكون مقتلكم

} علي بدر الدين

يُحكى أنّ عصفوراً غطّ على شجرة مزقزقاً كعادته وسعيداً بحريته وهو في نشوته وقعت عيناه على أمر غريب تحت الشجرة الواقف عليها ومغطى بالتراب، فبادره العصفور بسؤال من أنت؟ فأجابه أنا عبد من عبيد الله. وسأله العصفور طيب القلب الذي لا يعرف سوى الغناء لماذا تقيم تحت التراب؟ تواضعاً لله. ولماذا انحنى ظهرك؟ من خشية الله. ولماذا وسطك مشدوداً هكذا؟ للخدمة والتضحية في سبيل الله. وماذا عن القصبة المعلقة في وسطك؟ انها عصا اتكأ عليها. وماذا عن الحبة الطالعة من التراب؟ لأتصدّق بها على المحتاجين والفقراء. وسأله العصفور بعفوية الجائع هل لي أن التقطها؟ انْ احتجت اليها فأفعل أجابه بصوت خافت وهادئ كأنه يرجوه ان يغط عليها ليلتقط الحبة ويسدّ بها جوعه وجوع الفخّ المنصوب له ولأمثاله.

فصدّق العصفور المسكين الكلام المعسول الذي سمعه ورفرف جناحيه فرحاً بالوجبة التي سيحظى بها وحام حول فريسته قليلاً ثم اقترب من الحبة القاتلة وحاول التقاطها قبل ان يسابقه عليها عصفور آخر فأطبق الفخ عليه بكلّ قسوته فصرخ العصفور متألماً محاولاً الإفلات منه من دون طائل، لذا قيل «الطير يرقص مذبوحا من الألم»، والفخّ غير مبال لصراخه وألمه بل أكثر من ذلك حضه على فعل ما يشاء لأن لا خلاص لك ولا وسيلة لديك للنجاة انك وقعت انْ كنت تدري أو لا تدري في الفخ المنصوب لك، وتوجه العصفور وهو في ذروة ألمه الى الفخ الذي هو من صنع البشر بل هو الشرّ الذي يتمثل في كثير منهم بالقول «اللهم أعوذ بك من شخص ذلك قوله وهذا فعله».

حكاية العصفور والفخ تمثل واقع الحال الذي يعيشه الشعب اللبناني الفقير والجائع والذي يعاني من طبقة سياسية نهبت ماله من خلال الأفخاخ التي نصبتها في كلّ مكان وموقع في السلطة ومؤسساتها وخارجها لتصطاد بها الوطن والشعب والدولة وأموالها ووظائفها، وتجرّد المواطن من كلّ حقوقه تارة بالمعسول من كلامها وتارة بالوعود والشعارات الفضفاضة وطوراً بالرشى والتزوير والوظيفة المتواضعة او بتزفيت وترقيع طريق بيته أو للاسف حتى باستقباله وأخذ سيلفي أو صورة معه، او حتى سؤاله له عن أحواله وأولاده والأمر الأهمّ ان ربت على كتفه كان يده الطاهرة ترفعه الى مرتبة الشرف والقداسة.

انّ هذا المواطن الذي يرضى بالقليل والذي أقلّ منه هو العصفور الذي أغرته حبة القمح وكلام الفخ الذي تمثله الطبقة السياسية التي تمرّست بالنفاق والخداع والتزلف حتى ترهق غريمها او تجذبه إليها وهو بحالة شديدة من الوهن والضعف وفعل ايّ شيء إرضاء لمن قدم له حبة قمح مسمومة او خدمة بسيطة او وعداً او مصافحة يعقبها غسل يديه وتطهيرها حتى لا تتلوّث من تعب السنين او تراب الأرض مع انّ على هذا المواطن الشريف الذي يستشرس في الدفاع عمن يعتبرهم أولياء نعمته ان ينظف يداه بعد مصافحة من ظلمه وسلبه حقوقه ومن تراكمت ثرواته بفساده وأموال الحرام.

على هذا الشعب أن يتعلم من معاناة من سبقوه الذين ذاقوا كلّ المرارات من السياسيين الذي نجحوا في اصطياده الواحد تلو الآخر لأنه بطيبته وعفويته او بجهله وقع بالأفخاخ التي نصبت له ودفع الثمن باهظاً وما زال أولاده وأحفاده أدوات طيّعة لهؤلاء الذين أحكموا عليهم الطوق ولم يجدوا بعد سبيل الخلاص.

ان ثلاثين سنة من تحكم الطبقة السياسية والمالية وما تخللها من فساد ومحاصصة وصفقات ونهب وسلب ومصادرة كلّ صغيرة أو كبيرة وتراكم للثروات يجب ان تنتهي والصمت والانحناء أمام من يدّعي أنه كذلك بقرار من الشعب وهو الذي قدّم له شرف الشرعية أوصل لبنان وشعبه إلى الهاوية، ولا بدّ ولا مفرّ من الإصلاح والتغيير نحو الأفضل من خلال الضغط على الطبقة السياسية وعدم تكبير الشعارات بذريعة إسقاطها لأنها بالوسائل التقليدية التي جرّبت لن تسقط فلا الشعارات ولا اليافطات ولا الاعتصامات والاحتجاجات والتظاهرات الموسمية وفي بعض الأحيان المخترقة تسقطها وهي التي تسقط من يتصدّى لها أو يريد إسقاطها وتهديم هياكلها وامبرطورياتها لأنها تملك كلّ شيء المال والسلطة والنفوذ والقوة والأغطية الطائفية والمذهبية.

لا خيار أمام الساعين الى قلب طاولة هذه الطبقة عليها سوى توحيد الرؤية والتنسيق والتعاون مع حكومة مواجهة التحديات التي تحاول تقويض أسس الفساد ثم تنكفئ أو تجمد او تؤجّل المواجهة لأنّ سلطة الفساد لا زالت الأقوى والممسكة بمفاصل القرار داخل السلطة والمؤسسات، وإذا لم يثق البعض بالحكومة وأدائها وقراراتها ويرون أنها تابعة لفريق سياسي من دون الآخر تركها تعمل وإفساح المجال أمامها من دون التصويب عليها وشلّ قدراتها. لا شكّ أنّ الرهان عليها صعب في ظلّ ما تواجهه من أزمات وضغوط وملفات متراكمة وزاد كورونا عليها وعلى الشعب عبئاً كبيراً وثقيلاً، ولكن لا يوجد في الميدان سواها. هذه الطبقة وسياساتها المعتمدة لن تسقط إلا بالقضاء والقدر، وهي تراهن عبثاً على الاستمرار بالتوريث وهذا لن يحصل او يتحقق لأنّ السارق والوارث البديل لن يكون كما الأصيل، وعندها ستنتهي أحلامهم ويُزال الكابوس الذي طال أمده وعذابه عن هذا الشعب المقهور.

والأهمّ ان لا يبقى عصفوراً سهل المنال وفي المتناول ويرتمي في أحضان الذين يحملون له الجزرة او بقية قمح وطحين عندها ستكون الأفخاخ بانتظاره لتطحن عظامه ولا أسف عليه. أيها اللبنانيون إياكم والفخوخ لأنها ستكون مقتلكم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى