الوطن

الانتخابات التشريعية في سورية… وقائع سياسية ومسؤوليات مجتمعية (3)

} د. حسن مرهج

في السلسلة البحثية التي تتألف من أجزاء ثلاثة، والتي بدأناها تحت عنوان» الانتخابات التشريعية في سورية.. وقائع سياسية ومسؤوليات مجتمعية»، كنا قد تناولنا في الجزء الأول أهمية الحياة السياسية في سورية، وضرورة السير قُدُماً في العملية الانتخابية، التي تُشكل في ماهيتها عناوين عريضة لمستقبل سورية السياسي، فضلاً عن أهمية تعزيز حرية الرأي والتعبير بما يتوافق ومتطلبات المرحلة القادمة، لكن ضمن سقف الدولة السورية ومؤسساتها، وبما يؤمّن قاعدة سياسية ووعي مجتمعي، لمواجهة جزئيات الحرب المقبلة على سورية، والتي لن تخرج من إطار محاولات العبث في المجالين السياسي والإعلامي، وفي الجزء الثاني تمّ التركيز على آفاق التغيير التي يطلبها السوريين، وضرورة إحداث فواعل من قبل الدولة السورية، يكون من شأنها تأطير العملية الانتخابية المقبلة بأطر الوطنية ومتطلبات التغيير الحقيقي.

في الجزء الأخير من هذا البحث، سنتحدث صراحة عن مصلحة الشعب السوري من الانتخابات التشريعية المقبلة، وضرورة تفعيل مسارها بما يتناسب والمرحلة الآتية، والتي سيكون عنوانها الواضح والصريح مكافحة الفساد.

في هذا الإطار، يُدرك المتابع للشأن السوري أنّ التطورات الأخيرة التي حدثت في سياق سياسي وفي إطار اقتصادي، من شأنها صقل الحياة السياسية في سورية، وإفساح المجال لرفع الصوت عالياً في التحدث عن مواضع الفساد الحكومي في سورية. هذه السياسة التي ركزّ عليها الرئيس بشار الأسد مراراً وتكراراً، الأمر الذي من شأنه بناء اللبنة الأولى في الجسد السياسي في سورية، وبما يؤسّس عميقاً لنهج مختلف عما سبقه خلال السنوات المنصرمة.

ذكرنا في البداية أنّ التطورات الأخيرة، لجهة فتح ملف الشركات المتأخرة عن دفع مستحقاتها الضريبة للدولة السورية، قد لا يكون مرتبطاً بجوهر الحياة السياسية في سورية، وغير مرتبط أيضاً بجوهر الانتخابات التشريعية الآتية، إلا أنّ فتح هذه القضية من شأنه تعزيز مفاصل العمل الحكومي والمؤسساتي، تحت سقف القانون وبصرف النظر عن الشخصية السياسية المُستهدفة في إطار هذه الإجراءات، وهذا أيضاً يُلقي بظلاله الإيجابية على عموم الحياة السياسية في سورية، فالواقع الحالي الذي تعيشيه سورية، يفترض سياسياً كما اقتصادياً واجتماعياً، رفع الغطاء عن الجميع دون استثناء، خاصة أنّ حساسية هذه المرحلة، تتطلب الشفافية والصراحة لأمرين:

الأولمُتعلق بالشعب السوري الذي يُعاني من تدني مستوى معيشته، جراء أسباب عديدة أهمّها سلاح العقوبات عليه، ومن ثم الوضع الداخلي في سورية والذي يُعاني من تداعيات الحرب، وما أفرزته من أثرياء حرب وفاسدين، وبالتالي فمن الضروري في هذا الإطار تعزيز مقومات صمود هذا الشعب، عبر تغذية موارده الاقتصادية بأخذ المستحقات الضريبية من الأثرياء الذين يتهرّبون من دفع ما يترتب عليهم، وبذلك تتمّ هندسة حياة مجتمعية صحيحة تكون منطلقاً لحياة سياسية مؤثرة وفاعلة.

الثانيمُتعلق بالخارج وسياساته تُجاه سورية، فعلى مدى سنوات الحرب التي عاشتها سورية، دأب الغرب عموماً على محاولة تشويه الدولة السورية، عبر الترويج لنظريات الفساد والمحسوبين على الدولة السورية، كما أنّ الغرب حاول دائماً الضغط على رموز الدولة السورية بُغية دفعهم للإنشقاق عن دولتهم، وإنْ كان النجاح حليف بعض تلك المحاولات، إلا أنّ الحقيقة لم ينشقّ إلا الفاسد، لأسباب لا مجال لذكرها في هذا المقال؛ وعليه فإنّ الإجراءات الأخيرة للدولة السورية تصبّ مباشرة في تعزيز ثقة الموطن بدولته، ما يعني عملياً أنّ مرحلة محاربة الفساد بعناوينه الكبرى، قد بدأت.

في ذات الإطار، من المهمّ أن نوضح أنّ رسم الصورة السياسية الصحيحة في سورية، يتمّ عبر المؤسسات الحكومية، وإطلاق يدها لمحاربة الفساد، وخدمة سياسات الدولة، والابتعاد عن الشعارات البراقة، فالمرحلة الدقيقة التي تمرّ بها سوري، تفترض بناء ديمقراطية شعبية وطنية، وأحزاب تعمل تحت سقف الوطن، همها الأول والأخير الدولة والمواطن، من هنا فإنّ الانتخابات التشريعية المقبلة، ستكون مؤطرة بهذا الأمر، الذي يتمحور حول بناء أسس الديمقراطية الشعبية والوطنية، والأحزاب التي تسعى لنقل هموم المواطن ومعالجتها جذرياً تحت قبة البرلمان المقبل.

المواطن السوري هو بوصلة العمل الحكومي والتشريعي، وبالتالي فإنّ صوته سيكون مؤثراً وفاعلاً، بل وناظماً للحياة السياسية في سورية، وكذا المجتمعية، وهذا ما أكده على الدوام الرئيس بشار الأسد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى