أولى

خطاب الرئيس
وأسئلة المواطن

 سعاده مصطفى أرشيد _

أخيراً وبعد طول انتظار اجتمعت القيادة الفلسطينية في رام الله (مع غياب حركتي حماس والجهاد الإسلامي والقيادة العامة والصاعقة) مساء الثلاثاء، وأعلنت على لسان الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن سبعة قرارات وملاحظة ختامية لافتة للانتباه، هذه النقاط السبع يمكن إجمالها في ثلاثة محاور.

المحور الأول: أنّ منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية في حلّ من الاتفاقيات والتفاهمات والالتزامات المعقودة مع الإدارة الأميركية و»إسرائيل»، وأنّ على «إسرائيل» منذ اللحظة اعتبار نفسها قوة احتلال مسؤولة عن الضفة الغربية بموجب اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949 وأكد على اعتبار الإدارة الأميركية شريكة لـ «إسرائيل» في عدوانها على الشعب الفلسطيني.

المحور الثاني: إنّ منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية ملتزمتان بقرارات الشرعية الدولية وبحلّ الدولتين ومكافحة الإرهاب (أي كان مصدره أو شكله).

المحور الثالث: هو الاستنجاد بالموقف الدولي من خلال الطلب من الدول التي تعارض إجراءات الضمّ باتخاذ إجراءات عقابية رادعة ضدّ «إسرائيل» في حال نفذت تهديداتها والطلب من الدول التي لم تعترف بفلسطين لأنّ تسارع بإعلان اعترافها، وقد ذكر الرئيس عباس الدول الأوروبية بالاسم، في حين تمّ تغييب البعد العربي، كما أعلن الرئيس أنه وقع وسيوقع طلبات انضمام لاتفاقيات ومنظمات دولية.

أما الملاحظة الأخيرة في الخطاب فهي الحديث عن وحدانية ومشروعية تمثيل الشعب الفلسطيني، وكأنّ لدى الرئيس المعلومات أو الشعور بأنّ هناك مَن يحاول سلب منظمة التحرير مشروعيتها ووحدانيتها في تمثيل الكلّ الفلسطيني.

يبدو أنّ الرئيس عباس والقيادة من حوله في رام الله، لديهم التصوّر انّ هذه القرارات بالتنسيق مع جهات عربية من شأنها الضغط على الإدارة الأميركية لتأجيل تنفيذ قرار الضمّ، بما يسمح بشراء الوقت، إلى أن ينقضي موعد الثالث من تشرين الثاني المقبلالاستحقاق الانتخابي الرئاسي الأميركي، حيث أنّ التفكير الرغائبي يميل للاعتقاد بأنّ حظوظ المرشح الديمقراطي جو بايدن هي الأقوى في الفوز بالانتخابات، وبجرعة رغائبية إضافية فإنّ الرئيس الأميركي الجديد حكماً هو جو بايدن الذي لن يوافق على ضمّ المناطق، تذهب التصورات والتحليلات إلى ما هو أبعد من ذلك لترى أنّ الرئيس ترامب في موقف ضعيف، وأنّ قوى عديدة نافذة وقوية داخل الولايات المتحدة تعمل ضدّه، منها وزارة الدفاع والجيش، ومنها المخابرات المركزية وكذلك الكونغرس الذي خصّه الرئيس عباس بالذكر في خطابه. شراء الوقت سيستمرّ إلى السابع عشر من تشرين الثاني عام 2021، موعد تسلم بني غانتس رئاسة الحكومة الإسرائيلية من رئيسها الحالي بن يامين نتنياهو (هذا بالطبع إنْ عاشت الحكومة حتى ذلك التاريخ). حيث من الممكن العودة للتفاوض مع غانتس بصفته أقلّ غلواً وتطرفاً من نتنياهو، وانهحسب التصوّر الفلسطينيرافض لفكرة الضمّ وإنما أُكره عليها عند تشكيل الحكومة. من الجدير التذكير بأنّ الجنرال بني غانتس رئيس أركان سابق وخريج المؤسسة العسكرية هو وشريكه في حزب أزرقأبيض جنرال آخر ورئيس أركان أسبق غابي أشكنازي، كلاهما مؤمن بالعقيدة العسكرية والأمنية للجيش الإسرائيلي تجاه الأغوار والتلال المشرفة عليها من الناحية الغربية، فهي مصيدة الدبابات التي لا يمكن التخلي عنها تحت أيّ ظرف من الظروف باعتبارها ضرورة ماسّة من ضرورات الأمن القومي، والموقف ذاته ينطبق على مستوطنات وسط الضفة.

صرّح الجنرال غابي اشكنازي في حفل تسلّمه منصبه الجديد وزيراً للخارجية الاثنين الماضي، أنّ رؤية الرئيس ترامب (صفقة القرن) تمثل فرصة تاريخية لترسيم حدود «دولة إسرائيل» وضمان مستقبلها لعقود مقبلة، وانه سيدفع باتجاه ضمّ الأغوار وشمال البحر الميت والتلال المشرفة على الأغوار وأراضي المستوطنات، وذلك بالتنسيق مع الإدارة الأميركية، والحوار مع الجيران والأصدقاء الذين تجمعهم بـ «إسرائيل» اتفاقيات السلام والصداقة (والصداقة تشمل دولاً غير مصر والأردن).

الحكومة الإسرائيلية لم تبدِ اكتراثاً بالخطاب، ولم يصدر عنها ما يشير إلى الخوف أو القلق من تداعيات ما ورد فيه، أو حتى من مدى جديته، ولم تبد أنها بصدد مراجعة موقفها وقراراتها باتجاه الضمّ، بقدر ما تبدي إصراراً وتأكيداً عليه ولكن يمكن ملاحظة بعض ما ورد في الصحافة الإسرائيلية خاصة المقرّبة من رئاسة الحكومة وعلى ذمة مراسليها من أخبار لم يتمّ نفيها، تنقل صحيفة «هايوم إسرائيل» عن مسؤولين كبار في السلطة الفلسطينية، أنّ الخطوة الفلسطينية ليست إلا خطوة كلامية (بيانية) فقط. وهي في الوقت ذات رسالة إلى نائب رئيس الحكومة الجنرال بني غانتس تقول ما سلف ذكره في المقال، إنّ السلطة الفلسطينية جاهزة للتفاوض معه عند تسلمه رئاسة الحكومة من بن يامين نتنياهو بعد سنة ونصف السنة (بالطبع إنْ طال عمر الحكومة حتى ذلك الوقت)، وعادت «هايوم إسرائيل» للقول إنّ مسؤولين فلسطينيين كباراً، ولكن في هذه المرة من الجانب الأمني، أبلغوها أنّ التعليمات صدرت لهم من مكتب الرئيس الفلسطيني، تنصّ على تقليص التنسيق الأمني مع الطرف الإسرائيلي إلى حدّه الأدنى، وهي التعليمات ذاتها المعمول بها من أيام الرئيس الراحل ياسر عرفات عام 2000 عند اندلاع الانتفاضة الثانية.

يملك «الإسرائيلي» والأميركي مصادر القوة التي تمنحهم القدرة على تنفيذ رؤاهم وخططهم، ووضع مروحة واسعة من الخيارات والبدائل، في حين لا يملك الفلسطيني هذا الترف وأحياناً بإرادته عندما يضع العراقيل أمام محاولات إنهاء الانقسام أو الوحدة الوطنية القائمة على برنامج حدّ أدنى من التوافق، وأحياناً أخرى رغم إرادته بسبب تداعي الوضع العربي وما يجري من حروب عبثية واقتتال، وكما بسبب الأزمات المتلاحقة في الضفة الغربية وغزة السابقة لوباء الكورونا واللاحقة له.

يتساءل الفلسطيني حول جدية هذه القرارات ومفاعيلها وهو الذي لم يستشعر أنّ السلطة الفلسطينية قد استحوطت لهذا الوضع إلا باستدانة مبلغ ثمانماية مليون شيكل من العدو، وقد أصبحت الآن ترفض السداد بموجب البند الثاني الوارد في خطاب الرئيس الذي ينص أنّ على «إسرائيل» تحمّل مسؤولياتها كقوة احتلال، وهل تبلغ السذاجة بالحكومة الإسرائيلية لأن تقرض من يعلن رفضه للسداد؟

كما يتساءل الفلسطيني مَن هي الجهة التي أراد الرئيس عباس إيصال الرسالة لها في ختام خطابه والتي تريد أو تحاول سرقة وحدانية ومشروعية تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني؟

ليس من الحصافة وسداد الرأي الحكم المبكر على الخطاب أو الجزم بمسائل سياسية متحركة، ولكنها أسئلة برسم الإجابة، وإنّ غداً لناظره قريب.

*سياسي فلسطيني مقيم في الضفة الغربية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى