حديث الجمعة

بين المكان والزمان حالة وتوقيت

لطالما دفعتُ المالَ لأحصلَ على الرّشاقةِ في الصّالاتِ الرياضيّةِ، أتمرّنُ ليومينِ أو لثلاثةٍ وبعدها أفكّرُ في أنّ ما تبقّى من المالِ الذي دفعتُهُ مقابلَ ثلاثةَ أشهرٍ من التّمرينِ سأعتبرهُ هِبةً لِمَن دُفِعَ إليهِ وأعاودُ السّيرَ في الطّرقاتِ بعيداً عن الآلاتِ الحديديّةِ.

فقد اكتفيتُ من التّعاملِ مع معدنِ الحديدِ

الذي ينبضُ في أجسادِ الكثيرينَ !

أرتدي ثياباً جميلةً وكعادتي أضعُ مساحيقَ التّجميلِ ثمّ أذهبُ إلى مطعمي المفضّلِ الذي يقدّمُ أطباقَهُ الشّهيّةِ بعنايةٍ وسخاءٍ لم أعهدهما في مكانٍ آخرَ.

وفي مثلِ كلِّ مرّةٍ

أطلبُ صنفاً من الطعامِ أعلمُ مسبقاً أنّني لن أتناوله لاحتوائه على اللّحومِ، فأكتفي بشرْبِ فنجانٍ من القهوةِ

وأهرعُ مسرعةً إلى الخارجِ بحثاً عن أحدِ الباعةِ الجوّالينَ الذين يقدّمونَ أطعمةً خفيفةً تناسبُ شهيّتي.

فأنا نباتيّةٌ منذ طفولتي لا أقوى على تناولِ اللّحمِ.

فالتهامُ الإنسانِ لَحمَ أخيهِ الإنسانِ

قد أودى به إلى شَبَعٍ مُميتٍ !

لسببٍ من الأسبابِ الكثيرةِ التي تُقامُ لأجلها الحفلاتِ أُدعَى إلى حفلةٍ وعندما أقرّرُ الذهابَ أبدأُ بتحضيرِ نفسي قبل أيّامٍ عدّةِ من الموعدِ شأني شأن جميعِ نساءِ الكونِ !

وتحضيراتي لا تشتملُ فقط على اللّباسِ وتصفيف الشَّعرِ والحِليّ، بل أهمّ ما في الأمرِ بالنسبةِ إليَّ هو التّحضيرُ النّفسيّ وحُسنُ اختيارِ القناعِ الذي سأرتديهِ لأقنعَ به جميعَ الموجودينَ في الحفلة بأنّني سعيدةٌ وعلى أفضلِ ما يرام.

أذهبُ إلى الحفلةِ وأحاولُ جاهدةً الاندماجَ مع الأجواءِ من رقصٍ وغناءٍ وقهقهاتٍ وثرثراتٍ.

أنا التي في كلّ يومٍ ولأكْثرَ من ساعةٍ ترقصُ أمام مرآتِها في المنزلِ أشعرُ بخَدَرٍ غريبٍ يسري في ساقَيَّ ويكبّلني إلى الكرسي حيث في الحفلةِ أجلسُ !

حتّى حنجرتي أشعرُ بأنّني قد نسيتها في مكانٍ ما خارجَ جسدي !

حقيقةً

منذ فترةٍ طويلةٍ لم أعدْ قادرةً على فعلِ شيءٍ في مكانهِ المعتادِ كما حُدّدَ لنا مسبقاً:

المكان، الزّمان، الحالة والتّوقيت

هل علمتَ الآن لماذا سأحبّكَ في مكانٍ آخرَ بعيداً عن هذا العالمِ؟!

ريم رباطسورية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى