أولى

جيوبوليتيك الاقتدار… إيران تُسقط قانون القرصنة البحريّة الأميركيّ ميدانيّاً

محمد صادق الحسيني

إنّ التحليل العميق، للخطوة البحرية الجيوسياسية الإيرانية، التي قادت الى إرسال أسطول كامل من ناقلات النفط العملاقة، من إيران الى فنزويلا، حاملة معها مواد نفطية مختلفة والكثير من المعدات والتجهيزات الصناعية، وقطع الغيار الضرورية لإعادة إعمار مصافي تكرير النفط الفنزويلية، التي أوقفتها الإدارات الأميركية، بتخطيط ممنهج عن العمل، ومنعت إصلاح الأعطال التي تعرّضت لها، وبالتحليل الموضوعي والعميق لهذه الخطوة لا بد أن يصل الى النتائج التالية:

  1. إن هذه الخطوة الإيرانية قد أسقطت، ميدانياً وعملياً، قانون القرصنة البحرية الأميركي، الذي تستخدمه واشنطن في تبرير تنفيذ المؤامرات والانقلابات وحملات التدخل العسكري في الكثير من بلدان العالم. وهو قانون تعود أصول نشأته الى عصور الاستعمار البريطانيّ والفرنسيّ في الأميركيتين، يجيز للجهات الحكومية، البريطانية والفرنسية آنذاك والأميركية منذ الاستقلال، إصدار ما يُسمّى: ترخيص حكومي / Letter of Maeque / بالانجليزية، لأي شخص كان او سفينة مدنية تجارية بقرصنة أي سفينة تابعة او تحمل علم دولة أخرى ورفع دعوى ضد الدولة مالكة السفينة، في ما يُسمّى محكمة الأدميرالية ( Court of Admirality ) في الولايات المتحدة وتحويل ملكيتها لمن قرصنها. أيّ الاستيلاء عليها ومصادرتها.
  2. ولا بد من الإشارة الى ان القانون، المذكور أعلاه، وممارسات الولايات المتحدة في هذا المجال، تتعارض تماماً مع اتفاقية باريس لعام 1856 الخاصة بمنع القرصنة البحرية ( Privateering )، وتوقيع خمس وخمسين دولة عليها ورفض الولايات المتحدة التوقيع عليها، بحجة أن أساطيل الدول الاستعمارية الاوروبية، آنذاك، تشكل تهديداً لها، ما قد يجعلها «مضطرةً» الى اللجوء الى القراصنة البحريين، أفراداً ومجموعات، لمساعدتها في «حماية أمنها»، الذي لم يتعرض لأي تهديد خارجي فعلي عبر التاريخ.
  3. إن الولايات المتحدة، فعلياً وعملياً، ترتكز الى هذا القانون، الذي يتيح لها نشر أساطيلها الحربية في كل بحار العالم، بموجب تفويض من الكونغرس، وهو التفويض أو الترخيص، المشار اليه آنفاً، تحت اسم: the letter of marque. اي ان الولايات المتحدة لا زالت تدير عمليات أساطيلها، واساطيل الدول العميلة لها، في ما يسمّى حلف شمال الأطلسي وغيره من المسمّيات، على أرضية قانون القرصنة نفسه.
  4. كما لا بد من التأكيد على أن كل العمليات البحرية، التي تديرها الولايات المتحدة في بحار العالم، مثل تلك التي تسمّيها: «عملية حرية الملاحة» في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي ومضيق تايوان وبحر اليابان، الى جانب القوة البحرية التي شكلتها «لحماية حرية الملاحة» في الخليج، ما هي الا عمليات قرصنة موصوفة وممنوعة منعاً باتاً، بموجب اتفاقية باريس الموقعة بتاريخ 30/4/1856.
  5. أما المثال الأكثر سطوعاً، على جرائم القرصنة الأميركية البريطانية، فهي عملية قرصنة ناقلة النفط الإيرانية العملاقة، ادريان داريا 1، من قبل قوة بحرية بريطانية، قامت بقرصنة الناقلة، بأمر مباشر من الجهات المعنية الأميركية، العام الماضي في مضيق جبل طارق، وذلك على الرغم من أن بريطانيا كانت إحدى الدول التي وقعت اتفاقية باريس لمنع القرصنة، عام 1856.
  6. في الوقت الذي كانت فيه عملية محاولة الغزو البحري، التي نفذها مرتزقة أميركيون وآخرون، الشهر الماضي، وحاولوا النزول على شواطئ فنزويلا لتنفيذ انقلاب عسكري وارتكاب حرائق مختلفة، في بلد ذي سيادة، كانت هي المثال الأحدث على مواصلة الولايات المتحدة التصرف كدولة عصابات، رغم أنها اعلنت ان لا علاقة لها بعملية فنزويلا الفاشلة التي لم يكن ممكناً تنظيمها وتنفيذها دون تفويض، لا بل مشاركة رسمية حكومية أميركية، ومن قبل أكثر من جهة عسكرية وأمنية.
  7. وبالنظر الى كل ما تقدم فإن الخطوة الإيرانية، بإرسال الناقلات الى فنزويلا، قد أسقطت قانون العصابات هذا، وذلك من خلال نجاحها في إيصال ناقلاتها الى أهدافها، مستخدمة كل الوسائل القانونية والسياسية والدبلوماسية المشروعة، ومنع الولايات المتحدة من التجرؤ على استخدام القوة المباشرة، من خلال قطع سلاح البحرية الأميركية المنتشرة في البحر الكاريبي، أو من خلال قراصنة مرتزقة، كان يمكن أن ينفذوا عمليات تخريبية، بأمر أميركي، ضد هذه الناقلات او إحداها.
  8. من هنا فإن أهمية الخطوة الإيرانية الجريئة لا تقتصر على كونها نجاحاً للدولة الإيرانية، والجهات والأجهزة الحكومية، التي شاركت في تنظيم وادارة وتنفيذ هذه العملية اللوجستية وهي في غاية التعقيد والأهمية، وإنما هي تتعدّى المصالح الإقليمية، وحتى الدولية الإيرانية، وتنقل المواجهة مع الولايات المتحدة، على إعادة صياغة النظام العالمي، الى آفاق اكثر بعداً واتساعاً.

إنها خطة استراتيجية يجب ان يتبعها تحرك دولي، واسع وسريع، للعمل على إعادة النظر في انتشار الأساطيل البحرية الأميركية في بحار العالم، وبدء التحرك الفعّال للمطالبة بسحب كافة هذه الأساطيل من تلك البحار، لما تسببه من تهديد لطرق التجارة الدولية وللأمن والاستقرار في العالم.

خاصة أن هذه الاساطيل، وبالرغم من عدم جهوزيتها الفنية لتنفيذ أي مهمات قتالية، إلا أنها أصبحت بلا قيمة تذكر، ليس فقط بسبب فشلها، في تنفيذ سياسات القرصنة الأميركية، المشار اليها اعلاه، وانما بسبب وجود قوى بحرية دولية صاعدة، أخذت تمثل تحديات حقيقية وملموسة للأساطيل البحرية الأميركية.

  1. اذ يكفي، في هذا المجال، النظر الى الثالوث النووي الصيني، الجوي والبحري والصاروخي، الذي جعل الأساطيل الأميركية، المنتشرة في دائرة قطرها عشرة آلاف كيلومتر، انطلاقاً من الصين، ليست سوى قطعاً بحريةً محكومة بالإعدام. لكنها بانتظار التنفيذ.

ومن نافل القول طبعاً التذكير، بأن القوات البحرية والجوية والصاروخية الروسية، تمثل تحدياً يساوي أضعاف القوة الصينية. وهو موضوع، سيتم تحليله في مقام منفصل آخر، نظراً لأهميته واتساعه.

بعدنا طيبين قولوا الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى