أولى

انتهينا من الخطط… فلنبدأ التنفيذ

خالد الداعوق*

 

ردّت جمعية مصارف لبنان على الخطة المالية الاقتصادية التي أعلنتها الحكومة، بخطة مقابلة ليس لها إلا هدف واحد وحيد لا غير. أرادت المصارف أن تقول للناس إنّ أموالكم هي مع الدولة، وإذا أعادت الدولة لنا أموالنا التي استدانتها من مصارفنا يمكننا عندئذ أن نعيد للمودعين أموالهم!

أول ردّ فعل هو رفض مطلق لهذا المنطق، لكون المودعين لا علاقة لهم بخيارات المصارف التي عليها وعلى إداراتها أن تتحمّل المسؤولية الكاملة عن كلّ الأخطاء التي ارتكبتها في طريقة إدارة محفظاتها وحساباتها، وبالتالي عليها ألا تمسّ إطلاقاً بودائع الناس، خاصة أنّ هذه المصارف كدّست الأرباح الهائلة والطائلة نتيجة استثمارها أموال المودعين في سندات الخزينة بأعلى الفوائد لأكثر من ربع قرن من الزمن.

وعليهلا يمكن ولا يجوز أن تتحمّل الدولة، يعني مجموع المواطنين، ما خسرته المصارف نتيجة عدم تقديرها الصحيح للمخاطر التي قد تترتّب على استمرارها في الاكتتاب بسندات الخزينة اللبنانية رغم أنّ أزمة المالية العامة في لبنان معروفة ومعلنة وغير خافية على أحد، فكيف تخفى على الجهابذة الذين يديرون مصارف لبنان ومساعديهم الخبراء المعروفين.

من هنا القول إنّ خطة الحكومة ليست هي الخطة المثالية، وربما تضمّنت ثغرات تحتاج إلى تطوير، خاصة في ما يتعلق بطرق وأساليب المعالجة، لكنها على الأقلّ من حيث التوصيف والتشخيص خطة صريحة واضحة صادقة تقرّ بالوقائع والحقائق كما هي، ولا تلتفّ وتدور حولها لتخرج بفذلكات مغايرة للحقيقة كما كان يحصل منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى الأمس القريب.

وإذا كان هناك من يقول إنّ الخطة الحكوميّة وُضعت بهذا الشكل من أجل التوجّه عبرها إلى صندوق النقد الدولي الذي يشترط مسبقاً التعاطي مع أرقام حقيقية مجردة من دون أيّ التباس، نقول إنّ هذا قد يكون صحيحاً، لكن الصحيح أيضاً أنّ لبنان قد لا يستطيع تحمّل كلّ شروط ومتطلبات الصندوق، أولاً في شقها السياسي وثانياً في ما يمكن أن تفرضه من زيادات ضريبيّة لا يمكن لأيّ عاقل أن يفكر فيها هذه الأيام.

لذلك، لا بأس أن تستمرّ الحكومة بالتفاوض مع الصندوق، والحكم يكون على النتائج، ولكن هناك خطوات كثيرة من الممكن اتخاذها منذ اليوم ومن دون انتظار تلك المفاوضات، خاصة أنّ هناك أبواباً عديدة تطرّقت إليها الخطة، وهناك غيرها من الأبواب التي يمكن الدخول منها اليوم قبل الغد، ولا شكّ إذا تمّ العمل على ذلك بجدية وحزم يمكن الحصول على مبالغ قد تفوق عشرة مليارات دولار  طلبتها الحكومة من صندوق النقد الدولي.

الخطوة الأوّلى التي يجب حسمها والانتهاء منها تتمثل باسترداد الأموال المهرّبة إلى الخارج منذ أوائل العام 2019، وهذا الأمر لا يحتاج إلا إلى قرار جريء لا يستثني أحداً ويكون مستنداً إلى وثائق وقيود موجودة حكماً في كلّ المصارف المُمكننة جميعها بأحدث الوسائل التكنولوجية، ويمكن للقضاء أن يحصل عليها من هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، التي لا يحق لها على الإطلاق أن تتلكّأ لأيّ سبب كان عن تسليم القضاء كلّ المعلومات والمستندات التي يطلبها.

وهذا يفسح في المجال للبدء بشكل موسّع أيضاً في تحقيقات جدية أيضاً في ملفات الأموال التي تدور حولها شبهات الفساد، يعني الأموال المنهوبة، وهي طبعاً ملفات كثيرة ومتشعّبة وربما تحتاج إلى وقت ليس بقليل، لكن هناك ملفاً يمكن حسمه في 24 ساعة إذا توفرت الإرادة الصلبة والعزيمة الصادقة، وهذا الملف هو المتعلق بالهندسات الماليّة التي أجراها مصرف لبنان لمصلحة المصارف عام 2016 ثم أتبعها بملحقات وفق بعض المحسوبيات لهذا المصرف أو ذاك عامي 2017 و 2018، وكلفت الخزينة العامة أكثر من 8 مليارات دولار حسب بعض التقديرات فيما تقول تقديرات أخرى إنها وصلت إلى حدود العشرة مليارات دولار، أيّ بما يوازي ما طلبته الحكومة من صندوق النقد الدولي. وهناك وسائل سهلة جداً كي نحدّد بدقة حجم المبالغ التي وضعتها المصارف في خزائنها من دون وجه حق، ذلك أنّه بعد انتشار فضيحة الهندسات المالية قامت المصارف بخطوة اعتقدت أنها تجنّبها المحاسبة والمساءلة، فتكرّمت ودفعت ضريبة دخل عن هذه العائدات التي سجلتها في خانة الأرباح! إذن الحساب بسيط وسهل، حيث يمكن معرفة حجم ما تكبّدته الخزينة العامة من خسائر نتيجة الهندسات من خلال معرفة ما حصّلته الخزينة العامة نفسها من ضرائب على عائدات تلك الهندسات…!

ومن دون الغوص أكثر في التفاصيل التي تحتاج ربما إلى مجلدات، نقول ختاماً إنّ الخطط وُضعت وانتهى الأمر، ولا بدّ أن يبدأ التنفيذ لأنّ الكلام وحده لا يغني ولا يسمن من جوع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أمين عام منبر الوحدة الوطنيّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى