كورونا وفق المنظور الأميركيّ.. تطبيق النظريات
} أمجد إسماعيل الآغا
تذهب جدالات حول فايروس كورونا للقول إنّ هذا الوباء سيكون مُقدّمة لإثبات فشل النظام الرأسمالي والليبرالية المتوحّشة؛ يأتي ذلك على خلفية مقارنات متسرّعة في ما يتعلق بتعامل الدول مع كورونا، لكن الحقيقة المؤكدة أنّ ما بعد كورونا لن يكون كما قبله، إنما ليس بالطريقة التي يتمّ تداولها، والتي لا تخلو من انحيازات مُسبقة وتقديرات إما مبالغ فيها أو متسرّعة.
فباستثناء الآثار الاقتصادية للأزمة التي انعكست على أسواق المال العالمية، وهبوط أسعار النفط وتوقف الدورة الاقتصادية بين الدول والتكتلات الاقتصادية، وداخل كلّ دولة جراء توقف انسياب البضائع والسلع والخدمات كالسياحة وغيرها من قطاعات، فإنّ المزاعم بتغييرات عميقة قد تصل لتغيّرات في الخرائط السياسية للدول تبدو توقعات متسرّعة.
الواضح أنّ التأثير السلبي لـ فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي سيُصيب كلّ القوى الكبرى بما فيها الصين والقوى الصاعدة، لكن الفرق سيكون بين قدرة كلّ دولة وتكتّل اقتصادي على التكيّف مع الأزمة المقبلة، ووفقاً لتجارب تاريخية فإنّ الولايات المتحدة هي الأقدر على التكيّف لأسباب مرتبطة بطبيعة نظامها السياسي.
ضمن ذلك، فإنّ جُلّ الأزمات العالمية شكلت نُظمنا السياسية والاقتصادية، انطلاقاً من تسارع حركة التاريخ في اتجاهات ثلاثة:
الأول – الأزمات المستجدة وبدافع الضرورة تُحفز البشرية على تبني حلول استثنائية، بُغية التعامل بصورة ناجعة مع أيّ خطر مُهدّد للوجود، وبالتالي فإنّ الأزمات تدفع الكثيرين للالتفاف على ما هو سائد ومألوف، ليس على مستوى السلوك الإنساني فحسب، وإنما على مستوى الاعتقادات ونمط التفكير.
الثاني – الأزمات تؤدّي بشكل أو بآخر إلى الإطاحة بالنظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية ذات السياق الضعيف أو الهرم. وفي المقابل، تُحفز منظومات أخرى صاعدة على التقدّم، وتملك من الإمكانيات ما يؤهّلها للخروج من الأزمة، شريطة أن تملك هذه المنظومات الجديدة طُرقاً ووسائل قادرة على بث الأمل في النفوس من جديد.
الثالث – الأزمات بمُجملها تؤدي إلى تغيير موازين القوى الدولية، فيتمّ بذلك تعزيز الاستراتيجيات وتدعيمها بمكامن القوة، والعمل على إظهارها بطريقة تُناسب مرحلة ما بعد أيّ وباء أو حرب.
القيادة الأميركيّة للعالم تزعزعت مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض. ولكن، موضوعياً، لا تزال الولايات المتحدة مؤهّلة للعب دورها القيادي في العالم، بسبب قدراتها الاقتصادية والعلمية، وبسبب وجود بعض أهمّ وأبرز الجامعات والمختبرات العلمية فيها، وبسبب ديناميّاتها الاجتماعية والفكرية والعلمية، وقدرتها على الترحيب واستيعاب الطاقات العلمية والفنية من العالم كله، على الرغم من محاولات ترامب بناء جدار عازل بين أميركا والعالم.
في زمن كورونا. من الواضح أنّ الديمقراطية الأميركية في عهد دونالد ترامب أُصيبت بوعكة صحية، لكنها قادرة على تخطيها، وعلى الرغم من جُملة التحديات المؤطرة للنظام السياسي في الولايات المتحدة، إلا أنّ هذا النظام لا يزال مؤهّلاً للعب دور قيادي في العالم بسبب جوهره الديمقراطي، وقد تزامن تحدّي فيروس كورونا مع وجود ترامب في البيت الأبيض، الأمر الذي شكل نكسة لأميركا في هذه المرحلة التاريخية الحرجة، ولكن أميركا دخلت في تجارب صعبة وحروب عديدة وخرجت منها أقوى. ما يعني أنّ الوقت لم يحن لأفول الولايات المتحدة.
ليست ثمّة شكوك بتأثيرات فايروس كورونا في بنية النظام العالمي الجديد، لكن لنلاحظ أنّ نتائج وتداعيات تفشي فايروس كورونا، تتوافق جملة وتفصيلاً مع مقاربات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي طرحها في حملاته الانتخابية، فضلاً عن السياسات التي نفذها منذ تسلّمه إدارة البيت الأبيض، والمتمثلة في تعزيز مقاربة الدولة الوطنية والدولة العميقة، بكلّ ما يتبع ذلك من سياسات لاحقة، مقابل إضعاف دور المؤسسات الأممية والاتحادات الدولية؛ إذ غابت الأمم المتحدة بمؤسساتها ومنظماتها عن المساهمة الحقيقية في مواجهة كورونا، بالتزامن مع طرح تساؤلات حول جدوى منظومة الاتحاد الأوروبي بعد إحجام دول أوروبية عن تقديم المساعدة لإيطاليا وإسبانيا واليونان بمواجهة كورونا، حيث أصبح مقبولاً لدى شعوب هذه الدول اليوم اتخاذ الخطوة التي أقدمت عليها بريطانيا بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وهو ما يُشّجع عليه ترامب.
وفق المنظور الأميركي، فإنّ ما بعد كورونا سيشمل صفقات واتفاقات ثنائية ستقودها الولايات المتحدة مع كل دول العالم؛ مع الهند واليابان وكوريا الجنوبية شرقاً والبرازيل جنوباً، ومع دول أوروبية مثل بريطانيا، وعلاقات استراتيجية مع دول النفط في الخليج وتركيا، تُمكنها من إدارة الصراع الاقتصادي والسياسي مع الصين وروسيا إقليمياً ودولياً، وتضمن احتفاظها بقيادة العالم وفق شراكات عنوانها القوة الاقتصادية والعسكرية لكل طرف، دون حروب طاحنة على غرار الحربين العالميتين الأولى والثانية.
صفوة القول، أن تقرأ عدوك جيداً، أفضل من أن تأخذك التوقعات المتسرّعة والبعيدة عن المنطق، إلى واقعه الذي يريده، وخططه التي يُريدها.