أولى

حديث في الذكرى 56 لتأسيس منظمة التحرير

 

 رامز مصطفى _

تأسّست منظمة التحرير بقرار رسمي عربي من جامعة الدول العربية في كانون الثاني عام 1964، والذي لم يكن بريئاً على الإطلاق، وهذا ما أثبتته الوقائع التاريخيّة. وقد عُقِدّ الاجتماع الأول للمنظمة في 28 أيار عام 1964، بحضور 422 شخصية فلسطينية بارزة انتخبت الراحل الكبير المناضل أحمد الشقيري كأول رئيس للمنظمة، الذي جهد وناضل من أجل حماية المنظمة من الصراعات والتجاذبات بين الدول العربية، على عكس ما اتهم به من قبل خصومه في الساحة الفلسطينية، بأنّ المنظمة تأتمر بالأنظمة التي شكلتها، بحيث تمّت الإطاحة بالشقيري. وهنا يبرز السؤال الهام، هل من اتهموا الشقيري والمنظمة آنذاك بالولاء للأنظمة، قد تمكنوا بعد أن أطاحوا بالشقيري، أن يحموا المنظمة وأن ينأوا بها عن ضغوط النظام الرسمي العربي؟ وهل حققوا استقلالية المنظمة، عبر شعار القرار الوطني المستقل، الذي أوصلنا إلى كارثة الكوارث، وخطيئة الخطايا اتفاقات «أوسلو»؟

بعد 56 عاماً على تأسيس المنظمة، نجد أنّ أخطر ما طبع سياق نضالها السياسي الطويل، تلك التقلبات والتراجعات التي شهدتها، فكانت موضع صراع سياسي بين مكوناتها. والتي طالت برنامجها ورؤيتها السياسية، خلال كلّ المراحل التي مرّت بها المنظمة، والذي تمثل بداية في تبّني منظمة التّحرير ما سمّي بـ «البرنامج المرحليّ» برنامج النقاط العشر في العام 1974، الأمر الذي شرّع الأبواب، أولاً، أمام الاعتراف العربي الرسمي في قمة الرباط بأنّ المنظمة ممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني. ثانياً، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بغالبية 105 دول على حضور المنظمة للجلسات المتعلقة بالقضية الفلسطينية. مروراً بالموافقة على مبادرة الملك فهد في قمة فاس الثانية في أيلول 1982، والتي جاءت بعد خروج المنظمة والمقاومة الفلسطينية من بيروت، كنتيجة للاجتياح الصهيوني للبنان. ومن ثم ليأتي إعلان وثيقة الاستقلال العام 1988 في الجزائر، ليشكل المنعطف السياسي الأكثر وضوحاً في جنوح المنظمة نحو الانفتاح والقبول بالتسوية. من خلال فقرتين كانتا شديدتي الوضوح في سياق التسوية، الأولى، عندما أعلن أنّ الدولة العتيدة تؤمن بتسوية المشاكل الدولية والإقليمية بالوسائل السلمية، واستناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها، ورفضها ممارسة العنف، والتهديد بالقوة ضد سلامة اراضيها، أو سلامة أراضي أية دولة أخرى، والمقصود الكيان الصهيوني. والثانية، اعتبار قرار التقسيم رقم 181 والصادر في تشرين الثاني 1947، أنه لا زال يوفر الضمانة في إقرار حق الشعب الفلسطيني في السيادة والاستقلال وإقامة دولته، التي وبعد مضيّ 32 عاماً على إعلان وثيقة الاستقلال، و27 عاماً على اتفاقاتأوسلوها هي الدولة لا تزال بعيدة التحقق.

انخراط منظمة التحرير في مؤتمر مدريد عام 1991 وفق قراري مجلس الأمن 242 و 338، اللذين اعترفت بهما المنظمة، وإنْ كان من ضمن وفد أردني، استجابة لشروط الكيان الذي رفض آنذاك الاعتراف بالمنظمة ممثلاً للشعب الفلسطيني. إنما جاء تعبيراً صارخاً عن التزام أصحاب رؤية حل القضية الفلسطينية وإيجاد حلّ للصراع مع العدو عبر التسوية السياسية. التي خلُصت إلى اتفاقاتأوسلو، في احتفاليّة كرنفاليّة في حديقة البيت الأبيض بحضور الرئيس الأميركي بيل كلينتون، وحضور الراحل ياسر عرفات وإلى جانبه رئيس السلطة السيد محمود عباس. وكذلك رئيس حكومة كيان الاحتلال اسحاق رابين وإلى جانبه وزير خارجيته شمعون بيريز. هذا الاتفاق كما المسمار الذي دُقّ في نعش القضية وعناوينها الوطنية، بعد أن اعترفت منظمة التحرير بالكيان، وتنازلت عن 78 بالمئة عن أرض فلسطين التاريخية، مقابل حكم إداري ذاتي، يتحدث عنه أصحابه بأنه فاقد لكلّ شيء بعد أعادت قوات الكيان الصهيوني احتلال كامل الضفة الغربية.

بعد مرور 56 عاماً على تأسيس المنظمة، وبكلّ هدوء، السؤال المطروح من قبل طيف من الفصائل المشاركة بالمنظمة قبل غيرها، أين هي المنظمة اليوم؟ وحتى لا نقول إنها تتلاشى، فقد بهُت دورها وحضورها، وتحوّلت إلى لافتة يتمّ استحضارها لزوم الشيء ومقتضاه. بعد أن تحوّلت السلطة ووزاراتها وإداراتها إلى مرجعية، على عكس ما يتوجب أن يكون عليه الوضع، بمعنى أنّ المنظمة هي المرجعية الوطنية لكلّ المؤسّسات، بما فيها السلطة. وهذا مردّه ليس فقط إلى خلل في البرنامج السياسي، إنما مردّه إلى تداخل الصلاحيات والأزمات البنيوية والتنظيمية التي تعاني منها المنظمة منذ ما قبل اتفاقاتأوسلو، فكيف هي الحال الآن؟

قد يذهب البعض إلى القول إنّ انتقاد المنظمة وبرنامجها السياسي وأداءها التنظيمي، هو محاولة تهدف إلى إضعافها، أو النيل من مكانتها وصفتها التمثيلية. بتقديري هذا اتهام متجنّ ولا مبرّر له، طالما أنّ المنظمة هي ممثلة للشعب الفلسطيني، فهي بهذا المعنى ليست لفئة من شعبنا دون أخرى. وهذا حق حفظه إقرار المنظمة بأنّ كلّ فلسطيني هو عضو فيها، وإنْ اختلف معها على برنامجها ورؤيتها السياسية الملتزمة باتفاقاتأوسلو 1 و 2”، وشطب 12 مادة، وتعديل 16 مادة من مواد ميثاقها الوطني بمواده الثلاثين في العام 1996، بحضور الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون.

وإذا كان دفاع المدافعين يصحّ، فأيضاً اعتراض المنتقدين مشروع، من خلفية أنّ التمسك بالمنظمة أو التخلي عنها أساسه وجذره برنامجها ومشروعها السياسي، الذي يلبّي ويستجيب لتطلعات وأماني شعبنا، ويتمسّك بخياراته في مقاومة كيان الاحتلال الذي يُهوّد القدس عاصمة الشعب الفلسطيني، ويصادر الأراضي الفلسطينية زارعاً المستوطنات والمستوطنين فوقها، ويعتقل الآلاف من أسرانا، ويقتل أبناءنا، ويحاصر قطاع غزة ليبقي ما يزيد عن مليونين ونصف المليون من أهله تحت رحمته. فالمنظمة التي اتفقت الفصائل بما فيها حماس والجهاد قبل 17 عاماً على تطويرها وتفعيلها، لم يتمّ التقدّم في اتجاه تنفيذه خطوة واحدة، على الرغم من التحديات التي تواجه القضية وعناوينها الوطنية.

*كاتب فلسطينيّ.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى