ثقافة وفنون

التنظير وقلّة المعرفة
علّة كتّاب الدراما الشباب

 

 

 

} جهاد أيوب

يطالعنا بعض هواة العمل الدرامي، ممن سقطوا سهواً في زمن القحط بأفكار عشوائية، بحجة الخلاص من مأزق واقع دراما هذه المرحلة التي لم تتمكّن من مخاطبة شارعها، ولا تعرف مخاطبة مجتمعها، ربما تعود إلى قلة التجربة والثقافة والوعي المطلوب كي يشارك في صناعة الحالة الثقافية، وربما أن العلاقات والمصالح والمال المستسهل قدم العديد من أسماء تشبه رغوة الصابون. من هنا لا بد أن نصل إلى ما وصلنا إليه من قحط درامي وفكري وفني وثقافي في العرب!

يقول شبان تجاربهم متواضعة عمراً وعملاً: «إن زمن كتابة المسلسل الواحد من قبل مؤلف ذهب بالباي باي، ويجب أن يكتب المسلسل أكثر من عشرة كتّاب كما هو حاصل في الغرب»!.

أولاً هذا الكلام ليس صحيحاً، بل شاهدنا الكثير من المسلسلات الغربية القديمة والحديثة، وكذلك الأفلام الهوليودية صناعة مؤلف واحد واحياناً يقوم على السيناريو والحوار أكثر من شخص مع الحفاظ على خصوصية المؤلف وأبطاله الاساسيين (علماً دور السيناريست المتخصص حالة مطلوبة لأي عمل درامي). وهذه أمور عادية كنا قد شاهدناها في الورش الفنية، وفي بعض المسلسلات العربية تحديداً المصرية منها، وللحق حتى الآن لم نشهد التميّز والتفوق والحضور الأنجح، ومع ذلك تبقى مجرد تجربة لا تحسب في العمل الإبداعي إلا نادراً!

في الغرب توجد مسلسلات ناجحة كتابة شخصية واحدة، وإذا كان من يتنطّح بإلغاء الكاتب الواحد في العمل، ويتحدث بشكل ببغائي، ومن دون علم ومعرفة التجربة الغربية، نشير إلى أن نجاح بعض المسلسلات الغربية لسنوات يعود إلى أكثر من عامل منها تجارياً، واستغلال نجاح العمل وتقبّل نجومه اجتماعياً، وهذا يتطلب إعطاء المواسم الجديدة إلى كُتاب جدد مع المحافظة على الشخصيات.

في الغرب يكتبون لحالات اجتماعية تتمثل بأبطال تدور من حولهم القصة والنص كما حال «فراندز، وفيلرز، والساحرة، و…»، أقصد شخصيات من مجتمع رُكبت بجماعة ومن حولها أبطال بالعادة مواهب شابة، ومن ثم كتبوا يومياتها، وفي حال كهذه نستطيع أن نجرّب العمل مع أكثر من سيناريست، وربما ننوّع بالمؤلفين بعد أن يتم شراء حقوق الملكية من المؤلف الأصلي، ولكن هذا لا ينطبق على المسلسل الدرامي في الغرب، بل يصبح برنامجاً درامياً.

في العالم العربي العمل الدرامي فكرة، قصة ومن حولها يدور الأبطال، وقد جرب أكثر من مرة البرنامج الجماعيّ وبغالبيته اتجه إلى الكوميديا، بعضها نجح وبعضها أخفق، وفي مصر، وتحديداً في نهاية تجربة الرئيس حسني مبارك صنعوا أعمالاً مقلدة كهذه من الغرب بطريقة مشوهة، وكانت عاقراً بالشكل والمضمون، ولا تشبه البيئة المصرية، ورغم الدعاية ومشاركة النجوم وعقدهم لم يكتب لها النجاح، ولا حتى الاستمرارية!

في لبنان ومنذ انطلاقة أول تلفزيون عربي، وهو تلفزيون لبنان واكبوا نوعية كهذه من البرامج الدرامية لكاتب واحد، قد يكون اهمهم أديب حداد في «أبو ملحم»، ومحمد شامل من خلال أكثر من تجربة آخرها «الدنيا هيك»، ومع ظهور الفضائيات الخاصة استمرت هذه التجربة، ولكن المسلسل الدرامي له منحاه الخاص!

في سورية، قدّمت الأعمال أيضاً أكثر من تجربة لم تنجح، ومنها تفوق بالنجاح مثل الجزء الأول من «صبايا»، وحينما فهموا اللعبة جيداً في استقطاب أكثر من مؤلف ليس للأبطال بل للفكرة الانتقادية الساخرة كانت «بقعة ضوء» رغم تفاوت مستوى الأجزاء الـ13!

المهم من هذا السرد الإشارة إلى طبيعة المجتمع الغربي الذي يؤمن بالفرد خارج الجماعة، ولا يؤمن بالعائلة ودورها إلا قليلاً، بينما بالشرق الفرد يُنتقد إذا انفصل عن الجماعة، ولا يزال رغم تقليده للغرب يعيش عادات، وتقاليد وحالات أجداده ومجتمعه مهما انتقدها بذاته….

نحن هنا نشير إلى الواقع الأيديولوجيّ في بنية الفرد والمجتمع، وهذا ينعكس على غالبية الأعمال المقدمة! كما للعمل مهما كان نوعه بصمة كاتبه التي تميزه عن غيره وإلا الكل واحد، وشخصيته التي تفرض خصوصية ثقافته وتطلعاته، وأسلوبه الذي يؤكد مدى إدراكه لنصّه وطرحه، وروحه وهنا بيت القصيد، حيث نشير إليه مباشرة بمجرد مشاهدة والاستماع إلى عمله!

لذلك الأعمال الدرامية المشتركة في الكتابة تصاب بانفصام!

كنا ونحن صغار نستطيع أن نميز ألحان محمد عبد الوهاب عن فريد الأطرش وبليغ حمدي وفيلمون وهبي ورياض السنباطي والأخوين الرحبانياليوم لم نعد نميز اللحن التركي من اليوناني بعد سرقته، ووضع عليه الكلام العربي، وكذلك يوجد كاتبة لديها خمسة عشر موظفاً يكتبون عنها الفكرة، وليس عجيباً أن نجد في كل عمل من أعمالها الصيغة عجيبة، والحوارات مشربكة، والطرح لا خصوصية فيه، ولا نجد بصمتها في كل جديدها!

كذلك فعل كاتب مشهور في مصر، كان يطرح القصة على مجموعة موظفين لديه، ويطلب منهم كتاباتهم، ولكنه كان يعيد الصياغة من جديد حتى تشبه إسلوبه، ومع ذلك نال الكثير من الانتقادات رغم نجاح أعماله الأولى وليس آخر ما كتب للدراما!

الكتابة المشتركة لبرنامج معين توصل إلى كثافة بالأحداث، وقد تنجح، وكتابة العمل الدرامي شراكة ليس مجدياً ويولد الانفصام، ويشوّه الأسلوب واللغة… المساعدة مطلوبة، الملاحظات مفيدة، وخصوصية المؤلف هي أساس كل عمل حتى لا يصبح كل كتّاب الدراما كاتباً واحداً لا شخصية لديه، وهذا الطرح هو إفلاس إبداعي، وهو خوف من الكتابة لا أكثر ولا أقل!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى