مرويات قومية

الامين الراحل بديع شدراوي طود شامخ في تاريخ النضال القومي الاجتماعي

إعداد: لبيب ناصيف

بقلم الامين زهير الحكم

لعل حضرة الامين زهير حكم من اكثر، ان لم يكن اكثر الذين عرفوا الامين بديع شدراوي خلال سنوات إقامته وتحمله المسؤوليات العديدة.

هذه الكلمة عن الامين بديع، تُقدم اضاءة صادقة عن امين عُرف بوجدانيته ونضالاته وبتفانيه، وبمواقفه الصلبة مما جعله يغادر وطنه الى المنفى القسري في البرازيل ممضياً سنواته في مدينة «نوفا ايغواسو Nova Iguacu(1) الى ان وافته المنيّة منذ فترة وسط حزن كل من عرفه ورافقه في مسيرته الحزبية، وان كان الامين زهير يغطي بجدارة النضال الحزبي للامين بديع في الوطن، فنحن ننتظر ان يكتب عنه الرفقاء الذين عرفوه في مرحلة اغترابه.

ل. ن.

* * *

« عاد الأمين بديع سليم الشدراوي من المهجر البرازيلي في أواخر الستينيات من القرن الماضي حيث أسس صالة عرض لبيع السيارات القديمة في «شارع المصارف» في مدينة طرابلس. وسرعان ما تحول هذا المكان إلى ملتقى للتواصل الإجتماعي بين الذين تعرفوا عليه نظرا لإندفاعه في تحديد المخاطر المحيطة بالأمة وأسلوبه التعبوي الداعي للإنخراط في حركة النهضة والدفاع عن المقاومة ضد يهود الخارج والداخل.

لقد تحول معرض السيارات إلى شبه خلية لتناقل الأخبار وتحديدا المهمات ورصد كل التحركات التي تضر بالمصالح القومية. كما تحولت هذه الحانة الصغيرة التي لا تتسع لأكثر من ثلاث سيارات إلى مركز انتخابي في الإنتخابات سنة 1968 لدعم اللائحة الشعبية في انتخابات عكار التي كانت تضم الأمين فؤاد عوض قائد الإنقلاب العسكري الذي حدث في آخر سنة 1961 تنفيذاً لقرارات الحزب السوري القومي الإجتماعي برئاسة الدكتور عبدالله سعادة في سبيل وقف التدهور والقيام بإصلاحات جذرية في لبنان لجهة إلغاء الطائفية والمذهبية والإقطاعية والزعامات السياسية التي كان الحزب يعتبرها عناصر أساسية في انعزالية لبنان وإغلاقه لطريق الإنفتاح والإنخراط في محيطه القومي وتحمل مسؤولياته الكاملة في الدفاع عن حقوق الأمة والمجتمع من التهديد اليهودي المستمر على بلادنا.

آمن الأمين بديع إيماناً صادقاً بضرورة التغيير وإذ لم يستطع الحزب التغيير بالإنقلاب العسكري فيجب الإنخراط في الحياة السياسية التي تتيحها الديمقراطية اللبنانية والعمل من ضمن الإنتخابات النيابية للوصول إلى الندوة البرلمانية لطرح مشاريع الإصلاح والخلاص من الأمراض الإجتماعية المتوارثة في لبنان.

استطاع الأمين بديع الثائر على كل المفاهيم العتيقة أن يجمع حوله الشباب والرجال وكبار السن والتأثير عليهم بإندفاعه وحركاته ونظراته الثاقبة وتحويلهم إلى مناضلين عاملين.

عاش الأمين بديع الشدراوي الأحداث اللبنانية وتقلّب السياسة اللبنانية ومواقفها من الوجود الفلسطيني في لبنان إثر اجبار مناضلي الثورة الفلسطينية على ترك الأردن وتمركزهم في شبعا وكفرشوبا وكان إلى جانب المقاومة الفلسطينية مقاوماً شرساً عنيداً داعياً إلى عدم التصادم بين الجيش والمقاومة وصياغة اتفاقات تحفظ الجميع في سبيل عمل واحد في وجه العدو الإسرائيلي.

ومع تقدم الأحداث والصراع في لبنان بين حقّ المقاومة الفلسطينية في العمل، والسيادة اللبنانية، لبّى الأمين بديع خيار الحزب السوري القومي الإجتماعي للإنخراط في العمل مع الفصائل الفلسطينية فاختار حركة فتح وعمل معها في طرابلس والشمال وأصبح منزله مركزاً لقادة الحركة إلى جانب المسؤولين القوميين الإجتماعيين.

عندما اندلعت أحداث 13 نيسان 1975 لعب الأمين بديع الشدراوي دوراً ريادياً في تأمين أماكن التدريب على السلاح والإشراف على التعبئة وتأهيل الشباب للعمل في الدفاع عن الثورة الفلسطينية وحقها المشروع في حماية لبنان وخطه القومي ضد الإحتلال الصهيوني الذي كان ينتهز الفرص للإنقضاض على الجنوب اللبناني.

كان الأمين بديع الشدراوي قائداً ميدانياً يتنقل بين المخيمات الفلسطينية في البداوي والبارد وعكار وطرابلس يتابع ويشرف وينظّم المجموعات ليرفد الجنوب اللبناني خاصة بعد احتلال 1978 بحيث تحوّلت مخيمات الشمال إلى قواعد تدريب وتجهيز وإرسال مجموعات قتالية إلى الجنوب والأراضي الفلسطينية المحتلة.

عاش الأمين بديع الهم الفلسطيني وتقاسم مع قادة الثورة في الشمال كل مشاكل واحتياجات التعبئة والنهوض وشكّل مع مسؤولي الأمن والمعلومات وقوات الساحل غرفة عمليات واحدة دائمة للإشراف وتنفيذ العمليات.

وبعد دخول القوات السورية إلى لبنان أصبح مؤيداً للحركة الوطنية اللبنانية والثورة الفلسطينية بعد الإنقلاب الذي حدث إثر ذهاب أنور السادات إلى القدس وأصبح التنسيق واجباً وطنياً وقومياً بين القوات السورية والفلسطينية والحركة الوطنية وهذا ما سعى إليه الأمين بديع في طرابلس وذلك لمنع الإختراقات الأمنية في الساحات الشمالية وذلك لإضعاف صورة طرابلس والضغط على الشارع الطرابلسي.

خلال الإجتياح الإسرائيلي سنة 1982 وما بعده انكبّ الأمين بديع الشدراوي على إعادة تنظيم صفوف المنسحبين من المعركة وعقد الإجتماعات المتتالية في التعبئة من جديد خاصة وأن الشمال شكلّ المحطة الأساسية لإستقبال النازحين بعد حصار بيروت ووصول الجيش الإسرائيلي إليها وكان همّه إعادة الثقة بالثورة والمقاومة وبقدرة القوى الوطنية على الإستمرار في المعركة بشتى الوسائل. وكم كانت فرحته عارمة عندما تبلّغ إمكانية القضاء على رأس التعامل مع العدو الإسرائيلي بشير الجميل رئيس الجمهورية المنتخب بواسطة الدبابات الإسرائيلية. عرف ذلك قبل فترة من تنفيذ العملية وكان ينتظرها بفارغ الصبر وقد لبى كل ما كان يطلب منه في سبيل نجاح هذه العملية. كان الأمين بديع الشدراوي على علاقة جيدة بالأمين نبيل العلم نتيجة التواصل الدائم في تبادل المعلومات والخبرات اللازمة لصد العدوان وضرب عملائه ولا بد هنا من الإشارة إلى التنسيق الأمني الكامل بين الأمين بديع وقوات المردة. لقد شكل الإنقسام الفلسطيني بين فتح والإنتفاضة بقيادة أبو موسى ضربة كبيرة لجهود الأمين بديع الذي كان ينادي بوحدة القوى. كما أن مجيء ياسر عرفات إلى الشمال وطرابلس حجب أعمال كل القيادات التي كانت تعمل مع الأمين بديع الذي فضلّ الإنطواء وعدم الإنخراط في الصراعات العربية. وبعد فترة من استراحة المحارب حاول الأمين بديع العمل خارج لبنان والأرض المحتلة بالتعامل مع السوريين للقضاء على العملاء وعلى راسهم الملك حسين ولكن العملية فشلت فتأكد الأمين بديع أن الإختراقات الأمنية قد كبرت وإن الذين كشفوا العملية من المحيطين به كثر. فترك العمل وسافر من جديد إلى المهجر البرازيلي حيث وافته المنية.

 

هوامش:

نوفا إيغواسو: مدينة مجاورة لمدينة الريو دي جانيرو. كنت زرتها اكثر من مرة خلال اقامتي في البرازيل فألتقي الرفيق سليمان يعقوب ثم علمتُ بإقامة الرفيق خليل شدراوي (شقيق الامين بديع) فيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى