الوطن

سلاح المقاومة يحاصر ثقافات الطوائف

} د. وفيق إبراهيم

تسرحُ ثقافات الطوائف في ميادين لبنان السياسيّ من دون حسيب أو رقيب. لكنها تختبئ خلف عناوين وطنية وأخرى ملتبسة.

ولا تكشف عن أنيابها إلا عند تلبيتها لقوىً دولية وإقليمية لديها مشروع عاجل قيد التحضير.

هذا ما يجري حالياً لجهة ارتفاع أصوات كتلٍ سياسية لبنانية تطالب بتجريد حزب الله من سلاحه بحجة حمايته للفساد الداخلي.

هناك تقاطع لا بدّ من الإشارة إليه ويتعلّق بمسؤولين أميركيّين من وزن وزراء الخارجية والدفاع والعدل وعشرات المسؤولين الآخرين الذين أطلقوا في الأسبوع الأخير فقط تصريحات تدعو لتجريد حزب الله من سلاحه وإقفال الحدود السورية اللبنانية امام الاستثمار الاقتصادي والدور الإقليمي لحزب الله في التصدّي للإرهاب.

هناك أيضاً «إسرائيل» التي تطالب علناً بتجريد حزب الله من سلاحه ومعها السعودية والإمارات اللتان تعتبران هذا السلاح غير لبناني. لذلك فإن الأميركيين والإسرائيليين والسعوديين والإماراتيين يتراصون في جبهة واحدة معادية لأدوار حزب الله.

لجهة لبنان تندفع قوى لبنانية مهزومة انتخابياً للاستفادة من هذا الضغط الخارجي فتلبيه لاسترضائه أولاً وتحسين وضعها المتراجع في الداخل ثانياً، والتخلص من حلف المقاومة اللبناني القويّ ثالثاً.

وهكذا تجتمع أحزاب الكتائب والحريريّة بشكليها السعودي والبهائي وجنبلاط بشكل موارب والريفي ومجموعات الإرهاب المتفرع من الاخوان المسلمين وداعش، لتلبية الضغط الأميركي على حزب الله وايضاً على سورية عبر دعوة الحكومة اللبنانية الى الالتزام بما يسمّيه الأميركيون قانون قيصر الذي يفرض عقوبات على كل الحركة الاقتصادية السورية الداخلية وتقاطعاتها العراقية واللبنانية والدولية.

بذلك يجد الفريق اللبناني المعادي لحزب الله الفرصة سانحة لتجديد صراعه مع الرئيس نبيه بري وحزب الله وقد يشمل التيار الوطني الحر على الرغم من محاولات بعض قيادته التزام موقف وسطيّ في المرحلة الراهنة لحفظ الرؤوس.

كيف تبرر هذه القوى إصرارها على تجريد الحزب من سلاحه؟

تعتبر أن الفساد الداخلي دفع البلاد نحو الانهيار الاقتصادي الحالي وترى أن سلاح حزب الله هو الذي يحمي هذا الفساد بما يعني أن تسليمه للدولة يؤدي فوراً الى هزيمة الفساد الذي يصبح بلا حماية.

لكن التحليل يكشف على الفور ان الانتفاضة اللبنانية الفعلية التي علقت مشاركتها في تظاهرة السبت رفضاً منها لما تردّد عن المطالبة بتجريد الحزب من سلاحه، أما الذين شاركوا فهم من أحزاب تنتمي الى منظومة الفساد السياسي اللبناني منذ خمسة عقود على الأقل. هذا هو حال آل الجميل وشمعون وجعجع وجنبلاط والحريري.

بالإضافة الى ان القوات اللبنانية والكتائب والأحرار هم الذين شاركوا الاجتياح الإسرائيلي على لبنان في 1982 بشكل عسكري وسياسي.

لذلك يمكن الجزم بأن فساد هذه الفئات هو اقتصادي سياسي يرقى الى مستوى الخيانة الوطنية الكاملة.

هذا ما دفع بهذه القوى لممارسة تآمر بدورين: الادعاء التلفزيوني بأنم طلبوا من مؤيديهم عدم طرح مسألة حزب الله والاكتفاء بالمطالب الاجتماعية، اما الدور الثاني فهو تكليفهم لمئات المتظاهرين بإدلاء تصريحات يزعمون فيها انهم مستقلون يريدون تجريد حزب الله من سلاحه.

إلا أنهم لم يكتفوا بهذا المنحى، عامدين الى الإيعاز  لبعض المتظاهرين بتحطيم محال تجارية واستفزاز بعض المناطق المؤيدة لحزب الله ومحاولة التهجم على المجلس النيابي.

كانوا بذلك يريدون إيقاد فتنة اهلية بين مناطق شيعية وسنية ومسيحية، مع الاعتراف بأن معظم ابناء المناطق في عين الرمانة والشياح وطريق الجديدة وخندق الغميق والاشرفية وزقاق البلاط، ينتمون الى ثقافات طائفية متجذرة تجعلهم قابلين للتحشيد عند أي إثارة مهما تدنى عيارها.

والإدانة هنا لا تذهب الا الى المحرضين الذين يبنون زعاماتهم وأموالهم على احتراب الطوائف والمذاهب.

ضمن هذه المعطيات يجب التنويه بالأدوار  التي اداها رئيس المجلس النيابي نبيه بري مع جهود حزب الله بضبط الشارع المرتبط بهما.

الى حدود منعه من تنفيذ أية ردود فعل كان يمكن أن تستولد فتنة مذهبية وطائفية خطيرة.

إن الذين سحبوا بالقوة محازبيهم من جبهة الشياح فاتحين الطريق على الرغم من إصرار القوات والكتائب على الاستمرار بالاستنفار والشتائم على جانبها الآخر وهم مدججون بالسلاح، هؤلاء يستحقون شكر لبنان بأسرهم لأنهم سحبوا أيضاً مظاهر التوتر في منطقة كورنيش المزرعة.

هناك إشارة إضافية لا بدّ من ذكرها وهي ان اضطرابات السبت تزامنت مع انتهاكات اسرائيلية لأجواء لبنان وكأنها أرادت التأكيد للمراهنين على «اسرائيل» في بلاد الارز، بأنها تساندهم في كل الاوقات بما يشجع على سؤال منظمي هذا التوتر عن صحة العلاقة بين سلاح حرر  لبنان وطرد «اسرائيل» وهزم الارهاب من سورية وجبالنا الشرقية مواصلاً جهاده التاريخي في سبيل حماية وطنه ومداه الإقليمي من المشروع الأميركي الإسرائيلي الخليجي.

ويمكن للبنانيين أن يسألوا هذه الفئة لماذا لا يسلّح الأميركيون الجيش اللبناني ولا يقبلون الا بتزويده أسلحة من مستوى ما تحتاجه قوى الأمن الداخلي؟

سلاح الحزب والجيش هما سلاح لبنان في وجه «اسرائيل» وهذه الفئات الداخلية التي تعتمد عليها لمواصلة مفاسدها وإرهابها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى