مقالات وآراء

أميركا والعنصرية… وجهان لعملة واحدة

 

 

 

} د. علي سيّد*

من شبّ على شيء شاب عليه، وما بُني على باطل فهو باطل، هاتان الجملتان تلخصان تاريخ وحاضر الولايات المتحدة الأميركية.

 بعد قدوم المستعمرين من أوروبا في أواخر القرن الخامس عشر إلى القارة الجديدة، أوّل عمل قاموا به هو قتل وتصفية السكان الأصليين في أميركا الشمالية أيّ الهنود الحمر فهم أول ضحايا الاستعمار الجديد والمقنع لتلك البلاد، فكان هناك قانون ساري حتى 1865 ينص على أنّ من حق الأبيض الحصول على مبلغ من المال إذا قدّم لأيّ مركز شرطة فروة رأس هندي أحمر.

 وهكذا فقد تمّ استغلال أكثر من عشرة ملايين هندي أحمر في أعمال السخرية والاستعباد وكان معظمهم أطفال، فهذه هي نشأت وثقافة وتربية الولايات المتحدة.

 في سنة 1619 رست أوّل سفينة تحمل 20 رجلاً أسوداً (رقيق) إلى أن وصل عددهم في الولايات المتحدة الأميركية قبل تحريرهم إلى 4 ملايين نسمة، وعليه فقد تربى المجتمع الأبيض الأميركي على مفاهيم وقيم تجعل منه العنصر السائد في المجتمع.

 كان يعمد البيض الذين يستعبدون السود الأفارقة إلى إدخالهم للكنائس كي يستمعوا إلى موعظة رجال الدين الذين عملوا نوعاً من الموائمة بين الكتاب المقدس ومفهوم الرقّ لخدمة مصالح البيض العنصرية، فكانت عباراتهم تتمحور على قاعدة أنّ طاعة السود لأسيادهم البيض جزء من العبادة والتقرّب إلى الله.

 فالعنصرية سياسة رسمية أساسها التفرقة بين المعاملة بين السود والبيض، وقد بدأت في المستعمرات الأميركية حينما اعتمد المزارعون على شراء أصحاب البشرة السمراء من الأفارقة للعمل في مزارعهم، لأنهم الأقدر على تحمّل مشقات العمل والحرارة، وقد راجت تجارة العبيد (الرق) في النصف الأول من القرن التاسع عشر.

 تحوّلت ظاهرة العبودية في أميركا إلى حالة من البؤس يعيشها هؤلاء المواطنون السود الأفارقة المضطهدون، ويروي المؤرّخون قصصاً يشيب لهولها الجنين، حول الحرائق الجماعية للغزاة البيض وإقامة الكمائن حولها، فإذا خرج هؤلاء من أكواخهم هاربين من النيران يجدون رصاص البيض في انتظارهم ليحصد أرواحهم، فضلاً عن تقطيع الأطفال إلى أجزاء وإلقائها في النيران.

 وهكذا فقد كان للسود الحظ الأوفر في التمييز العنصري والاستعباد في الولايات المتحدة الأميركية، ووصل عددهم في أميركا 4 ملايين، وقد شرّعت عدة قوانين بين عامي (1680 – 1700) على أنّ العرق الأبيض هو المتفوّق والمهيمن على العرق الأسود، وقد أنتج هذا التمييز العنصري انتفاضة فرجينيا الدموية عام 1831 بقيادة نات تيرنر للمطالبة بحرية السود، وتمّ قمعها وقطّع جسد تيرنر إلى أوصال، ومن ثم شنّت حملة إبادة طالت المئات من السود في هذه الولاية.

 استمر الجدل في موضوع الرق لعقود طويلة في أميركا وخاصة بعد إقرار قانون عودة العبيد الهاربين سنة 1850، ونتيجة لهذا الجدل نشبت ما يعرف بالحرب الأهلية الأميركية عام 1861، وتعدّ رواية (كوخ العم توم) أحد الأسباب الرئيسية لنشوب هذه الحرب والتي كتبتها هيريت ستو عام 1852 وتناولت فيها الكاتبة موضوع الرق في أميركا، والمعاناة والمآسي التي يلاقيها السود تحت نير العبودية.

 بعد انتهاء الحرب الأهلية سنة 1865 أعلن الرئيس ابراهام لينكولن (إعلان التحرير) والذي بموجبه انتهى الرق في الولايات المتحدة، ولكن هل فعلاً انتهت العبودية في أميركا؟

يقول المفكر الأميركي نعوم تشومسكي معلقاً على ارتفاع العنصرية في أميركا «إنه لو أردنا قياس أعمال العنف التي يتعرّض لها المواطنون الملوّنون في أميركا حالياً بفترة الرقيق والعبودية فإنّ الأعمال القمعية التي يتعرّض لها هؤلاء في الوقت الحالي هي أكثر بكثير مما كانت عليه».

 ذكرت كلام المفكر تشومسكي لأنطلق إلى التمييز والعنصرية في تاريخ أميركا الحديث، فمن أعمال الشغب والاحتجاجات سنة 1965 في مدينة واتس، وديترويت 1967، إلى اغتيال داعية الحقوق مارتن لوثر كينغ 1968 الزعيم الأميركي من أصول أفريقية والحاصل على جائزة نوبل للسلام على يد أحد المتعصبين البيض. وقد تجدّد الغضب عام 1992 حين تعرّض روي كينغ للقتل وتمّت تبرئة الجناة (رجال الشرطة البيض)، ففي عام 2010 بعد قتل الشاب الأسود أوسكار غرانت حكم على ضابط الشرطة بالسجن سنتين فقط، وفي سنة 2014 قتل طفل يبلغ 12 عاماً وهو يلهو بسلاح بلاستيكي، وإذا أردت أن أجمع كلّ حوادث العنف الممنهج ضدّ الأميركيين من أصل أفريقي لما أتّسع المقال ومئات الصفحات ولكن سأنتقل إلى ما نشرته صحيفة «واشنطن بوست» بأنّ 2014 شخصاً أسوداً قتلوا على يد الشرطة عام 2019، فالسود يُقتلون على يد الشرطة أكثر بثلاث مرات من البيض، مع العلم بأنّ السود يشكلون 14% من تعداد السكان في الولايات المتحدة الأميركية، وهذه الجرائم والكراهية ضدّ الأقليات وخاصةً السود في أميركا ارتفعت بشكل فاضح في عهد ترامب، رغم هذه الجرائم والضحايا فالإفلات من العقاب هو ما يثير الغضب بين السود وأفراد الشعب الأميركي.

 العنصرية متغلغلة ومتجذرة في المجتمع الأميركي، وأميركا على أبواب ثورة ضدّ العنصرية المتصاعدة.

 إنّ من يتتبّع تاريخ الولايات المتحدة الأميركية لن يجد صعوبة في اكتشاف أصل الإرهاب والعنصرية فهي قامت على إبادة السكان الأصليين وما بُني على باطل فهو باطل، وعليه لن يستغرب ما فعلته وتفعله وستفعله في شعوب الأرض فهي دائماً تقف إلى جانب الديكتاتورية وبوجه الحركات التحررية والتقدمية

أخيراً أميركا هي مهد العنصرية العالمية والكيان الإسرائيلي تلميذ لديها.

*باحث في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى