أولى

لقاء عين التينة… ونقطة البداية المطلوبة

 البروفسور فريد البستاني*

في كلّ مرة كان الجبل اللبناني يتعرّض لحادث أمني يهزّ الاستقرار فيه، كنا نردّد أن الجبل سيبقى قلب لبنان وأن الاستقرار لا يتم تحصينه إلا بتغليب لغة الحوار، وكنا نقول إنّ شرط نجاح كلّ حوار هو الاعتراف بالتعدّد السياسي والطائفي والحفاظ على التوازنات التي تحيط بهذا التعدّد وتصنعه، وكم كان صعباّ حينها تقبّل الجميع للدعوة للحوار الجامع في قلب عواصف التوتر والاستنفار، ورغم ذلك بقينا نردّدها وندعو إليها، وبرغم الخلافات التي لا يمكن إنكارها، فإنّ أحداً من القيادات لا يستطيع اليوم إنكار حقيقة أن خسائر التشارك وأرباح صناعة الاستقرار تبقى أفضل من أرباح الانفراد وصناعة التوتر.

يشهد مقرّ رئاسة المجلس النيابي في عين التينة اليوم لقاء حوار يرعاه مشكوراً رئيس المجلس الأستاذ نبيه بري بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الوزير السابق وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الوزير السابق طلال أرسلان، وقبله شهدت بعبدا استقبال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للوزير جنبلاط، وبينهما كان لقاء خلدة الذي جمع قيادات درزية روحية وسياسية برئاسة الوزير أرسلان.

كل هذه اللقاءات تشكل حلقات مهمة في سلسلة صناعة الاستقرار الذي يدرك أبناء الجبل أنه شرط لا غنى عنه لمواجهة التحديات، وأبرز هذه التحديات الأزمة الاقتصادية التي تهدد بتعميق الانقسامات الأهلية وتحمل المؤشرات للمزيد من التوترات الاجتماعية، وخطورة تحولها إلى توترات طائفية أو توترات حزبية داخل الطوائف.

لذلك يجب فعل كل شيء لتفادي هذه التوترات، وهذا ممكن رغم اختلاف مقاربات الأطراف المعنية لكيفية مواجهة الأزمة، لأنّ الخطر ليس بالاختلاف بذاته، بل بتموضعه على خطوط تماس تهدد الاستقرار الأهلي، ومثلما يدرك أبناء الجبل خطورة العزف على وتر هذه التوترات، يدرك اللبنانيون هذه الخطورة بالمثل، وهذا هو مغزى مبادرة رئيس مجلس النواب لرعاية اجتماع اليوم.

المهم هو أن تستكمل السلسلة، لأن عدم استكمالها لتصبح شبكة أمان شاملة بوجه التوترات، يفتح الباب كما كل مرة لتتحول اللقاءات والتفاهمات، إما إلى تشكيل جبهات سياسية بوجه جبهات سياسية، سرعان ما تطفئ نيران التوتر الطائفي لتشعل نيران التوتر الحزبي، أو تحولها إلى تشكيل جبهات طائفية بوجه أخرى سرعان ما تطفئ نيران التوترات الحزبية لتشعل التوترات الطائفية.

معنى أن تستكمل السلسلة هو أن تكون على الجبهتين الحزبية والطائفية شاملة لجميع مكونات الجبل، من دون أي أوهام حول أن المطلوب منها توحيد المواقف، بل الانطلاق من كونها إطارا للاعتراف بالتعدد القائم على حق خاص مكرس هو حق الاختلاف، من ضمن حفظ حق عام أهم واعلى مرتبة هو حق الناس بالعيش الآمن والكريم، في ممارسة التنوع والتعبير عن التعدد وعن الاختلاف.

ببساطة نقول إنه بمثل ما نحن بغنى عن خلاف درزي درزي يجلب القلق والشعور بالخوف على المستقبل لكل أبناء الجبل، نحن بحاجة لرأب صدع كل خلاف مسيحي مسيحي يضعف الحضور المسيحي، الذي يحتاجه لبنان في صناعة الشراكة الوطنية انطلاقاً من الجبل ومكانته في الصيغة اللبنانية، لكننا لا نحتاج بالتأكيد لاستقطاب عنوانه وحدة موقف درزي مقابل وحدة موقف مسيحي، بل نحتاج بقوة إلى شبكة أمان شاملة للجبل بكل مكوناته الطائفية، التي يشكل الدروز والمسيحيون ركيزتيها الأساسيتين، لكنهم لا يختصرونها، وبكل المكونات السياسية داخل الطوائف على قاعدة حماية التنوع والتعدد، وتشكيل قاعدة استقرار تساعد لبنان في عبور آمن للأزمة الوجودية التي يمثلها خطر الاختناق الاقتصادي والمالي وتردداته الاجتماعية، التي تثير قلق كل حريص ومسؤول.

على هامش الحوار ودعوات الانفتاح ستبقى بعض الأصوات الموتورة توزع اتهامات التخوين على ضفاف الرغبة الشعبية الجامعة بتهدئة كل التوترات، ولا يجب أن يخيفنا ذلك، بل أن يزيدنا إصراراً على تشجيع كل حوار وكل تنظيم للخلاف تحت سقف الحفاظ على الاستقرار، فليس للفتنة في الجبل تربة خصبة بين الناس، والناس ستتكفل بمحاصرة الموتورين ودعاة الفتنة، لأن الإيمان بالتنوّع والعيش معاً على قاعدته هو إيمان جامع في الجبل، ونحن بلسان الناس ننطق وبقوتها نواجه.

لذلك نتطلع لنجاح لقاء عين التينة في إزالة أسباب التوترات التي عصفت بالجبل وهددت أمنه واستقراره، لكننا نتطلع أكثر ليكون على جدول أعماله كيف يكون قاعدة صلبة للقاء أوسع وأشمل لمكوّنات الجبل السياسية والطائفية، يستضيفه القصر الجمهوري، لتتحقق للبنان وللجبل شبكة الأمان المنشودة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*عضو في مجلس النواب اللبناني.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى