عربيات ودوليات

«الربيع الأميركيّ»… يكشف معايير واشنطن المزدوجة

تذكر الكثير من الأميركيين ما يسمّى بـ»الربيع العربي» الذي حدث قبل 9 سنوات، واصفين حالهم الآن بـ»الربيع الأميركي»، حيث اجتاحت موجات عديدة وواسعة من الاحتجاجات الجماهيرية الولايات المتحدة عقب وفاة جورج فلويد، الأميركي المنحدر من أصول أفريقية، أثناء اعتقال الشرطة له يوم 25 مايو المنصرم. والآن لا تزال المظاهرات تجوب أنحاء البلاد لدرجة أن بعض المدن الأميركية شهدت أعمال تحطيم وحرق وسقوط ضحايا جراء إطلاق للنار.

وفي مواجهة وضع خارج عن السيطرة بشكل متزايد، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخراً في كلمة متلفزة إنه قد يلجأ إلى استغلال «قانون التمرد» لعام 1807 لنشر آلاف الجنود المسلحين بهدف قمع المظاهرات، وهو ما أثار ضجة عامة وفي ظل هذا المشهد.

ومن المعروف أن الولايات المتحدة غالباً ما تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وتدفع الديمقراطية على الطريقة الأميركية بذريعة حقوق الإنسان من أجل إثارة الفوضى في دولة ما أو قلب نظام حكومات تختلف معها في الرأي. فمن إثارة «الثورة الملونة» في أوكرانيا وبلدان أخرى في عهد إدارة بوش إلى خلق ما يسمى بـ«الربيع العربي» في تونس وليبيا ومصر وغيرها في عهد إدارة أوباما، تتدخل الولايات المتحدة اليوم في الشؤون الداخلية للصين وروسيا وإيران وفنزويلا ودول أخرى بشكل مكشوف. وبالنظر إلى الوراء في ما يسمّى بـ»الربيع العربي»، نجد أن هذه الكارثة التي تطورت لتصبح «الشتاء العربي» في نهاية المطاف دمرت النظم الاجتماعية التي كانت مستقرة أصلاً في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وسقطت معها العديد من تلك الدول في حالة من الفوضى.

في 2019 بهونغ كونغ، كرّر الساسة الأميركيون الألاعيب القديمة، وكثيراً ما التقوا بشخصيات معارضة ومثيرين للشغب ومخططين للعنف في هونغ كونغ. وقاموا من ناحية بتشويه جهود حكومة منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة وقوة الشرطة المحلية لإنهاء العنف واستعادة النظام واصفين إياها بـ»قمع عنيف»، وأخذوا من ناحية أخرى يجملون الانتهاكات العنيفة واصفين إياها بـ»سعي إلى الحرية والديمقراطية»، والأمر الغريب أيضاً أن رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي وصفت تلك الانتهاكات بـ»مناظر طبيعية جميلة».

وعلى نحو مغاير لمواقفهم من الاضطرابات التي حدثت في دول أخرى، جاء أداء بعض الساسة الأميركيين في مواجهة الاحتجاجات والمظاهرات المتصاعدة في الولايات المتحدة، ليظهر جلياً جوهر ازدواجية المعايير الأميركية. فعلى سبيل المثال، هدّد السيناتور الأميركي توم كوتون على «تويتر» بـ»إرسال العديد من أفراد نخبة قوات الرد السريع الأميركية»، بما في ذلك القوات الخاصة المحمولة جواً، للتعامل مع «الإرهابيين» المتظاهرين.

ولكنه صرّح في العام الماضي بأن تعامل شرطة هونغ كونغ مع المتظاهرين المتطرفين غير مقبول، وبضرورة دعم هؤلاء «الشجعان».

امتدت الاحتجاجات، التي أثارها الغضب الناجم عن وفاة جورج فلويد، إلى جميع أرجاء العالم، حيث اندلعت في العديد من دول أوروبا وآسيا وأفريقيا، وعبر خلالها الناس عن معارضتهم للعنصرية ووحشية الشرطة، بالإضافة إلى مطالبتهم بالعدالة والإنصاف الاجتماعي. وقد قال الصحافي الأسترالي المستقل ماركوس روبنشتاين، الذي يحظى بخبرة تتجاوز 20 عاماً في العمل الإعلامي، إن الولايات المتحدة شهدت لسنوات عديدة عدداً كبيراً من أعمال الشغب العرقية، وهي مجتمع يشهد انعداماً كبيراً للمساواة، حيث لا يحصل الفقراء على رعاية صحية أو سكن أو عمل أو فرص تعليم مناسبة.

كما أشار إيروانسيه، وهو محاضر في العلوم السياسية في جامعة إندونيسيا ومحلل سياسي إندونيسي، إلى أن «مقتل جورج فلويد، الذي يكشف معايير واشنطن المزدوجة، ليس حادثاً نادراً ما يقع في الولايات المتحدة، وقد جعل الناس يرون أن تلك الحوادث تحدث نتيجة لعنصرية ممنهجة تدعم تكرار الحوادث الوحشية للشرطة، مضيفاً أن العنصرية متأصلة في النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة».

يقال: «من يلعب بالنار يحرق نفسه». والآن تذوق الولايات المتحدة، التي دائماً ما تحرض على الاضطرابات في بلدان أخرى، مرارة تضرر مصالحها الخاصة.

وبالنسبة للساسة الأميركيين الذين ينقلون الأزمة إلى الخارج ويتجنبون الصراعات الداخلية عن عمد، فإن اللعب بازدواجية المعايير لن يحل التمييز العنصري الراسخ وإنفاذ الشرطة العنيف للقانون وغيرهما من المشكلات القائمة في الولايات المتحدة، ولن يجعل الولايات المتحدة عظيمة، ولكنه قد يثير غضباً شديداً في نفوس الجماهير بسبب الظلم الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى