أولى

ترامب يخوض حرب شوارع في أوروبا والهدف ميركل وبوتين…!‏

محمد صادق الحسيني

 

منذ أن اتخذ بروكسيل مقراً له وهو يغامر بشنّ حروب خفيّة لا يمكن الإمساك بكافة خيوطها بسهولة، فمَن هو هذا الرجل وماذا يمثّل..!؟

من جهة أخرى فقد شهدت مدينة شتوتغارت الألمانية الجنوبية ليلة أمس الاول حرب شوارع عنيفة حتى الصباح، فيما يشبه الحروب الأهلية في بلاد العرب والمسلمين، فمن يقف وراء هذه الاحداث حقاً..!؟

على الرغم من أن المستشارة الألمانية، انجيلا ميركل، ليست القائدة الشيوعية روزا لوكسمبورغ، التي اغتالها النازيون سنة 1919 من القرن الماضي، ولا هي حتى اشتراكية ديموقراطية، كي نقول إن ترامب يتهمها بأنها يسارية، الا انه يواصل شن حربه عليها وعلى بلادها، منذ أن تسلم الحكم في واشنطن. حيث عاملها بفظاظة وقلة احترام، في كل اللقاءات التي أجراها، او اضطر لإجرائها معها.

فلماذا يا ترى؟ وما هي الأسباب الحقيقية وراء هذا الموقف؟ وما هي الأدوات التي يستخدمها ترامب في حربه هذه؟ وهل تمكن من لَيِ ذراع المستشارة ميركل وذراع بلادها، العملاق الاقتصادي الأوروبي، الذي يطمع ويطمح الرئيس الأميركي في إخضاعه بشكل شامل وكامل لمتطلبات واحتياجات السوق الأميركية، وبالتالي إخضاعه (العملاق الاقتصادي) لمصالح رؤوس الأموال التي تحكم الولايات المتحدة، من خلال القوى العميقة والخفية، التي ترسم سياسة ترامب.

إذن، فالقضية ليست عدم وفاء ألمانيا بالتزاماتها تجاه حلف شمال الاطلسي، وهي بالطبع تهمة غير صحيحة، وإنما هناك قطبة مخفيةً في هذه القضية.

فما هي هذه القطبة يا ترى؟

إنها قطبةٌ مزدوجة تتكوّن من شقين:

الأول: اقتصادي محض، سببه إصرار المستشارة الالمانية وحكومتها على تنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز الروسي، المسمّى: السيل الشمالي / رقم 2 / وهو قيد الإنشاء وينطلق من الأراضي الروسية الشمالية الغربية، بالقرب من لينينغراد، ويسير تحت بحر البلطيق، بطول 1222 كم مباشرةً الى الأراضي الالمانية، ومن هناك الى فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية الغربية.

وهو المشروع الذي يعارضه ترامب والقوى العميقة، التي تقف وراءه ويمثل مصالحها، بشدة وذلك لأنهم يريدون او يخططون لما يلي:

أ) لإرغام الدول الاوروبية على شراء الغاز الأميركي المسال، والذي قام محمد بن سلمان بتمويل إنشاء إحدى عشرة محطة شحن له، في الولايات المتحدة (LNG- Terminals)  قبل سنتين. ولكن هذه الدول لا ترغب في ذلك لأسباب عديدة منها المالي ومنها البيئي ومنها السياسي ايضاً.

ب) لإلحاق الضرر بالاقتصاد الروسي بدايةً، عبر تقليص واردات الدول الاوروبية من واردات الغاز الطبيعي الروسي، غير المسال (NG)، وذلك تمهيداً لإخراج روسيا من سوق الطاقة الاوروبي وما يعنيه ذلك من ضربة للصادرات الروسية من ناحية وإحكام السيطرة والهيمنة الأميركية على الاقتصادات الأوروبية، من خلال سيطرتها على قطاع الطاقة والتحكم بالتالي بمستويات النمو والتطور في اقتصادات جميع الدول الأوروبية.

الثاني: هو سبب سياسي محض، يتعلق بموقف ألمانيا من الاتفاق النووي الإيراني، حيث ترفض ألمانيا سياسات ترامب المتعلقة بالموضوع، وهي بذلك تشكل رافعة لبقية الدول الأوروبية، التي وقعت الاتفاق، أن تبقى على موقفها الهادف الى منع انهيار هذا الاتفاق (وان كانت تصب في النهاية لجانب الموقف الأميركي بسبب كونها دولة محتلة من أميركا لم تستطع ومعها الدول الأوروبية الأخرى من الخروج على القرار الأميركي).

كما أن الموقف الفعلي، الذي اتخذته المانيا، تجاه موضوع العقوبات الدولية، المفروضة على بيع السلاح لإيران، والتي سينتهي العمل بها في بداية شهر 10/2020، يثير غضب القوى العميقة (الدوائر الإنجيلية المتطرفة في الولايات المتحدة) التي تدعم ترامب وتستخدمه رأس حربة لها، في مواجهة الجمهورية الاسلامية الايرانية. اذ ان هذا الموقف بالذات هو الذي جعل الرئيس الأميركي يتخذ قراره بتخفيض عديد الجنود الأميركيين الموجودين في القواعد العسكرية الأميركية في المانيا.

ولكن حسابات ترامب وداعميه كانت خاطئةً كالعادة، حيث أفاد مصدر دبلوماسي أوروبي، انه وعلى العكس من كل ما يتردد في الإعلام، حول تداعيات هذه الخطوة الترامبية على أمن المانيا، فإن الحكومة الألمانية والمستشارة انجيلا ميركل لا تكترثان لهذا التخفيض، خاصة أن المانيا لا تتعرّض لأي تهديد، أمني او عسكري، من اي جهةٍ كانت، سوى التهديدات المستمرة، التي تشكلها محاولات زيادة السيطرة الأميركية على كل شيء في أوروبا، وتلك النشاطات التي تنفذها ادوات اليمين الأميركي الإنجيلي المتطرف في اوروبا.

فإلى جانب الضغوط المباشرة، التي يمارسها الرئيس الأميركي وإدارته، على العديد من الدول الأوروبية وفي مقدمتها المانيا، هناك ضغوط هائلة غير مباشرةٍ، لكنها مرئيةً وملموسةً، تمارس على المستشارة الالمانية وحزبها، الحزب الديموقراطي المسيحي الالماني، والذي يمثل رأس الحربة فيها كبير مستشاري ترامب الاستراتيجيين في البيت الابيض سنة 2017، ستيف بانون (Steve Bannon)، الذي يدير مدرسة تدريب القيادات اليمينية في أوروبا (من مقرّه في بروكسل) وحقنها بما يطلق عليه تسمية القيم اليهودية المسيحية الغربية. هذه المدرسة التي يدير نشاطاتها اليومية ويقرّر توجّهاتها الفكرية، النائب البريطاني الجنسية والسيرلانكي الأصل، نيرج ديڤا، بالاعتماد على معهد أبحاث متطرف ومرتبط بحزب المحافظين البريطاني، اسمه: Dignitatis Humanae Institut (DHI).

اذ كان للنشاط، المتعدد الأشكال والأنواع، الذي قام به ستيف بانون قبيل الانتخابات التشريعية الالمانية، في ايلول 2017، الأثر البالغ في حصول الحزب الألماني النازي الجديد، حزب البديل لألمانيا Alternative für Deutschland، على 94 مقعداً في البرلمان الألماني، من اصل 709، حيث احتل المرتبة الثالثة بين الأحزاب، بعد حزب المستشارة الديموقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي الديموقراطي، الأمر الذي يشكل خطراً على النظام السياسي ليس فقط في ألمانيا، كما يعلمنا التاريخ.

اما آخر المحاولات، التي قام بها «تلامذة» ستيف بانون لمعاقبة المستشارة الالمانية وهز الاستقرار في بلادها فكانت أحداث الشغب الواسعة النطاق، التي قامت بها أعداد كبيرة من المشاغبين، مقسمة على مجموعات صغيرة، في مدينة شتوتغارت الصناعية الهامة (مركز شركة مرسيدس) ليلة السبت الأحد 20/21-6-2020 والتي استمرت من منتصف ليلة الاحد حتى الصباح، وفشلت خلالها قوات الشرطة في السيطرة على الوضع، رغم استدعاء تعزيزات شرطية من كل أنحاء المقاطعة. وهو ما خلف دماراً وتخريباً كبيراً في الأملاك الخاصة والعامة، تخللتها عمليات نهب واسعة النطاق، في المدينة.

ومن أهم القضايا اللافتة للنظر في أحداث الليلة الماضية، في مدينة شتوتغارت الألمانية، ما يلي:

 

*التنظيم العالي المستوى، الذي تمتعت به هذه المجموعات المشاغبة، خلال الاشتباكات مع الشرطة.

*مرونة وسرعة حركة هذه المجموعات والتنسيق العالي بينها، ما يدل على وجود مركز قيادة وسيطرة موحّد، يدير هذا التحرك.

*العنف الشديد الذي مارسته هذه المجموعات، سواءً في تخريب الأملاك العامة والخاصة ونهبها، او تجاه وحدات وآليات الشرطة، حتى تلك الآليات المتوقفة في أنحاء المدينة ولا تشارك في المواجهات. وذلك على الرغم من ان الشرطة لم تطلق اي غازات مسيلة للدموع او القنابل الدخانية او غير ذلك من وسائل مكافحة الشغب طوال فترة المواجهات والتزمت بضبط نفس شديد.

اذن، كان هذا النشاط عنفياً بامتياز قامت به مجموعات ذات ارتباطات سياسة واضحة، مع جهات تريد إرسال رسالة جليةً للمستشارة الالمانية، مؤداها أننا قادرون على ضرب الاقتصاد الالماني، بوسائل أخرى / القوة الناعمة / اذا ما واصلت المانيا عنادها في موضوع السيل الشمالي وموضوع الاتفاق النووي الإيراني ورفع حظر بيع الأسلحة لإيران. وهذا بالطبع نوع من انواع الحرب الاقتصادية، ولو أنها لا تتخذ شكل العقوبات المباشرة، تماماً كالحرب الاقتصادية التي يمارسها ترامب ضد 39 دولة في العالم، على رأسها إيران وروسيا وسورية والصين وكوريا الشمالية، اضافة الى حزب الله اللبناني.

عبثاً يحاول ترامب أن يخرج سالماً من هذه الحروب العبثية..!

لأن سهامه كلها سترتدّ الى نحره إن عاجلاً او آجلاً.

هكذا هي السنن الكونية.

بعدنا طيبين، قولوا الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى