أولى

سياسات التجويع الأميركيّة لن تُجدي مع سورية!‏

 د. محمد سيد أحمد

مع الأيام الأولى لدخول قانون قيصر حيّز التنفيذ نقول لأميركا إنّ سورية التي لم تكسرها الحرب على مدار العشر سنوات الماضية، والتي قدّمت فلذات أكبادها من خيرة شبابها شهداء دفاعاً عن الوطن لا يمكن أن تركع أو تهزم أو تكسر، وما لم تستطع الحرب فعله، لن تجدي معه سياسات التجويع والحصار الاقتصادي، فالمواطن الذي واجه النيران بصدر مفتوح، والعائلات التي فقدت بفعل الحرب منازلها وأثاثها وأحبابها وذكريات عمرها لا يمكن أن تتأثر أو تنقلب على الوطن وتكفر به من نقص في الأموال أو شحّ في طعام أو شراب، خاصة أنه يعلم أنّ ما دخلنا فيه الآن هو شكل جديد للحرب التي ما زالت مستمرة.

 فمع انتصارات الجيش العربي السوري المدوية على الجماعات التكفيرية الإرهابية التي تعمل بالوكالة لدى العدو الأميركي على كامل الجغرافيا العربية السورية ومع الفشل الميداني، قرّر الأصيل في هذه الحرب استخدام أساليب جديدة للعدوان على سورية بعد فشل مشروعه العسكريّ ووجد في ورقة الحصار الاقتصادي التي عرفت بقانون « قيصر» إحدى أهمّ أدوات الحرب الجديدة على سورية، واعتقد العدو الأميركي أنّ ما لم يستطع تحقيقه عبر الحرب العسكرية الكونية على مدار ما يقرب من عشر سنوات يمكن تحقيقه بالحصار الاقتصاديّ في مدى زمني أقلّ.

 كما اعتقد أنّ الشعب السوري الذي زادت ثقته في قيادته السياسية عبر سنوات الحرب يمكن أن يفقد هذه الثقة مع تشديد الحصار الاقتصادي عليه، ومع عدم إتاحة الفرصة لحلول اقتصادية سريعة وناجزة من قبل الحكومة أمام المشكلات المصطنعة بفعل الحصار مثل غياب بعض السلع الأساسية من الأسواق خاصة المحروقات في ظلّ استمرار سيطرة العدو الأميركي ووكلائه المحليين والإرهابيين على آبار النفط السورية. هذا الى جانب استهداف العقوبات الاقتصادية مجالات استراتيجية حيوية كقطع الغيار في العديد من الصناعات، وحرق المحاصيل الزراعية، وسياسة التجويع بتعطيش الأسواق من السلع والمواد الغذائية، ومحاولة مدّ الحصار ليشمل الأدوية، مع التشديد على الحدود لمنع دخول السلع عبر دول الجوار الأردن والعراق ولبنان، وفي ظلّ هذا الحصار ترتفع أسعار السلع تدريجياً مع انخفاض سعر الليرة السورية، فيؤدّي التضخم والغلاء الى زيادة المعاناة، وبذلك تنفجر الجماهير وتتحقق الفوضى التي لم تحدث أثناء سنوات الحرب.

وبالطبع تعتمد سياسة الحصار الاقتصاديّ للعدو الأميركي على نظريات عديدة في مجال علم النفس الاجتماعي أو علم نفس الجماهير، وهنا يمكن الإشارة لكتاب عالم النفس الفرنسي الشهير جوستاف لوبون «سيكولوجية الجماهير» والذي حاول من خلاله وضع القواعد التي يمكن أن تؤثر على الجماهير وتوجه حركتها، حيث ركز على الخصائص العامة للجماهير والقانون النفسي لوحدتها الذهنية، وعواطف الجماهير وأخلاقياتها، وأفكار وخيال الجماهير، وآراء الجماهير وعقائدها، ومحرّكي الجماهير ووسائل الإقناع التي يمتلكونها، ومحدودية تغيّر كلّ من عقائد الجماهير وآرائها، وأخيراً تصنيف الفئات المختلفة من الجماهير ودراستها، ويحاول العدو الأميركي استخدام القواعد التي طرحها لوبون على الجماهير الشعبية داخل مجتمعاتنا العربية عامة والمجتمع السوري خاصة.

لكن ما يجهله العدو الأميركي أنّ هناك شعوباً مقاومة، وهذه الشعوب لا يمكن أن تنخدع في ما يصنعه العدو من أزمات منها الحصار الاقتصادي بهدف فرض إرادته على القيادة السياسية لهذه الشعوب من أجل تركيعها وإجبارها على التبعية. ومن هذه الشعوب الشعب السوري الذي يمتلك سيكولوجية مقاومة نتيجة وعيه وعقلانيته التي يسعى العدو الأميركي لتزييفها.

 لكن هيهات أن يحدث ذلك، فالقيادة السياسية السورية التي أدارت الحرب العسكرية وانتصرت فيها على تواصل دائم مع جماهيرها الشعبية. فالرئيس وعائلته يعيشون كأيّ عائلة سورية، وكما خرج الرئيس وعائلته لزيارة أسر المصابين والشهداء على مدار سنوات الحرب، خرج هذا الأسبوع بسيارته متجهاً إلى بلودان وهو يرتدي ملابس بسيطة ظهر بها كثيراً، ووقف في طريقه ليلتقط الصور التذكارية مع بواسل الجيش العربي السوري، وانتشرت الصور على مواقع التواصل الاجتماعي. وهذه الرسالة يمكن قراءتها بأنّ القيادة تقول للجماهير «أنا معكم» وأنّ الحرب على سورية بدأت تأخذ شكلاً جديداً أساسه الحصار والحرب الاقتصادية، لذلك يجب الوعي بحقيقة المرحلة الجديدة والصبر عليها لمواصلة الانتصار.

ففي الوقت الذي تحرك فيه العدو الأميركي معتمداً على الحصار الاقتصادي باعتباره أحد الأساليب التي تحرك الجماهير غير الواعية تجاه قيادتها السياسية، كان هناك تحرك مضاد لكشف مؤامرته من قبل القيادة السياسية الوطنية التي تثق فيها جماهيرها الشعبية ومكاشفاتها بالحقيقة المقبلة عليها؛ وهنا تصنع سيكولوجية المقاومة، ويفشل الحصار الاقتصادي الذي هو ليس بجديد على سورية العربية فقد واجهته على مدار سنوات طويلة حتى قبل الحرب الكونية عليها، لكن هذه المرة يأتي في ظلّ ظروف أصعب.

 لكن علينا أن نأخذ العبرة من النموذج الإيراني أحد أهمّ النماذج المعبّرة عن هزيمة السياسة الأميركية، فعلى مدار أربعة عقود كاملة من الحصار الاقتصادي لم تنجح في دق إسفين بين القيادة السياسية والشعب الذي يمتلك سيكولوجية المقاومة، لذلك يجب على شعبنا السوري أن يتحلى بسيكولوجية المقاومة فهي الحلّ الأمثل في مواجهة قانون قيصر وسياسات التجويع الأميركية، اللهم بلغت اللهم فاشهد.  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى