حديث الجمعة

عن الإعلام التقليديّ ‏ ووسائل التواصل – طابخ السم آكله

لم يفقد الإعلام الحضور لكن دور التأثير الحصري يكاد يتلاشى أمام اتساع تنوّع وسائل المعرفة التي تتراجع وتضيق فرصها المؤسسية ليصبح الفرد حراً ليس في اختيار وسيلته الإعلامية المفضلة لتقصي الحقائق اليومية والتقاط الإشارات للمستقبل القريب والبعيد بل كشريك في صناعة الخبر وتناقله وهو ما نشهده عبر توالد قضايا الرأي العام جراء تأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي نجحت بالتربّع على سدة الوسيلة الأسرع لتناقل المعلومة.

ما نعيشه اليوم وليد سنوات بدأت أولى حلقاتها في القرن الماضي مع افتقاد الصحف الكبرى تميزها كمصدر أول للخبر بعد تراجعها أمام اكتساح الشاشات المتلفزة المنازل من دون إذن مسبق.. ليتراجع التلفزيون بدوره أمام سطوة المعلوماتية التي أدخلت منهجاً إعلامياً جديداً لا بل باتت منهجاً معرفياً لا بد للراغبين بطرق باب المعرفة من شروعه قبل أن تصبح المعلوماتية منهج حياة في زمننا الراهن.

واليوم تتراجع وسائلنا الإعلامية بكافة تلاوينها لصالح وسائل التواصل الاجتماعي. والمعلوماتية هي رديف التواصل ووسائله لا بل خادمته المكرّسة في تحقيق مبتغى الانتشار الأسرع. تشرع أبواب المعرفة على أنواعها

من مصدرها في بقاع العالم من دون وسيط لتصبح في متناول أي كان وأينما كان.. لكنها تتحكّم بنا وبمصائرنا وتمنهج حياتنا على عناوينها المبرمجة وفق أهواء مَن يديرها.

بات يلجأ التلفزيون لاستخدامها كي لا يفقد بريقه وتنتشر صفحات متلفزة لمواقع إخبارية وإعلامية عدة تجنب المتلقي التسمّر أمام الشاشة باختيار توقيت المشاهدة والتفلت من شروط البث الى حرية الاختيار حتى شكلاً لكيفية التلقي.

الفضائل التي قدمتها وسائل التواصل هذه لحرية التلقي لها مخاطرها مع احتمالات تشويه المعلومات او اختزالها أو الاستحواذ على وعينا والتحكم به عن بُعد من خلال تجييش الكتروني بات سلعة العالم الحديث مدفوعة الثمن أو مجانية.. عفوية كانت أم مدبّرة.. المعلومة على تنوّعها قابلة لاحتكارنا هي سلعة العالم الجديد إذا تمّ التعاطي مع ما يُبث لنا أي ما نتلقاه يومياً بمثابة الحقائق.

عبر وسائل التواصل التي تستدرجنا للتفاعل معها من دون سابق قرار، لأننا بتنا نتلقى يومياً عبرها الآلاف من الإخباريات لا الأخبار بعضها يوثق وبعضها يحتاج لتدقيق. وبالتالي أصبح المواطن كما المختص في أي بقعة كونية هو الممسك بزمام الإعلام من باب بث معلومات قد تكون موثقة بالصورة أيضاً.. تجوب العالم بثوانٍ معدودات.

وكل منّا مسؤول عن اختبار المعلومة كمتلقٍ واختيار زوانها من القمح قبل تناقلها وإكمال حلقة بثها بأي وسيلة من وسائل التواصل لتتصدر أحياناً هذه المعلومات أخبار أعرق وسائل الإعلام المحلية والعالمية وثمة من يسأل حتى الساعة عن عفوية بث مثل هذه الأفلام والأخبار. ولعل أبرزها في الأيام الأخيرة شريط التمييز العنصري لفلويد الذي كان مفعوله بعد ساعات قليلة من بثه أشبه بانقلاب سياسي وسّع الشرخ في المجتمع الأميركي وكشف العديد من هشاشة دول عظمى كانت بمنأى عن الصور المهتزة التي اعتدناها في بلدان العالم الثالث..

بهذا المعنى ليس الإعلام متهماً بانحدار الوعي الجماعي بل نحن جميعاً في قفص اتهام التدقيق قبل التلقي وإعادة تدوير المعلومة من أي وسيلة تلقيناها. فالعقل هو الحَكم قبل استنفار العواطف تأثراً بما نتلقى.. فهل نمنح أنفسنا قوة التحكم بزمام الإعلام من أي نوع كان؟؟ وهل هو إثبات جديد بأن طابخ السم آكله؟؟

دلال قنديل ياغي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى