الوطن

كيف يخطّطون للفوضى والانهيار؟!‏

 

} د. وفيق إبراهيم

الأحزاب والقوى اللبنانية المحسوبة على السياسات الأميركيةالخليجية ومعها نفرٌ من إعلام متنوّع ومجموعات من «البصارات وقارئات الفنجان»، يعملون بمنهجية على أساس أن البلد مصاب بانهيار كامل ولا إمكانية لترميمه.

هناك مَن يُكمل الشطر الأخير من اللعبة وهم مجموعة من السياسيين الخليجيين والأميركيين الذين يربطون هذا الانهيار بسلاح حزب الله، معتبرين أن الحل الوحيد هو في سيطرة الدولة على هذا السلاح لأنه سبب الانهيار، كما يزعمون.

لماذا يخطّطون وما هي وسائلهم؟!

لا شك في أن الانهيار عميق وكبير، لكن أسبابه حسب مسؤولين أميركيين أعلنوا أكثر من مرة أنها ترقى إلى السياسات الاقتصادية المتتابعة منذ 30 عاماً التي أدّت إلى فساد نَخَرَ عظام النظام اللبناني الاقتصادي.

هذا يعني الارتباط العضوي لهذا الفساد بالحريريّة السياسيّة وأحلافها. باعتراف حُماتها الدوليين والإقليميين، يكفي أن تفرّ هذه الحريرية من قطار الدولة إلى حلبات المعارضة حتى تتحرّر من إدانات كان يجب أن تضرب مستقبلها السياسي وتضع سياسييها في السجون.

لكنها وبمعونة الطائفيّة الدينيّة المتوغلة على المستوى الشعبي والمسنودة إقليمياً، لا تزال تؤدي دوراً سياسياً كبيراً وتنتحل صفة البراءة لترمي التهمة على فريقين: التيار الوطني الحر وحزب الله.

للإيضاح فإن تاريخ تسلّم الجنرال ميشال عون للرئاسة لا يزيد عن أربع سنوات، فيما عمر الفساد أكثر من ثلاثين سنة ونيّف.

فيما لم يشارك حزب الله في هذا النظام إلا على مستوى فخريّ لا يتناسب مع حجمه الفعلي. استطاع من خلاله تأمين حماية إضافية لدوره الإقليمي في الدفاع عن لبنان من العدو الإسرائيلي والإرهاب التكفيري.

هناك إذاً التزام من هذه القوى بالمخطط الخارجي الذي لا يقبل بإعادة تقويم النظام إلا بعد انتزاع سلاح الحزب. فنشهد المستقبل والكتائب والقوات وواحدة من «قدمي» الوزير جنبلاط وجمهرة كبيرة من تنظيمات تكفيرية إسلامية وأخوان مسلمين وطامحين سياسيين يستحضرون عصبيات داخلية وإقليمية لجذب انتباهها إليهم على حساب الأمن الشعبيّ.

هؤلاء يعرفون بموجب التعليمات الأميركية أن موازين القوى ليست لمصلحتهم، ويجب أن يقتصر عملهم على إثارة الفوضى الشعبية عن طريق القطع المتكرّر للطرقات في مناطق تؤسس لاضطراب مذهبي وطائفية بين السنة والشيعة وبين المسيحيين والشيعة.

لذلك يجب عليهم أيضاً الدفع بهذا الاتجاه عبر التأكيد بمختلف الوسائل أن الانهيار الاقتصادي نهائي، يُعمّمُ قريباً حالة جوع كاملة.

هنا تكمل الإمارات والسعودية والمسؤولون الأميركيون عرض صعوبات التمويل وربطه بتجريد الحزب من سلاحه.

ميدانياً تنصب المجموعات السياسية اللبنانية كمائن على الطرقات لتحقيق الغايات المواتية فسعد نايل وشتورا هي مناطق سنيةشيعية، قد يؤدي قطع طرقاتها إلى توتر سنيشيعي.

تماماً كقطع الطريق الساحلية إلى الجنوب عند نقطة بلدة برجا، هنا المارّون بمعظمهم من الشيعة وقاطعوها من السنة على أمل التأسيس لاشتباكات مذهبية، وكذلك خطوط المزرعة والحمراء وعين المريسة وجسر سليم سلام في قلب بيروت حيث يتخالط السنة والشيعة.

أما جسر الرينغ فهو مصيدة قواتيّة لجذب انتباه شباب الخندق الغميق المجاور لتفجير إشكالات بين المسيحيين والشيعة.

ما يرْفُدُ هذه المحاولات أيضاً برامج إعلامية متنوعة تأتي بمحللين يجزمون بصعوبة مجابهة الانهيار ربطاً بضعف حكومة حساب دياب وتسلط حزب الله عليها.

لكن الأكثر طرافةً هو استحضار مدير برنامج تلفزيوني محترف لاثنين من محترفي الصراخ الإعلامي في برنامج كان واضحاً أنه يثير الفتنة بين السنة والشيعة.

والمضحك أن صاحب البرنامج كان غارقاً في القهقهة بينما كان المتحاوران يتراشقان كلاماً وشتائم لا تفيد إلا بالتحشيد المذهبي.

هناك برنامج يديره لبناني من التابعية الأرمنية يفتعل البراءة في أسئلته مستجلباً «بصارة» قدمت مستقبل العالم السياسي والفنانين ومستقبل لبنان المنهار كما قالت، والذي لا أمل منه أبداً لأن الجوع عام والمدارس والجامعات مقفلة حتى إشعار طويل والمحال مفلسة والكهرباء تختفي نهائياً، كذلك مياه الشرب والمواصلات.

جزمت هذه البصارة أن الحكومة سقطت ولن يعود حسان دياب إلى أيّ حكومة في المستقبل.

في حين أن سعد الحريري هو رجل المرحلة ورئيس الوزراء المقبل الذي يجيد مكافحة الانهيار، لكنها نسيت أن تؤكد على دعم شينكر وفيلتمان وبومبيو وبن سلمان وبن زايد له.

هذه «البصارة» لم تنسَ أن تؤكد حرباً إسرائيلية قريبة تمتد من لبنان إلى إيران بمشاركة أميركية.

فهزّ مقدم البرنامج العميق رأسه مكتئباً وهو يسألها: أنتِ أكيدة من هذه «الاستطلاعات» فأجابته: هذا ما قرأته من خطوط الغيب.

بذلك يضعون مستقبل لبنان بين مقدّم برنامج محترف بإعداد الفتن المذهبية والطائفية وآخر يريد أن يتعلم فنون الدراما واستثارة النواح و»بصارة برّاجة» لا يزيد سعرها عن فئة دولار.

يبدو أن أسلوب استدراج الفتن ونشر الفوضى، هذه خطة مكشوفة، لدى التيار الوطني وحزب الله فيعملان على احتوائها بضبط شارعيهما.

لكن المشكلة في صعوبة إيجاد موارد تكفي حتى للمراوحة الاقتصادية، فيما التوجّه نحو الداخل يحتاج إلى وقت طويل للبناء عليه، بالإضافة إلى أن الخيار الصينيالروسي يصطدم بالتيارات الطائفية للدولة اللبنانيّة العميقة في مراكزها التاريخيةفهذه مستعدّة لتفجير الداخلإذا أختار لبنان وجهة جديدة لإنقاذ شعبه من الجوع.

هذا هو الإطار الذي يعمل ثنائي «حركة أمل وحزب الله» بالتحالف مع التيار الوطني الحر لإيجاد حلول تمنع الحرب الأهلية وتسمح بمراوحة اقتصادية، تتيح إعادة بناء النظام الاقتصادي اللبناني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى