مانشيت

مصرف لبنان ووزير الاقتصاد أمام امتحان جدوى منصّة ‏التسعير ومراقبة أسعار السلع /‏ عودة قطع الطرق على إيقاع كلام ‏السفيرة الأميركيّة عن تحفظات على ‏الحكومة/‏ وزير الداخليّة يكشف عن جهاز ‏خارجيّ يشجّع على الفوضى وتسلّل ‏مسلّحي إدلب/‏

 

كتب المحرّر السياسيّ

الخطة الموعودة منذ شهرين بتسعير الدولار عبر منصة يشرف عليها مصرف لبنان أبصرت النور أمس، ومعها أعلن وزير الاقتصاد اكتمال ترتيبات تمويل استيراد مئتي سلعة استهلاكية أغلبها مواد غذائية، وفق سعر الـ 3200 ليرة للدولار. بالتوازي مع فرض رقابة على تسعير السلع المستوردة بالدولار المدعوم، ورقابة مشددة على الالتزام بالتسعير، وسيكون كلام حاكم مصرف لبنان ووزير الاقتصاد عن تحوّل نوعيّ في سوق الصرف وفي أسعار السلع الاستهلاكيّة على المحك من يوم الاثنين المقبل، بعدما بلغت الأزمة حداً أدى إلى إقفال المحال التجارية والاستهلاكيات أبوابها، بداعي عدم القدرة على التسعير مع تخطّي الدولار عتبة الـ 7000 ليرة، في السوق السوداء.

هذا التطور في أسعار سوق الصرف بدا مرتبطاً بالمناخات السياسية الهادفة لزيادة الضغوط على الحكومة بعدما كشف المسؤولون الأميركيون الأهداف الحقيقية للضغوط والعقوبات، وربطوها بقبول لبنان خط ترسيم للحدود البحرية يحظى برضا كيان الاحتلال، فجاء كلام صندوق النقد الدولي التشاؤمي جزءاً من حملة التيئيس التي يراد من خلالها تقديم الوجبة المسمومة للترسيم كخيار وحيد للخروج من الأزمة، وكان لافتاً كلام السفيرة الأميركية عن تحفظات على الحكومة، وقابلها تشجيع لمن وصفتهم بالثوار، الذين خرجوا مجدداً لقطع طريق الجنوب خصوصاً، لترجمة رسالة السفيرة الموجهة لجمهور المقاومة، بأن خيارهم الداعم للمقاومة سيكلفهم في ظروف عيشهم المزيد من المتاعب.

الوضع المفتوح على الفوضى بات برنامجاً واضحاً، في ظل المواقف الأميركية المعلنة، والتي ترجمها التزام القيادات المحسوبة على الأميركيين بقرار مقاطعة الحوار في بعبدا، لإبقاء الفرص مفتوحة أمام خيار الفوضى، وقد كشف وزير الداخلية محمد فهمي ما يؤكد ما سبق وتم كشفه عن تقارير فرنسيّة، حول وجود جهاز خارجيّ يموّل ويدير شبكات للتخريب الأمني، ومنها قطع الطرق. وقد كان الفرنسيون أول من حذر من وجود مخطط تركي لتحويل شمال لبنان إلى منطقة نزوح مبرمج لمسلحي إدلب، وهو ما أعاد الحديث عنه وزير الداخلية من دون توجيه الاتهام للأتراك.

مصادر متابعة قالت إن الشهرين المقبلين سيحفلان بالضغوط والتصعيد، لكن على حافة الهاوية، مستبعدة مخاطر بلوغ طريق اللاعودة، سواء في قفزات جنونية لسعر الصرف أو في انتشار الفوضى وتحولها إلى مخاطر أمنية حقيقية، أو في جدية ما يُحكى عن مخاطر اندلاع حرب في المنطقة. وقالت المصادر إن شهر أيلول سيكون هو الشهر الحاسم في رسم وجهة التطورات، نحو الانفجار أو الانفراج، ولذلك يجري أخذ الأمور نحو خيارات تتيح التصعيد نحو الانفجار لكنها تبقي الباب مفتوحاً لتراجع التصعيد نحو الانفراج. ودعت المصادر إلى المسارعة نحو ترتيبات تشكل شبكة أمان بوجه المخاطر، تتمثل بفتح السوق الاستهلاكية بين لبنان وسورية من جهة، وإخراج المشتقات النفطية من فاتورة الدولار عبر الصيغة التي اقترحها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، من جهة موازية، وقالت إن هذين الإجراءين يمنحان الحكومة والشعب قدرة الصمود بحماية سعر معقول لليرة في سوق الصرف بعد تخفيف ضغط فاتورة المشتقات النفطية عن الطلب على الدولار، وبأسعار مقبولة للسلع الاستهلاكية بعد الانفتاح على السوق السورية، وبهذين الإجراءين يمكن وفقاً للمصادر الرهان على الإجراءات الأمنية المطلوبة لمنع الفوضى أن تلقى نتائجها.

 

 

وبعد تصريحات مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، دخلت السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا مجدداً على خط الأزمة في لبنان عبر سلسلة تصاريح استفزازية مهدّدة لبنان بتدخل سافر بالشؤون اللبنانية. ما دفع بمراقبين لوصف تلك التصاريح بإعلان الحرب على لبنان وتحريض على الفتنة الأهلية، مشيرة الى أناللبنانيين لا يعانون من سياسة واشنطن بل من عقود من الفساد، وقالت إنواشنطن من أكبر الداعمين للبنان بـ750 مليون دولار”. وأشارت شيا في حديثٍ لـالحدثإلى أن واشنطن لديها قلق بالغ من حزب الله في لبنان والذي نصنّفه إرهابياً، وأضافت: “حزب الله بنى دولة داخل الدولة استنزفت لبنان، ورأت أندويلة حزب الله كلفت الدولة اللبنانية مليارات الدولارات”. ولفتت إلى أنمليارات الدولارات ذهبت لدويلة حزب الله بدلاً من الخزينة الحكومية”.

وشددت شيا على أنقانونقيصرليس موجهاً للبنانيين والاقتصاد اللبناني ولا يستهدف إلا نظام الأسد وداعميه”. ووجهت رسالة الى الحكومة بقولها «إن مطالب اللبنانيين محقة وعلى الحكومة الالتزام بمطالب 17 تشرين».

وعلى وقع الحرب الأميركية الدبلوماسية والسياسية والمالية والاقتصادية على لبنان، شهد الشارع مجدداً تحركات احتجاجية في عدد من المناطق رفضاً لغلاء الأسعار وارتفاع سعر الصرف وتردي الأوضاع الاجتماعية، إلا أن مصادر سياسية وأمنية تربط بين التصعيد الأميركي ضد لبنان وبين التحريك المتعمد في الشارع لاستخدامه لتحقيق أهداف سياسية. ولفتت المصادر لـ»البناء» الى أن «الأحداث المتتالية منذ 17 تشرين الماضي حتى اليوم تثبت التدخل الأميركي الفاضح في الشؤون اللبنانية إن عبر افتعال أزمات مالية بوقف وصول الدولار الى لبنان والضغط على الدولة اللبنانية وتهديد بعض القيادات والأحزاب والشخصيات السياسية أو بالتدخل لحماية موظفين مثل حاكم مصرف لبنان ومنع إقالته وإن بتحريك مجموعات تابعة لها لقطع الطرقات والتعدي على المواطنين والقوى الأمنية وعلى الممتلكات العامة والخاصة». مضيفة أن «الهدف هو دفع لبنان الى مزيد من التدهور الاقتصادي والانزلاق نحو الفوضى الاجتماعية والفتنة لكي يفقد لبنان نقاط قوته وقدرته على المواجهة، وبالتالي دفعه للتنازل في الملفات السيادية لا سيما الحدود البحرية النفطية، وموضوع صفقة القرن، وهذا ما أشار اليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمس الأول».

وكان عدد من الأشخاص قطعوا أوتوستراد الجية في الاتجاهين، ما تسبب بزحمة سير خانقة، وحصلت مواجهات مع الجيش الذي حاول فتح الطريق تكراراً الى أن تمكّن الجيش عصر أمس من فتحها. ورأى مراقبون بقطع طريق الجيةبرجا رسالة سياسية لحزب الله بأن طريق بيروتالجنوب ليست آمنة ويمكن قطعها في أي وقت، كما تهدف الى استدراج الحزب الى الشارع لفتح الطريق بالقوة وبالتالي الدخول في توترات أمنية ستنعكس على بقية المناطق. وتخوّفت مصادر أمنية من مخطط لفتنة وإراقة دماء وخلق مناخ من الفوضى لاستثماره سياسياً.

كما دخل عدد من المحتجين بالقوة الى مبنى وزارة الشؤون الاجتماعيّة في بدارو، وتوجهوا الى مكتب الوزير رمزي مشرفية الذي لم يكن موجوداً في الوزارة، وطالبوا بمقابلته للاستماع الى مطالبهم، معتبرينان الوزارة مقر عام وهي مباحة للجميع، وأنها الوزارة الأهم في هذا الوضع المعيشي السيئ، والوزير لا يقوم بواجباته تجاه المواطنين”.

ولاقى قطع الطرقات سخطاً واسعاً لدى المواطنين ولدى قيادة حركة أمل وحزب الله بحسب معلوماتالبناء، حيث أجرت القيادتان سلسلة اتصالات مع قادة الأجهزة الأمنية لفتح الطرق والإفراج عن آلاف المواطنين الذين علقوا بزحمة السير على الطريق لساعات. وتساءل وزير الصناعةعماد حب الله​ “هل تسكير طريق صيدا – ​بيروتيحلّ المشكلة؟ هل اللبنانيّات واللبنانيّون المقيمون جنوبًا ويعملون في بيروت مسؤولون عن الحالة؟”. وأكّد في تصريح على مواقع التواصل الاجتماعي، على أنّالتسكير لن يساعد في إيجاد حل، بل بالعكس يؤزّم الوضع أكثر، مركّزًا على أنّالأفضل أن توجّهوا غضبكم ضدّ الّذين سبّبوا الوضع في منظومة الفساد. لا تكونوا مسؤولين عن عذاب الناس”.

ولفتت مصادر في كتلة التنمية والتحرير لـالبناءالى أنقطع الطرقات أمام المواطنين لا يعبر عن أسلوب التظاهر المشروع والحضاري ولا يخدم المطالب المشروعة، بل يحرمون اللبنانيين من حق التنقل، ما يؤشر الى أن هؤلاء يأتمرون من جهات خارجية تحركهم وفق أهدافها السياسية، محذّرة من مخطط للفتنة داعية الأجهزة الأمنية للتحرك فوراً لفتح الطرقات وحماية المواطنين حتى لا يضطر كل مواطن لحماية نفسه”.

واعترض متظاهرون طريق الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري أمام مصرف لبنان في الحمرا. وقد دار حوار بين الحريري والمتظاهرين قبل أن يطلبوا منه المغادرة، مطلقين هتافات مناهضة للرئيس سعد الحريري قائلينسعد سعد سعد ما تحلم فيها بعد”.

الى ذلك عاد الحديث مجدداً عن احتمال تعديل حكومي يُعيد الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة في إطار تسوية سياسية جديدة، وسط رهانات على حرب إسرائيلية عسكرية على حزب الله في الصيف الحالي لتعديل موازين القوى وفرض التسوية الجديدة بالقوة العسكرية وسط التداول بأسماء جديدة لرئاسة الحكومة كنائب حاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري بعدما طرح اسم سفير لبنان في الأمم المتحدة نواف سلام الأسبوع الماضي. فيما يعول مروّجو هذا الخيار على الكلام الأميركي العالي النبرة ضد لبنان والحكومة. إلا أن أوساطاً سياسية أشارت لـالبناءالى أنالحديث عن استقالة الحكومة غير صحيح وغير وارد في هذه الظروف الراهنة، حيث يقف البلد على شفير الانهيار، كما أن الحكومة ورئيسها ليسا في وارد الاستقالة ولن يتخلوا عن واجبهم الوطني في مواجهة التحديات بل مستمرون بواجباتهم على كافة الصعد لا سيما معالجة الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية مع حسم في ضبط الأمن وإصدار توجيهات حاسمة لقادة الأجهزة الأمنية للتصدي لأي محاولة لإشعال فتن انطلاقاً من بيان الحوار الوطني في بعبدا الذي شكل مظلة وطنية سياسية للحكومة والمسؤولين للقيام بواجباتهم لحماية الوطن، إلا أن مصادر وزارية تتحدث عن تململ في صفوف بعض الوزراء لجهة البطء في اتخاذ القرارات والتعامل مع الأزمات ومطالب المواطنين بسبب الخلاف بين بعض الوزراء واعتبارات سياسية ومصالح مالية واقتصادية.

وكانت لافتة تغريدة الوزير حب الله التي توجه فيها الى رئيس الحكومة حسان دياب، بالقول: “دولة الرئيس، أرجوك سمّي الأمور بأسمائها وبالأخص من يعرقلون عملنا الحكومي، مُدّعين الحفاظ على البلد، ويختلقون الحجج والبراهين، ويصوّرون الحلول والأرقام، وهم يودون الانقضاض على مقدرات لبنان ويرهنونه للخارج، ويطيرونك انت والحكومة عبر ضرب سعر الليرة، وتأجيج وجع الناس اللي ما بقى فيها”. أضاف: “إننا مسؤولون! وعلينا واجبات تجاه الناس. ونحن منهم ومعهمسنلاقي المواطنات والمواطنين في قهرهم، وسنجترح الحلول. ولن تكفي بلسمة الجراح التي هي جراحناوان لم نستطع فعلينا …”.

وفي موازاة تصريح السفيرة الأميركية في لبنان، برز كلام لمديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، يتلاقى مع المواقف والضغوط الأميركية على لبنان، بقولهاإنه لا يوجد سبب حتى الآن لتوقع حدوث انفراجة للأزمة الاقتصادية في لبنان”. ما فسرته مصادر على أنه تنصل من قبل صندوق النقد من مساعدته للبنان وتماهٍ في الضغط على لبنان، ما يهدد فشل المفاوضات مع الحكومة ويطيح بأموال الصندوق وسيدر معاً. وذكرت المصادر في هذا الاطار بكلام رئيس الحكومة بأن «علينا الاعتماد على أنفسنا».

وعلمت «البناء» أن الحكومة تبذل جهوداً دؤوباً لمعالجة أزمة الدولار، لأن الحكومة تدرك بأن سلاح الدولار سيكون أداة المؤامرة الخارجية الداخلية لإسقاط الحكومة وإسقاط البلد، وتتحدث مصادر عن سيناريو شبيه بـ 17 تشرين الماضي، عبر استخدام الدولار لإشعال الشارع وإسقاط الحكومة لتعميم الفوضى وإدخال لبنان بمزيد من الاستنزاف».

وفي هذا الإطار تواصل الحكومة الضغط على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لدفعه لمعالجة الأزمة كما سبق وأكد رئيس الحكومة بأن سلامة هو المسؤول عن أزمة الدولار وتثبيت سعر الصرف.

ورأس الرئيس حسان دياب في السرايا الحكومية عصر امس، اجتماعاً مالياً حضره ووزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمه وسلامة والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم. وأكد سلامة بعد الاجتماع أن «المصرف أطلق المنصة الإلكترونية التي ستنظم التداول بين الصيارفة على أسعار العملة، وينضم إليها كل الصيارفة المرخصين». وأشار إلى أنه «خلال أول جلسة اليوم، حصل تداول بين بيع وشراء بأكثر من 8 ملايين دولار، بسعر صرف بين 3850 و3900 ليرة»، موضحاً أن «هذه المنصة ستتفعل أكثر، وستكون المرجعية الأساسية للسوق المتعلقة بتبادل الأوراق النقدية، بين العملات الأجنبية بالأخص الدولار، والليرة». وفي ما يتعلق بالسوق السوداء شدّد، على أن «البنك المركزي اللبناني، كما أي بنك مركزي في العالم، لا إمكانية لديه لمقاربة هذه السوق، التي تأخذ دعاية أكثر مما تستأهل، لأن الحركة فيه ضئيلة وغير منظمة».

من جهته، أعلن وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمه، «أننا بصدد تحضير خطة وسيبدأ تنفيذها الأسبوع المقبل، حتى نقلل على المواطن أثر زيادة سعر الصرف، وذلك عبر توسيع لائحة المواد الأساسية الغذائية وغيرها التي ندعمها»، وقال: «سنأخذ فوق الـ 200 سلعة وسندعمها بالسعر نفسه أي 3200 ليرة». أما المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، فأشار إلى أننا «أنشأنا غرفة عمليات لتلقي الشكاوى حول السوق السوداء للدولار وتم توقيف أكثر من 150 صرافاً شرعياً وغير شرعي حتى الآن». وكشف اللواء ابراهيم أننا «سنضع آلية بالتنسيق مع وزارة الاقتصاد لنتأكد ان المواد المدعومة توزّع ولا تُخزن لأن المطلوب أن يستفيد المواطن من السلة المدعومة من وزارة الاقتصاد وحاكمية مصرف لبنان وعملنا مراقبة هذا الموضوع».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى