خيوط الفتنة في تصريحات السفيرة الأميركية و»شيفرة» الأعمال المهدّدة للسلم الأهلي
معن حمية _
السياسات الأميركية تجاه لبنان، لا تدع مجالاً للشكّ بمقاصدها وأهدافها التي هي ضدّ مصلحة لبنان واللبنانيين. وهذا ما يظهر جلياً من خلال العقوبات الاقتصادية، والمواقف التي يطلقها مسؤولون أميركيون، وآخر المواقف ما صدر عن السفيرة الأميركية دوروثي شيّا التي أعلنت أنّ بلادها تسجل «تحفظات جدية حيال الحكومة اللبنانية» وحمّلت حزب الله مسؤولية تردّي الأوضاع الاقتصادية ـ المعيشية، ما اعتبره كثيرون تدخلاً سافراً في الشؤون اللبنانية وتحريضاً على فتنة داخلية، تنسج الولايات المتحدة خيوطها بعناصر الفوضى.
واضح أنّ السفيرة الأميركية تُتقن جيداً أداء الدور الموكل اليها، فتصريحاتها خلال الأيام الماضية القليلة، لا تختلف عن المواقف التي يطلقها مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنيكر، ما يؤكد بأنها تعبّر عن حقيقة الموقف الرسمي الأميركي وعن توجّه ومقاصد السياسات الأميركية تجاه لبنان.
اللافت في تصريحات السفيرة شيّا، هو تكرار القول بأنّ بلادها ما زالت تقيّم الحكومة اللبنانية، بسبب دعم حزب الله لهذه الحكومة، وهذا يعني أنّ الولايات المتحدة، تربط وقف حربها الاقتصادية على لبنان، بتخلي لبنان عن عناصر قوته. وهذا الموقف الأميركي ينسحب حكماً على صندوق النقدي الدولي، وعلى لبنان أن لا يُفاجأ حين يعلن الصندوق: «لا مساعدات بلا بإملاءات شروط»، وهذا اتجاه صار شبه مؤكد بعد التصريح الأخير لرئيسة الصندوق كريستينا جورجيفا.
العارفون بمرامي السياسات الأميركية تجاه لبنان، يدركون أنّ مواقف السفيرة شيّا وغيرها من المسؤولين الأميركيين، هي لمصلحة العدو الصهيوني الذي يرى في المقاومة، تهديداً لمشروعه الاحتلالي والتوسعي، ولا ينفكّ عن القيام بكلّ المحاولات لتفكيك عناصر قوة لبنان، التي أنتجت معادلة الردع القوي بوجهه.
وعليه، فإنّ النفور الوطني الحادّ رفضاً للمواقف الأميركية، ليس لأنّ السفيرة الأميركية تواقحت وحرّضت على المقاومة فحسب، بل لأنها لامست الخط الأحمر الوطني الذي يشكل تجاوزه مساً بالوحدة الوطنية وتهديداً للسلم الأهلي. في وقت لا يزال لبنان يعمل لفكّ «شيفرة» الأعمال والاعتداءات التي انطلقت في ذكرى الاجتياح الصهيوني للبنان تحت عنوان «نزع سلاح المقاومة».
إنّ ما حدث من أعمال مخلة بالأمن ومهدّدة للسلم الأهلي، تنكّر له أصحاب المطالب المحقة، واستنفرت الدولة لمؤسساتها وأجهزتها العسكرية والأمنية والقضائية لمواجهته، واستدعى لقاءً وطنياً دعا اليه رئيس الجمهورية في بعبدا تحت عنوان تعزيز الوحدة الوطنية وحماية السلم الأهلي. ورغم ذلك، آثرت السفيرة الأميركية العزف على وتر الفتنة. وهذا ما يطرح علامات استفهام حول مقاطعة اللقاء الوطني من بعض القوى المرتبطة بأميركا.
مواقف السفيرة الأميركية، بما انطوت عليه من تحريض فتنوي يمسّ الوحدة الوطنية، يجب أن لا يمرّ عرضياً، وإذا كان قرار قاضي الأمور المستعجلة في صور غير كاف لتطبيق إجراءات الحجر على تصريحات السفيرة الأميركية، فإنّ مسؤولية الدولة اللبنانية، خصوصاً في هذا الظرف الدقيق، أن تفعل شيئاً بهذا الخصوص وإلزامها باحترام المواثيق والأعراف الدولية التي تحكم العمل الدبلوماسي. وأن يكون هذا الإجراء رسالة لأميركا التي سارعت خارجيتها الى إصدار موقف تحريضي ضدّ المقاومة والحكومة في آن.
امّا وقد «تبلغت» الحكومة اللبنانية، بواسطة تصرحيات السفيرة الأميركية، أنها لا تزال خاضعة للتقييم أميركياً، فعليها أن تعتبر هذا «التبليغ» مقدّمة لما سيصدر عن صندوق النقد الدولي لاحقاً، وبالتالي فلا بدّ أن تتخذ الحكومة اللبنانية إجراءات سريعة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، بلجم ارتفاع الدولار الأميركي، والقيام بالخطوات المطلوبة، لتعزيز علاقاتها مع سورية ودول المشرق، وأن تذهب باتجاه التساند المشرقي اقتصادياً وسياسياً، واعتماد خيار التوجه شرقاً، وهو الخيار الذي تقيم أميركا الدنيا ولا تقعدها رفضاً له، لأنها تدرك بأنه يعود بالخير والازدهار على لبنان.
ما كشفته السفيرة الأميركية، يجب أن يشكل دافعاً للحكومة اللبنانية للسير في خيارات اقتصادية تحقق مصلحة لبنان واللبنانيين، وأن لا يكون لبنان جزءاً من حصار سورية، ولا شريكاً في صفقة القرن لتصفية المسألة الفلسطينية.
إنّ الولايات المتحدة التي لم تدع أحد مواطنيها يتنفس، فقتلته، لن تكترث باللبنانيين إنّ جاعوا… ولن يجوعوا.
*عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي