مقالات وآراء

السعودية وإشكالية التوجهات الشرق أوسطية

} د. حسن مرهج

للوهلة الأولى يبدو أنّ البعض لا يزال يرى في السعودية قوة سياسية واقتصادية شرق أوسطية، حتى أنّ بعض هؤلاء ذهب بعيداً في تصوّراته، ليصل إلى نقطة استهداف السعودية من قبل قوى إقليمية، بُغية إخراجها من المعادلة الشرق أوسطية، لكن الحقائق المنطقية تؤكد وفق التغيّرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، بأنّ السعودية لم تعد ذاك الرقم الصعب، ولم تعد قوة سياسية ذات تأثيرات إقليمية أو دولية، حتى أنّ قوّتها الاقتصادية آيلة للسقوط الكامل، وهذا ما تؤكده الكثير من التقارير الاقتصادية التي تصدر من كبرى مراكز الأبحاث الدولية، فضلاً عن لسان حال السعوديين أنفسهم، فهذا وزير المالية السعودي محمد الجدعان، الذي قال في مقابلة مع قناة «العربية» السعودية، «إنّ المملكة يجب أن تخفض مصروفات الميزانية بشدة وتقوم بإبطاء تنفيذ بعض المشروعات الحكومية ومنها مشروعات ضخمة لتقليل الإنفاق؛ نظراً لانخفاض الإيرادات النفطية لأقلّ من النصف وتراجع الإيرادات غير النفطية بسبب الإغلاق في إطار إجراءات مكافحة كورونا.

أكثر من ذلك، فقد كان الجدعان صريحاً لدرجة أنه قد يواجه ذات المصير الذي واجهه جمال خاشقجي، حيث قال «سنتخذ إجراءات مؤلمة للتعامل مع آثار فيروس كورونا»، وقد كشف للمرة الأولى عن وجود قرار باقتراض 220 مليار ريال سعودي (نحو 60 مليار دولار) بزيادة 100 مليار ريال (27 مليار دولار) عما كان مخططاً له قبل جائحة كورونا، وسحب 115 مليار ريال أخرى (نحو 32 مليار دولار) لسدّ العجز في الميزانية الحالية الذي سيصل إلى 112 مليار دولار.

ما سبق بكلّ تأكيد يُشكل المسمار الأخير في نعش السعودية، ولا نُنكر إطلاقاً أنّ هذا الأمر قد يطول لكنه آتٍ لا محال، خاصة أنّ الدور الوظيفي للسعودية في المنطقة لم ينتهي أمريكياً بعد، ولا بدّ من استثمار آخر ريال سعودي في مشاريع متعددة كالتطبيع مع «إسرائيل»، بدليل القرار الأخير المتعلق بحذف اسم السعودية من القائمة السوداء للأطراف التي تتسبّب في إلحاق الأذى بالأطفال، والمُثير أنّ القرار صدر من منظمة الأمم المتحدة «الأميركية». ما يعني أنّ هناك مؤشرات واضحة على أنّ الدور السعودي في المنطقة لم ينته، كما أنّ واشنطن تُهندس مساراً سيؤدي بلا أدنى شك بالسعودية وحكامها إلى التشظي والاندثار.

كثيرة هي الحقائق التي تؤكد أنّ المنظومة السعودية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، باتت مهترئة إلى حدّ كبير، فالاستهداف للمواقع النفطية السعودية من قبل أبطال اليمن، يُميط اللثام عن هشاشة قوة الردع السعودية، لدرجة أن صواريخ باتريوت الأميركية كانت بمثابة الدمية، ولم تتمكن من التصدي للصواريخ اليمنية، على الرغم من أنّ مُشغلي هذه المنظومات الصاروخية هم أميركيون، وأكثر من ذلك، فقد أثبتت الحرب على اليمن أنّ السعودية وجيشها لم يتمكنوا من تحقيق أيّ نصر ميداني، يُمكّن السعودية من استثماره، ولعلّ المشاهد التي بثتها المقاومة اليمنية للكتائب السعودية التي أُسرت على يد أبطال اليمن، تؤكد بأنّ الجيش السعودي بات بحكم المنتهي عسكرياً، على الرغم من الحماية الأميركية «الوهمية» له.

في ذات الإطار، كشفت جائحة كورونا أنّ النظام الصحي في السعودية وكذا الاقتصادي، لم يكن ينقصه سوى كورونا لتقصم ظهره، وبناءً على ذلك، يبدو واضحاً انّ محمد بن سلمان الذي سعى بقوة لتعزيز قبضته على الحكم، ستتبخر أحلامه في سراب الصحراء، الأمر الذي سينعكس حُكماً على توجهاته الخارجية، ومُجمل سياساته الاستراتيجية في الشرق الأوسط، فقد انتهج محمد بن سلمان سياسة هجومية ضدّ إيران وغالبية دول المنطقة، وتحديداً تلك التي تؤرق السياسة الأميركية، في مقابل سعي سعودي حثيث للتحالف أكثر وأكثر مع «إسرائيل»، كما أنّ حرب اليمن هي التي أضرت بسمعة المملكة خارجياً أكثر من غيرها. حرب تسبّبت في مقتل أكثر من مائة ألف شخص، ونزوح الملايين، إضافة إلى تفشي المجاعة في ظلّ وضع إنساني كارثي. ودُمّرت أكثر من 3000 مدرسة، وانهار النظام الصحي. نصف سكان اليمن  يعانون من سوء التغذية أو الجوع.

بقي أن نقول، إنّ صحيفة «تاغسشبيغل الألمانية» رصدت تراجعاً للدور السعودي على المستوى الإقليمي، وهو ما لا يظهر اتجاه إيران فقط، ولكن أيضاً أمام قطر، وأضافت الصحيفة أنّ «قطر لا تفكر في الانحناء أمام الرياض، الجار القوي المزعوم. وهو ما يشكل ضربة قوية لمحمد بن سلمان وكشفت له حدوده الحقيقية». واستطردت الصحيفة بشأن اليمن موضحة «لا شك أنّ ابن سلمان أدرك منذ فترة طويلة أنه لا يمكن كسب هذه الحرب بالوسائل العسكرية، وأن التدخل في اليمن قد فشل، لكن الانسحاب هكذا ببساطة أمر غير وارد بالنسبة له، لأنّ ذلك سيعني فقدان ماء وجهه، من جهة، وترك الحديقة الخلفية للسعودية مفتوحة لإيران من جهة أخرى».

وبالتالي، من الواضح أنّ السعودية كنظام حُكم، في طريقه للانهيار الحتمي داخلياً وخارجياً، وما سيُعجّل بانهياره التقارب مع «إسرائيل»، فالشعوب لا ترحم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى