مقالات وآراء

‎5‎‏ تموز 1975‏ وأفواج المقاومة اللبنانية «أمل»‏

} د. خليل حمدان*

الخامس من تموز من العام 1975، محطّة شكّلت منعطفاً ومتحوّلاً في آلية الإعداد والاستعداد لمواجهة الاعتداءاتالإسرائيليةعلى لبنان بشكلٍ عام وجنوبه بشكل خاص، إذ إنّ الإمام المغيّب السيّد موسى الصدر حدّد اتجاه البوصلة للسلاح باتّجاه الجنوب للدفاع عن حدود الوطن من الأطماع الصهيونية، وإنْ كانت مقتضيات العمل المقاوم تتطلّب درجة عالية من السريّة طبقاً لمقتضيات المرحلة. فإنّ استشهاد 26 مجاهداً وجرح 43 آخرين من مجاهدي هذه الحركة استدعى نقلهم إلى مستشفيات لبنان من بعلبك إلى زحلة إلى بيروت ودمشق. كلّ ذلك دفع الإمام الصدر إلى إماطة اللثام عن الدورات العسكرية، وأعلن ولادة أفواج المقاومة اللبنانيّة أمل لقتالإسرائيل”. وخلاصة الأمر أنّ أحد المدرّبين كان يشرح للمتدرّبين على مواصفات الألغام المضادة للدروع، وهو يحمل بين يديه أحد هذه الألغام، وأثناء تحلّق الأخوة المتدرّبين حوله ولسببٍ ما، انفجر اللغم وكان ما كان، حيث ارتفع شهداء الى باريهم، وجرحى يحاولون إسعاف بعضهم بعضاً. وكانت الوصية: “كونوا مؤمنين حسينيين”… جاء هذا الانفجار في ظروف لبنانية داخليّة بالغة التصعيد، إذ إنّ نزف جراح الوطن باتت تهدّد الوحدة الوطنية. وبقيت عين الإمام الصدر على الوحدة الوطنية التي هي حسب تعبيره، أفضل وجوه الحرب معإسرائيل، بدءاً من القضاء على الفتنة الداخلية. سبق انفجار لغم عين البنيّة اعتصام الإمام الصدر في العامليّة في 26 حزيران 1975 حيث انتهى هذا الاعتصام في الثاني من تموز 1975 بعد تحقّق عدد من المطالب. غادر الإمام الاعتصام ليداوي جراح الوطن من الفتنة التي عصفت، وكانت وجهته البقاع الذي أحبّ على أثره تدهور الوضع في دير الأحمر وغيرها من المناطق. وعمل على بلسمة الجراح رافضاً الاقتتال الداخلي الطائفي. فبقي الإمام لأياّم متنقلاً من بعلبك إلى دير الأحمر، ومن حوش الأمراء إلى الفرزل، ومن العين إلى عرسال إلى القاع، ثمّ جولات لمصالحات داخلية في النبي شيت وسواها وهو يطفئ لهيب نار الفتنة في البقاع. جاء خبر لغم عين البنيّة الذي استقبله الإمام الصدر بصبرٍ وتجلّد، وبألمٍ وأمل كبيرٍ بالنصر المبين. أراد الإمام الصدر ان يقول إنّ الأولوية لصيانة الحدود التي هي بمثابة الجلد للجسد، فإنّ التهابه لا يعفي باقي الجسم من المرض حتى الموت. وكانت الدعوة لحمل السلاح لقتال الأعداء. أمّا وجوده في الداخل باستخدامه بين أبناء الوطن، نقمة وليس نعمة. وهنا لا بدّ من قراءة واقعية وموضوعية لمواقف رجلٍ نذر نفسه من أجل المحرومين والمعذّبين على مساحة لبنان، حتى بات أمل هؤلاء المعذبين وصرخة في وجه الطغاة. ولذلك كانت هذه المرحلة عصيّة على الاختزال، لما فيها من غزارة في العطاء وسموّ في التضحيات.

ومن هنا نورد الملاحظات الآتية:

ـ إنّ إعلان ولادة أفواج المقاومة اللبنانية أمل بمناسبة انفجار لغم عين البنية، لا يعني أنّها الدورة الأولى التي شهدت إعداد كوادر عسكريين بإشراف الإمام الصدر والشهيد مصطفى شمران وعدد من كوادر الحركة في تلك المرحلة، إنّما سبقها دورات كثيرة في اليمونة وجنتا، ودورات داخل القرى والمدن، وخاصة في الشياح. وكان من المقرّر سرّية الإعداد والتدريب. ولكنّ انفجاراً بهذا الحجم أماط اللثام عن هذا الحراك العسكري.

ـ ثانياً: إنّ المقاومة انطلقت بشكل مبكرٍ وبطريقة احترافية واستباقيّة على احتلال الأرض، حيث يؤكد الإمام الصدر في كلامه في بلدة الطيبة عند استشهاد تلميذ مؤسسة جبل عامل فلاح شرف الدين وشقيقه ووالده والشهيد محمود قعيق في اليوم الأول من العام ،1975 اعتبر الإمام أنّ المدماك الأول لهذه المقاومة كان في مواجهة الكومندسالإسرائيليعند اعتدائه على بلدة الطيبة وباستمرار الاعتداءات، كان تموضع الحركة في بنت جبيل، تلة شلعبون وتلة المشتي وفي الطيبة وفي القنطرة عام 1977، يؤكد استمرار عمل المقاومة قبل العام 1978ومن بعد العام 1982. وما مواجهات تلّة ربّ ثلاثين والطيبة في 3 آذار 1977وسقوط شهداء كبار وفقدان أحد الأخوة نتيجة لمسافة الاشتباكات القريبة مع العدو الصهيوني وعملائه. وكذلك أثناء الاجتياح 1978 وبعده، حيث سطّر مجاهدو حركة أمل بطولاتٍ رائعةً، على رأسهم الشهيد موسى بدّاح، الذي قام بعملياتٍ بطوليةً خلف خطوط العدوّ. جاءت تضحيات حركة أمل من الشهداء قادة المقاومة واستشهاديّيها إلى سائر الأخوة والأخوات الذين سطّروا أروع الملاحم والبطولات، من خلدة وحتى يومنا هذا، حتى باتت القرى والمدن معاقل للمقاومة والمقاومين الذين لم يرهبهم العدوّ بقبضته الحديدية، ولا المعتقلات التي زجّ بها المئات من إخواننا وأخواتنا في أفواج المقاومة اللبنانية أمل وسائر القرى الوطنية والإسلامية من لبنان وفلسطين وأخوة عرب أيضاً.

إنّنا اليوم، اذ نتحدّث عن المقاومة وتاريخها ليس على سبيل الذكرى او الحنين الى ماضٍ، بل لنؤكّد أنّ هذه المقاومة باقية بماضيها الذي بات ذاكرة لنا والحنين لإمامٍ نذر نفسه لله وبذر وقته وراحته على درب المحرومين، ومن أجل لبنان، كلّ لبنان. هذه المقاومة شكّلت في فكر الإمام الصدر خياراً استراتيجياً درءاً لخطر العدو الصهيوني الفكري الإجرامي وأحلامه التوسّعية. وإذ كانت هذه المقاومة ضرورة كردٍّ على تحدّياتٍ تستهدف لبنان من حدوده الجنوبية الى شماله. وان كان الاستهداف عامّاً من كفرشوبا ومسجدها إلى المخيّمات إلى مطار بيروت عام 1968، فإنّ هذا الاستهداف ما زال قائماً. ولذلك فإنّ مناسبة 5 تموز يوم شهيد أمل هي دعوة لمكوّنات المجتمع اللبناني ومؤسّساته وهيئاته، للتمسّك بخيار المقاومة، لأنّ الأسباب الموجبة ما زالت هي هي، بل تضاعفت المخاطر مع تطوير العدوّ لآليته العسكرية، وارتفاع منسوب تهديداته، إضافة الى نوعية هذا الاستهداف تحت عنوان صفقة القرن، الذي هو محاولة لتوجيه صفعة الى القضية الفلسطينية، وصولاً الى تصفية هذه القضية برمّتها، وتالياً الإجهاز على الحدّ الأدنى من التضامن العربي المتهالك، حتى باتت تتنازل بعض الدول العربية إلى أبعد بكثيرٍ ممّا تطلبه الإدارة الأميركية، لتأتي هذه التنازلات مطابقة لمواصفات مطامع الكيان الصهيوني. ولذلك وبمناسبة يوم شهيد وجريح أمل الذي كتب أحد المجاهدين بدمه على ورقة: “كونوا مؤمنين حسينيين”. في هذه المناسبة تؤكّد الحركة، كما قال الإمام المغيّب السيّد موسى الصدر: “إسرائيل شرّ مطلق، ومواجهة العدو واجبة، وفلسطين هي المكوّن الجمعي للعرب والمسلمين والأحرار في العالم، واذا تخلّى المسلم او المسيحي عن القدس فهذا بمثابة التخلّي عن القرآن والإنجيل”. وهذه الحركة التي ضربت أروع الأمثلة بالأفعال لا بالأقوال، فعلى الدرب سقط شهداء من أخوة وأخوات وجرحى ومعوّقين، فإنها مستمرّة على هذا الدرب ليستبشر الشهداء بالذين لم يحلقوا بهم، معاهدين المضيّ على درب المقاومة ورفع الحرمان عن أهلنا من الماضي الى الحاضر، والمقاومة باقية باقية باقية، كما أعلن الأخ الرئيس نبيه برّي من سدّة رئاسة المجلس النيابي، وهي ثقافتنا وخطّنا في هذه الحركة الرائدة.

*عضو هيئة الرئاسة لحركة أمل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى