نقاط على الحروف

ماذا عن حياد يستثني كيان الاحتلال؟

 ناصر قنديل

لا نريد من هذه المقالة إصدار أحكام ولا توجيه اتهامات، بل نريد مناقشة الفرضيّة التي ألحق بها البطريرك بشارة الراعي دعوته لإعلان حياد لبنان، وتطبيق القرارات الدولية واستعادة لبنان دعم أصدقائه، كما ورد في عظته المخصصة للحياد. والفرضية الملحقة تقول إن الدعوة للحياد تستثني كيان الاحتلال، ليصير السؤال البديهي عقلياً عن إمكانية حياد يستثني كيان الاحتلال، وما هي مترتبات هذا الاستثناء على دعوة الحياد نفسها، وفرصها في التحقق، بعيداً عن مناقشة تنحو باتجاه التساؤل والنقاش في جوهر فكرة الحياد، ومعانيها ودرجة صدقيتها، وفي سؤالنا عن إمكانية حياد يستثني كيان الاحتلال سنتناول فقط ثلاثة عناوين من عديد منها يشبهها.

العنوان الأول هو أن لبنان يتعرّض يومياً لانتهاكات لسيادته من جانب جيش كيان الاحتلال، خصوصاً على صعيد مواصلة طائرات جيش الاحتلال استعمال الأجواء اللبنانية للتجسس والأعمال العدوانية، والانتهاكات الموثقة وفقاً للجيش اللبناني بالآلاف سنوياً، فهل يمكن للحياد أن يوفر مظلة حماية للبنان من هذه الانتهاكات، التي تحظى بحماية قانونية توفرها واشنطن في كل المحافل الدولية. وقد لمست الدبلوماسية اللبنانية حسياً، كيف أن كل شكوى تتقدم بها إلى مجلس الأمن الدولي يتم تعطيل فرصها بالتحول إلى القرار والإدانة على مدى ثلاثة أرباع القرن، وأحياناً يتعذر نيل فرص العرض والنقاش، بقرار أميركي لا يتردد بالتحول إلى فيتو عندما يبدو أن المناخ الدولي يتّجه للتضامن مع مظلومية لبنان، فهل يمكن لحياد على الطريقة السويسرية التي أشار إليها البطريرك كمثال، أن يتضمن تزويد الجيش اللبناني بدفاعات جوية تمنع طيران جيش الاحتلال من دخول أجوائنا السيادية؟ وهل أصدقاء لبنان الذين قصدهم البطريرك في دعوته مستعدون لتزويد الجيش بهذه الدفاعات، وإن لم يفعلوا هل تتيح دعوة البطريرك فرصة طلب هذا النوع من السلاح من غير هؤلاء الأصدقاء دون اعتبار ذلك عزلاً للبنان عن أصدقائه، وعن المجتمع الدولي؟

العنوان الثاني، إن للبنان قضية جوهرية وطنية ودستورية مطروحة اليوم على الطاولة، تتصل بالسياسات الدولية، خصوصاً الآتية من الذين قصدهم البطريرك بالإشارة لأصدقاء لبنان، فمشروع حل القضية الفلسطينية وفقاً للرؤية الأميركية معلن ويتضمن تجاهلاً لعودة اللاجئين، ودعوة لتوطينهم، ولبنان موحّد على إجماعه نظرياً برفض التوطين والتمسك برفض أي حل للقضية الفلسطينية يتضمن التوطين، وليس خافياً أن جزءاً أساسياً من الضغوط الاقتصادية التي يتعرّض لها لبنان، يتصل بمحاولة إضعافه لمساومته على مقايضة التوطين بالدعم المالي لتخطي أزماته، واستثناء كيان الاحتلال من دعوة الحياد يفترض أن يشمل استثناء حق لبنان بمواجهة مشاريع التوطين، والإدارة الأميركية هي المعني الرئيسي بهذه المواجهة، لأنها صاحبة مشروع صفقة القرن علناً، فهل تشكل دعوات الصمود بوجه الضغوط الأميركية، والتمسك بعناصر القوة التي تحول دون هذه الضغوط، تطبيقاً لمضمون استثناء كيان الاحتلال من دعوة الحياد التي أطلقها البطريرك، وبالتالي لا تشملها الاتهامات بعزل لبنان، ولا بحصار الشرعية فيه؟

العنوان الثالث، إن الضغوط الراهنة المالية والاقتصادية، والتي وصفتها دعوة الحياد قبل الاستثناء، بنتاج لعزل لبنان عن أصدقائه، فما هو موضوع هذه الضغوط وفقاً لأصحابها، وقد تحدث كل من وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو ومعاونه ديفيد شينكر عنها، فقال الأول إن امتلاك حزب الله للصواريخ الدقيقة يهدد مستقبل وأمن كيان الاحتلال، المستثنى من دعوة الحياد كما يقول التوضيح، والضغط يهدف لتأمين راحة الكيان من القلق الذي تسببه هذه الصواريخ، أما معاون الوزير ديفيد شينكر فقد تناول الوضع المالي الضاغط على لبنان وقال بصورة لا تحتمل التأويل، إنه بموازاة معاناة اللبنانيين هناك ثروات واعدة في البحر في مجال النفط والغاز هي موضوع نزاع مع كيان الاحتلال، وأن واشنطن قدّمت للبنان تصوراً لحل هذا النزاع، والمطلوب من اللبنانيين قبول هذا التصور، ليتخلصوا من هذه المعاناة، فهل يشمل استثناء كيان الاحتلال من الحياد، دعم تمسك لبنان بحقوقه السيادية في ثرواته البحرية التي يهدرها السيد شينكر بالتصور الذي يدعونا لقبوله؟

في الخلاصة يجب الاعتراف أن لا مشكلة فعلية بين لبنان والسياسات الأميركية التي تفسر العزلة التي يشكو منها البطريرك، إلا تلك التي ترتبط بكيان الاحتلال، من قضية التوطين إلى الانتهاكات التي تمس السيادة اللبنانية وصواريخ المقاومة وترسيم الحدود البحرية، فإن تمسكنا باستثناء كيان الاحتلال من دعوة الحياد كوصفة لفك العزلة التي تحدث عنها البطريرك، سيسقط الحياد وتبقى العزلة. وإذا ذهبنا حتى النهاية في الحياد وفك العزلة وتغاضينا عن مطالبنا السيادية التي يشكل التصادم مع مشاريع كيان الاحتلال جوهرها، فعلينا المجاهرة بقبول التوطين، وتسليم أجوائنا وصواريخ مقاومتنا لكيان الاحتلال ليطمئن ويرضى «الأصدقاء» ونقبل ترسيم حدودنا البحرية بما يحقق سيطرة الكيان على ثرواتنا الواعدة فيها، فماذا نختار بين الحياد والاستثناء، وقد صارا وجهاً لوجه، يصعب الجمع بينهما؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى