الوطن

لبنان إلى أين … بين الحياد الملغوم والانشغال بالبحث عن مساعدات لن تأتي؟

 } علي بدر الدين

سألت أنديرا غاندي والدها الزعيم جواهر لال نهرو، ماذا يحدث في الحرب؟ أجابها ينهار الاقتصاد. وسألت: ماذا يحدث بعد انهيار الاقتصاد؟ أجابها: تنهار الأخلاق. وسألت مجدداً: وماذا يحدث أيضاً إذا انهارت الأخلاق؟ ردّ عليها بالقول: وماذا يبقى في بلد انهارت أخلاقه؟ وأضاف: يستطيع الإنسان أن يتعايش في أيّ مجتمع فيه بعض النقص الاقتصادي والغذائي والترفيهي إلا انعدام الأخلاق. السبب أنه من دون أخلاق يسود اللئام والسفلة وتذهب الأعراف والقوانين والخير ويتحوّل المجتمع الى غابة وتنعدم الحياة الكريمة للبشر.

إنّ لبنان اليوم ينزلق الى حرب من نوع آخر هي أقسى وأشدّ وطأة من حروب الجيوش، إنها الحرب الاقتصادية والاجتماعية والصحية والمعيشية، حرب ضروس في مواجهة الفساد والفاسدين وضدّ التفقير والتجويع والطبقة السياسية الحاكمة التي تتحارب على المصالح الخاصة وعلى تقاسم ثروات الدولة ومقدّراتها وعلى رغيف خبز الفقراء ودوائهم وكلّ حقّ لهم في هذا البلد.

هذه الحروب المتواصلة منذ عقود تخللتها حروب ومعارك عسكرية أدّت إلى الانهيار الاقتصادي والمالي والأخلاقي وهو الأهمّ وقد صدق نهرو عندما قال: إنّ انعدام الأخلاق يؤدي إلى إنتاج اللئام والسفلة وسقوط هيبة القوانين والإطاحة بفعل الخير ويتحوّل المجتمع الى غابة، وهذا ما يعيشه الشعب اللبناني الفقير بمعظمه الذي يخضع فعلاً لشريعة الغاب وتحكّم اللئام والسفلة في كلّ مفاصل حياته، والكبير يأكل حق الصغير والقوي السلطوي المستبدّ يصادر حق الضعيف ويذله ويقهره ويجوّعه متى يشاء لأنّ الملك كله تحت سطوته وهو وحده لا شريك له في إدارة شؤون البلاد والعباد والمالك الحصري لمقدّرات الدولة وثرواتها والممسك لخدمات المواطنين بالإكراه والتزوير والظلم والنفوذ السلطوي والقوة.

هذا الانهيار الأخلاقي هو الذي يفرض شروطه وضغطه على اللبنانيين وحرمانهم من كلّ حقوقهم، ومن أجل أن يحصلوا على القليل منها عليهم الالتزام بفرمانات اللئام وشروطهم وأوامرهم ودفع أثمان باهظة من كراماتهم وإنسانيتهم وإشعارهم بالدونية.

إنّ الذي يحصل في لبنان لا يمكن أن يصدّق أو يكون في هذا العالم المترامي حكاماً على هذه الصورة البشعة حيث يتلذذون بتعذيب شعوبهم وينهبون خزائن دولهم ويسطون على أموالهم في المصارف لاعتقادهم انها الملجأ الآمن، أيّ طبقة سياسية أو سلطة تتباهى بإفقار شعبها وتجويعه وتمعن في إذلاله سوى في هذا الوطن؟ أيّ حاكم أو مسؤول أو مؤتمن على المال العام والخاص في أيّ دولة سوى في هذا البلد ينهب أموال دولته وشعبه على عينك يا تاجر ولا يخشى أحداً؟

إنّ لبنان المحكوم من طبقة سياسية لن تقوم له قائمة ولا يمكن لهذه الطبقة أن تبني وطنا ودولة ومؤسسات وقد سقطت سقوطاً مدوياً في امتحانها السلطوي منذ تكوّن هذا النظام المهزوز والملغوم الذي قام على قواعد طائفية ومذهبية تحاصصية وانقسامية، مع حكام عيّنوا في مناصب ليست لهم وعلى خلفيات محاور سياسية خارجية وانقسام طائفي ومذهبي وزعائمي مزمن، ورغم كلّ التداعيات المرعبة التي نتجت عن عناصر تكوّن هذا النظام، وما أصابه من انهيارات متتالية وانزلاقات خطيرة وعقم في المعالجات وتفاقم في الصراعات والخلافات بين المكوّنات السياسية فإنّ مسؤولين وقيادات ومرجعيات سياسية وروحية تبدع في إغراق الشعب في اقتراحات وطروحات ومشاريع ما أنزل بها من سلطان وليس زمانها ولا ضرورة أو قيمة لها ولا جدوى منها اقتصادياً ومالياً ومعيشياً ولا تصلح لبناء وطن العدالة والمؤسسات. انها مشروع سياسي إلهائي انقسامي بامتياز ومنها التسويق لحياد لبنان. هذه الكلمة الفضفاضة التي ترمى بالساحة بتوقيت خاطئ جداً ولأهداف مشبوهة ولخدمة مشروع سياسي خارجي أو داخلي وقبل أن تطمس الدعوة إليها بدأت مؤشرات الانقسام حولها تظهر بوضوح طائفياً وسياسياً وهذا يعني أنها سقطت عندما فقدت الإجماع اللبناني عليها وهي بطبيعة الحال لن تمرّ ولأنّ الحياد عن الحق ولمصلحة الباطل أمر يعقد الأزمات بدلاً من حلها ويأخذ الوطن والشعب إلى مكان أخطر.

كما أنه بحاجة إلى الحوار الوطني الشامل وبالصيغة التي طرح فيها هو اعتراف مقنع به فضلاً عن الإشكاليات المطروحة حول الحوار الوطني الذي هو موضع إشكال وشك وعدم ثقة بالمتحاورين الذين اتحفوا اللبنانيين بحواراتهم التي كانت نتيجتها ما هم فيه لأنّ فاقد الشيء لا يعطيه وهم اعتادوا أن يأخذوا ولا يعطوا.

وفي مقلب الحكومة الذي فقد الشعب اللبناني الأمل فيها وليس له ثقة بوعودها ولا بوهم إنجازاتها وإصلاحاتها التي تحدث عنها رئيس الحكومة حسان دياب والذي أعلن أنها بدأت من أول أيار الماضي ولكن الحق على الشعب اللبناني الذي لا يعرف عنها شيئاً بسبب تقصير الحكومة.

انّ الشعب يا دولة الرئيس ليس بحاجة إلى من يدله على ما تحقق من إصلاحات، انه يحسّ ويتنعّم بها ويلمس وجودها في يومياته ويتباهى بها وهو لطالما تمنى حصولها وتوقعها منكم بعد أن يئس من الحكومات المتعاقبة التي مرّت على هذا الوطن، فهل يراها في السوق السوداء للدولار الذي خرّت العملة الوطنية أمامه صريعة؟ أم في السوق السوداء للمازوت المخزّن في المصافي والمحطات وخزانات المولدات وكبار القوم من السياسيين والتجار وحيتان المال؟ أم في غلاء الأسعار الجنوني أو في السلة الغذائية الضائعة بين التجار غير المفهومة وكيف توزع ومن يستحقها حيث يتساوى في شرائها المقتدر الذي يأخذها من فم الفقراء وإذا وجدت سلعة أو اثنتين أو ثلاثة من أصل أكثر من ٢٠٠ سلعة تمّ الحديث عنها.

هل الإنجازات ظهرت في كشف فاسد كبير او صغير ومحاسبته على سبيل المثال لأنّ في ذلك المدخل لكلّ إصلاح.

لسنا في وارد التصويب والاستهداف لك أو للحكومة ليس عن قناعة بل لأنها الخيار الباقي ولأنّ وجودها قد يكون أفضل من عدمه أو العودة إلى حكومة تصريف الأعمال، وهذا ما أعلنته وكرّرته مرارا أنك لن تستقيل وهذا حقك ومن حق اللبنانيين أن يروا أفعالاً وليس فقط وعوداً وكلاماً مع أهميته لأنه «في البدء كانت الكلمة «كما أنّ ألسنة الناس أقلام الحق ومن حقهم أن ينعموا بوطن آمن ومستقر ودولة تحترمهم وتوفر لهم مقومات الحياة الكريمة واللائقة من دون فساد وجشع ونهب وظلم واستبداد ولو بالحدّ الأدنى، لأننا بالطبع في ظلّ استمرار حكم الطبقة السياسية الجاثمة على الصدور بحق القوّة لن نكون في المدينة الفاضلة أو ما يشبهها.

لست وحدك يا دولة الرئيس ولا حكومتك التي تضمّ وزراء لزوم ما لا يلزم تتحمّلون المسؤولية عما يفتك بالدولة والشعب، مع أنكم اليوم رأس الحربة وندرك انّ الإرث والحمل كبيران  وثقيلان جداً، ولكن هذا لا يعفيكم والحاكمين من المسؤولية المشتركة والإسراع في إيجاد البدائل والحلول وهي موجودة تبدأ مع إقراركم القوانين التي تقوّض الفساد وتلغي سياسة المحاصصة ورمي سلة التعيينات المركبة والموزعة حصصاً لهذا المسؤول أو ذاك في مكبات النفايات المكدّسة في الشوارع والتي يتصارعون عليها لأنها تتحوّل بين أيديهم إلى ذهب، والبحث عن أصحاب الكفاءات والنزهاء بالسراج والفتيلة اللذين عادا بنا الى الزمن الجميل لأنّ حكومتكم ومن سبقكم من حكومات اطفأتم نور الكهرباء وأعميتم أبصار اللبنانيين الذين تظللهم العتمة بفضلكم السياسات العبثية والحرمان من أدنى حقوقهم.

الكلام كثير ولكنه فقد هيبته عند الفجار وتجار السياسة وقد صمّت آذان السياسيين وخرست ألسنتهم ولا يسمعون او يتكلمون إلا مع أنفسهم وأزلامهم وما يؤمّن مصالحهم، ولكننا مصرّون على الكلام الحقّ في وجه حكام وسلاطين جائرة والكلمة انْ نطقت بالحق ودفاعاً عن الفقراء والمحتاجين والمظلومين ستفعل فعلها ولو بعد حين.

والمشكلة الأكبر هي في صمت الشعب الذي لم يحرّك ساكناً وهو في قلب الحرائق عن حقه الضائع والمسلوب من طبقة سياسية صادرت حريته وحقه في العمل والخدمات وهو الذي يئنّ من الفقر والجوع والبطالة والمرض. قد يطول الانتظار الصعب ولكن للصبر حدوداً.

انّ الفرص لا تزال متاحة أمام الحكومة ورئيسها رغم السواد الذي يسدل ستاره على البلد وأنّ طاقة الأمل لا تزال توحي انّ السواد لن يطول بشرط الافادة من مساع محلية وإقليمية ودولية حريصة وقد تكون صادقة ولا تريد لهذا البلد أن ينهار أو لهذا الشعب ان يجوع ويتبهدل.

إنّ إصرار رئيس الحكومة على عدم الاستقالة مهره عال وغال جداً وترجمته تكون النطق بالحقيقة ومكاشفة الشعب بالحقائق والوقائع وتوجيه أصابع الاتهام للفاسدين والضغط عليهم لإعادة ما نهبوه، إنه قرار صعب وعواقبه وخيمة ولكن لا بديل عنه إذا ما أراد البقاء في رئاسة الحكومة، أو يستقيل ويذكر الأسباب والدوافع التي أملت عليه اتخاذ هذا القرار في هذا التوقيت الصعب، حتى لا يفسّر تمسكه بالمنصب حبه له وللشهرة أو مجرد سياسة كيد ونكاية وتحدّ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى