مقالات وآراء

القاضي مكي
يُكرَّم ولا يُحاكَم

 

} منجد شريف

لم يكن مفاجئاً قرار القاضي فيصل مكي بالحجز الاحتياطي على كلّ ممتلكات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. فالذي يعرف القاضي مكي عن كثب، ستكون عنده الثقة العمياء بنزاهة قراره، والمبني على الأسس القانونية ومبادئ العدالة والإنصاف حصراً. ولسنا هنا لنعلل قرار القاضي، لكن في جردة بسيطة لما يمكن أن يستند إليه أيّ قاضٍ حرّ وشريف ونزيه، كان القرار سيتمحور على ما قام به حاكم مصرف لبنان حتى الأمس القريب لجهة بيع الوهم وإخفاء المخاطر المالية الكبيرة التي كانت محدقة بودائع الناس والقطاع المصرفي وما تخلل ذلك من رفع الفوائد على الدولار والليرة وإشاعة أجواء توحي بسلامة الاقتصاد وثبات سعر الصرف، ما أدّى إلى جفاف السيولة من السوق بشكلٍ كبير، وما تلا ذلك من تحويلات لأموال إبان ما سُمّي بالثورة وتعطل عمل المصارف زهاء الأسبوعين وتعطل مقاصتها، وفرض قيود على أموال المودعين في العملتين اللبنانية والدولار الأميركي، والتي عكست جنوناً في سعر الصرف ما زال آخذاً في التصاعد حتى الآن، فضلاً عن التعاميم المتباينة والمتتالية التي أدّت إلى فقدان الثقة بالدولة، والمبالغة في طباعة الليرة اللبنانية ما أدّى إلى تضخمها وضعف قدرتها الشرائية ، الأمر الذي انعكس على كلّ أسعار السلع والخدمات، وعلى معيشة الغالبية من اللبنانيين

كلّ هذا يخوّل أيّ قاضٍ حرّ ونظيف وشفاف، وبناءً على ادّعاء قانوني ان يستند إليه ويتخذ قراراً مماثلاً لقرار القاضي مكي، علماً أنّ هذا القرار الجريء من الأهمية في مكان فيما لو تمّت متابعته لِما له من تأثير في تقويم الاعوجاج الضارب في ااًلكثير من إدارات الدولة ومرافقها الحيوية.

في المقابل نرى أنّ كتلة المستقبل قد خلصت إلى أنّ القرار  غير قانوني، وأصدرت بياناً دعت فيه الى محاكمة القاضي مكي، بينما كان الأوْلى بها أن تنأى عن هذا الأمر القضائي عوض أن تنصّب نفسها محامياً عن الباطل، علماً أنّ القاضي مكي لا ينتمي لأيّ جهة سياسية وتاريخه في الجسم القضائي يُشهد له، وكلّ من يعرفه يشهد بذلك، طائفته العدالة بكلّ وجوهها، وواحدة منها ما ابتليت به الغالبية من اللبنانيين لجهة الحجز على ودائعهم وشقى أعمارهم، فمثل القاضي مكي ترفع له القبعة، ويّكرّم وينوّه به، لا أن يأتي أيّ أحد ليطالب بمحاكمته، بعدما كسر جدار الصمت وأسقط الحواجز الطائفية والسياسية لكي ينطق بالحقّ ويكون عوناً للمظلوم وخصماً للظالم. والمؤكد أنّ قراره مبني على أسس قانونية وهذا ما ستكشفه الأيام، وإنْ لم يلق هذا القرار ما يلائمه في الشبه والنية والمضمون، سيكون للقاضي مكي شرف المحاولة على الأقلّ في هذه اللحظة الحساسة من عمر هذا الوطن الحبيب والمعذب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى