الوطن

عندما يطرح الحياد في خدمة الغرب.. فهل يبقى حياداً؟

 حسن حردان

توقيت إعادة طرح حياد لبنان من قبل البطريرك بشارة الراعي.. هدفه الأساسي، كما يتضح من مضمون كلامه، ليس إقامة علاقات اقتصادية متوازنة مع دول الغرب والشرق في آن، انطلاقاً من مصلحة لبنان، والتأكيد على أنّ من حق لبنان، في هذا السياق، أن يتوجه شرقاً لفكّ الحصار الغربي الذي يخنقه اقتصادياً.. لو كان الطرح كذلك لما أثار علامات الاستفهام والتساؤل، لا سيما أنّ البطريرك لم يأت أصلاً على ذكر ذلك، بل كان همّه الأساسي من طرح الحياد التالي..

أولاً، التصويب على المقاومة في إطار الإسهام في حملة التحريض ضدّها للنيل من معادلات القوة التي فرضتها انتصاراتها وتنامي قدراتها التي تردع العدوانية والأطماع الصهيونية بثروات لبنان..

ثانياً، العمل على عرقلة عودة العلاقات مع سورية إلى طبيعتها ومنع لبنان من التوجه شرقاً لحلّ أزماته الاقتصادية والمالية، وبالتالي منعه من قبول العروض العراقية والإيرانية والصينية.. لأنّ ذلك إذا ما تمّ سوف يحبط الخطة الأميركية لتغيير المعادلة السياسية في لبنان بما يمكّن القوى التابعة لواشنطن من العودة إلى الإمساك بناصية السلطة وتحجيم دور حزب الله المقاوم وحلفائه، على غرار ما حصل في انقلاب 2005 اثر جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.. فالتوجه شرقاً يكسر الحصار الأميركي الغربي، ويخرج لبنان من حالة النزف ويضعه على سكة النهوض باقتصاده، وبالتالي يسقط ورقة واشنطن الأخيرة للضغط على اللبنانيين لتأليبهم ضد مقاومتهم بتحميلها مسؤولية ما يعانون من تدهور في قيمة عملتهم ومعيشتهم.. ليصبح الخلاص بالنسبة لهم بالاستجابة والرضوخ للشروط الأميركية..

ثالثاً، التناغم مع أهداف أجندة الحصار الأميركي المفروض على لبنان.. وهي أهداف لم يخفها المسؤولون الأميركيون، الأمر الذي تجاهله تماماً البطريرك الراعي.. فلم يأت على ذكر الحصار الأميركي الذي يخنق لبنان اقتصادياً، ويستهدف إجباره على الخضوع والاستسلام للشروط الأميركية؟ بل على العكس فإنّ الراعي وجه سهامه إلى حزب الله المقاوم باتهامه بأنهيهيمن جزئياً على الحكومة، ولهذا رأى الراعي أنه يجب تحرير الشرعية منالأسر”.. وهو ما يتطابق تماماً مع الاتهامات الأميركية المغرضة، والتي تزعم بأنّ حزب الله يهيمن على السلطة، وأن حكومة حسان دياب إنما هي حكومة حزب اللهالأمر الذي ردّ عليه دياب من الديمان بوصف ذلك بـالأسطوانة المكسورة”.

ولأنّ هذه هي الأهداف الحقيقية المريبة من وراء طرح حياد لبنان، فإنّ أول من رحب وهلل وأشاد بطرح البطريرك ومواقفه هو حزب القوات اللبنانية، بما يذكر بالاحتضان الذي حظيَت به بكركي من قبل قوى 14 آذار، لتبنيها مطالبثورة الأرزوتشكيلها رأس حربة في الهجوم على المقاومة وسورية وتوفير الغطاء له.. من خلال بيانات بكركي الشهيرة في هذا الشأن

إلا أنّ الوسائل لتحقيق الأهداف الأميركية الصهيونية، في حينه فشلت ولم تؤت أكلها، فلم تنجح وسيلة استغلال دماء الرئيس الحريري والتحريض المذهبي لإلصاق تهمة اغتياله بالمقاومة وسورية وحلفائهما في النيل من المقاومة، كما أخفقت القوة العسكرية الصهيونية في سحق المقاومة في حرب تموز، وأخيراً فإنّ قوى الإرهاب التكفيري فشلت هي الأخرى في إسقاط سورية وتغيير موازين القوى للعودة إلى استئناف الهجوم ضدّ المقاومة ونزع سلاحها.. وجاءت النتائج مخيبة لكلّ من واشنطن وتل أبيب والدول الغربية، حيث أدّت هذه المؤامرات والحرب للقضاء على المقاومة إلى نتائج معاكسة.. فقد زادت المقاومة وحلفائها قوةً واقتداراً

وإذا كان واضحاً للملأ أنّ أميركا أشهرت علناً الحرب الاقتصادية ضدّ لبنان، دولةً وشعباً، وأعلنت الهدف الذي تريده من هذه الحرب، بلا أيّ لبس، وهو وضع اللبنانيين بين خياري.. مواجهة الجوع، أو الاستسلام والتخلي عن مقاومتهم والقبول بالوصاية الكاملة الأميركية الصهيونية..

من هنا نقول: أليس من حقنا أن نسأل عن معنى الحياد اتجاه هذه الحرب الأميركية وأهدافها الخطيرة؟ ولماذا لم يأت البطريرك على ذكر ذلك وتحديد الموقف الذي يمليه عليه الواجب الوطني..

وهل من الممكن أصلاً أن يكون لبنان على الحياد في مثل هذه الحرب، ولا يتصدّى لها ويعمل على رفض الخضوع للأمر الأميركي.. ويعلن التمسك أكثر بعوامل قوته المستهدفة من هذه الحرب، وهي المقاومة وسلاحها الرادع، والمعادلة الذهبيةجيش وشعب ومقاومة، التي حررت الأرض، وتحمي لبنان وثرواته..

إنّ لبنان لا يمكن أن يكون حيادياً إزاء أميركا التي تستهدفه بحرب مميتة لشعبه، أو إزاء العدو الصهيوني الذي لا زال يحتلّ أجزاء من أرضه ويسعى لسرقة قسم من ثرواته النفطية والغازية والمائية، ويريد تصفية قضية فلسطين وفرض توطين اللاجئين الفلسطينيين بعد شطب وإلغاء حق عودتهم إلى وطنهم فلسطين المحتلة.. فأيّ حياد هذا الذي يستهدف إضعاف المقاومة التي حرّرت الأرض وصنعت مجد لبنان، وحققت العزة والكرامة للبنانيين، وتحميهم من عدوهم الصهيوني المتربص بوحدتهم والطامع بثرواتهم..

إنّ هذا الحياد الملغوم والمشبوه والذي كشف الداعون إليه عن أنفسهم بأنهم طرفاً في الحرب ضد المقاومة من خلال التحريض على حزبها باتهامه في الهيمنة على الحكومة، وتحميله مسؤولية الأزمة، لإقصائه وحلفائه عن السلطة، وحرمانهم من حقهم المشروع الذي نص عليه الدستور والنظام البرلماني.. فمن هو الذي يمارس الهيمنة في هذه الحالة.. ويشجع أميركا على خنق لبنان اقتصادياً للنيل من قوة لبنان المجسدة بمقاومته، أليس من يسعى إلى إلغاء تمثيل حزب لبناني وأحزاب أخرى حليفة له، لأنهم يرفضون الإملاءات الأميركية…؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى