مرويات قومية

الرفيق فادي إبراهيم أذكره دائماً بكثير من المحبة والتقدير

 

كنت عرفت الرفيق فادي إبراهيم مفوّضاً لمفوضية وندسور، ورفيقاً يتّقد حماساً واندفاعاً والتزاماً قومياً اجتماعياً.

عندما وصلني نبأ رحيله نشرت الكلمة التالية بتاريخ 25/4/2014.

« بعض الرفقاء وإن لم تلتقِ بهم كثيراً، يقطنون ذاكرتك وأعماقك، وتنشدّ إليهم بالمودّة والاحترام وقد لمست في أعماقهم إيمانهم الوطيد بالحزب، وعرفت عن نشاطهم وتفانيهم.

هكذا الرفيق فادي حنا إبراهيم وقد خسرناه اليوم، لنخسر معه الكثير من حضورنا الحزبي في مدينة وندسور، وكان مجلياً فيها، رفيقاً فمفوّضاً.

لا أذكر أنّ مناسبة أُقيمت في وندسور على صعيد الجالية، لم يكن الرفيق فادي مشاركاً فيها أو مسؤولاً عنها.

فهو، إلى دراسته الجامعية وحيازته شهادة الليسانس في إدارة الأعمال، ممّا أهّله لأن يرتفع في عمله، يتمتع بثقافة حزبية وعامة جيدتين، وبالتزام صادق ومميّز بالحزب.

لم ألتقِ به شخصياً سوى مرة واحدة، إنما كنت «ألتقيه» دائماً عبر البريد الحزبي والاتصالات الهاتفية.

مساء يوم الأربعاء 23 نيسان اتصل بي هاتفياً، عرفت أنّه في بلدته كفرعقا، «وهو وصلها البارحة، بعد جولة في مناطق عديدة في لبنان».

وعد أن يزور المركز ونلتقي، إلّا أنّ وعده لن يتحقّق، فاليوم صباحاً اتصل بي الأمين كمال نادر ليفيدني أنّ انفجاراً دماغياً أصاب الرفيق فادي ليلاً وقد تمّ نقله إلى مستشفى الكورة.

حالته صعبة جداً، قالها لي الأمين كمال وفي صوته حشرجة، «التقيت به منذ أيام قليلة في مدينة القليلة (صور) فيما كنت أغطي مناسبة تشييع الشبل أدون ابن الأمين حسن كمال الدين.. جلسنا لساعات على أن نلتقي مجدداً بعد ان يصل إلى الكورة».

لقد وصلها، وفيها التقى رفقاء، سهر معهم، فرح معهم، ثم رحل.

أمثالك يا رفيق فادي إبراهيم، ليسوا كثرة. لقد عرفتَ الحزب نضالاً ومثالية ومؤسسات. ونهضة ترفض كلّ بالٍ، وتبني للأجمل.

سنذكرك دائماً، وندسور يتيمة برحيلك».

* * *

فيما كنتُ أراجع محفوظاتي عثرت على المقابلة التي كان أجراها الرفيق إبراهيم مع المطران عطالله حنا، وفيها يبدو الرفيق فادي إلى يمين المطران حنا، كما يتوضّح من الصورة أدناه.

« قادم من القدس، عاصمة الأديان، والثقافة والحضارة والمقاومين، حاملاً كلّ عذابات فلسطين في جراحات صليبه، مبشراً بقيامتها من تحت إسفين الاحتلال كما قام سيده الناصري من الموت، مبشّراً بالنصر المولود من رحم الشهادة ووقفات العزيحدّثك.. فلا تنطق الأحرف من بين شفتيه، بل من داخل قلبه العارم بالمحبة والعنفوان معاًوتشعّ عيناه بالبطولة المؤمنة المؤيدة بعدالة القضية وحتمية التحرير.. معه تسكن فلسطين في سواقي شرايينه الحبلى بالحياة: إنّه رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس.. إنّه بطريرك فلسطين المقاومة، المطران عطالله حنا الذي التقاه مفوّض مفوّضية وندسور الرفيق فادي إبراهيم خلال زيارته للجالية هناك وكان معه هذا الحديث الشيّق.

س: سيادة المطران، أهلاً بكم بين أهلكم وأبناء شعبكم.. ماذا حملتم لنا من القدس؟

لكم من القدس وغزة وكل فلسطين، باقة من صمود شعبنا البطل الذي يسبّح الله في كنائسه ومساجده شاكراً له احتضانه لهم. أحمل لكم عنوان وبطولة وصمود أبطالنا المقاومين وجميع أبناء شعبنا على امتداد ساحة فلسطين، بالرغم من إجرام الاحتلال وبربريّته وهمجيته.. والذي يبغى من وراء ذلك تحطيم معنوياتنا ونفسيتنا، كأنّه لم يتعلّم طيلة عشرات السنين من احتلاله المقيت لأرضنا، أنّنا شعب قرّر، ومنذ اللحظة الأولى، أن يحيا بعز ويموت بكرامة، والأهم أن ينتصر.

س: هذا العام أُعلنت القدس عاصمة الثقافة العربية، هل لكم أن تحدّثونا عن نظرتكم لمضمون هذا العنوان؟

في البدء نقول إنّ القدس هي عاصمة فلسطين وكلّ الأمة، فهي العاصمة الروحية الأبدية لكلّ العالم، وهي أيضاً مخزون حضاري ثقافي روحي بامتياز، وتسكن القلوب بدفء بخور كنائسها وتدقّ نفير المقاومة من مآذن مساجدها، فالأقصى والقيامة يجعلان منها عاصمة لكلّ العالم، ومهما حاول العدو تغيير معالمها وتهويد تراثها، فلن يقوى، لأنها تتنفس هواء فلسطين المقدس بهالذا يملك إنساننا الفلسطيني من القوة الإنسانية والمعنوية الكثير الكثير مما تجعله من المكانة للدفاع عن المقدسات والكرامة في أيّ آن

س: كيف ترون هجرة الشباب الفلسطيني إلى عالم الاغتراب؟

مع أني أعلم جيداً أنّ فلسطين وقضيتها تحيا في عقول وقلوب ووجدان أبنائها، أسواء الذين ترعرعوا فيها أو الذين حضنتهم مخيمات الشتات، مع ذلك يقلقني حالة تفريغ الأرض، وأشعر بقوّة أن حرب الوجود بيننا وبين الصهاينة تنطلق من هذا الأمر، الهجرة.. بل قل التهجير الذي هو الغاية من كلّ هذه الحروب المدمّرة التي تشنّها دولة العدو على أبناء شعبنا، وها قد لفظت أنفاسها الأخيرة بعد حرب غزة، إذاً، الثبات في الأرض هو أحد المكوّنات الأساسية لانتصارنا.. وفي المقلب الآخر أشعر بالفرح والاعتزاز حين أسمع عن الأرقام العالية للهجرة المعاكسة لليهود من فلسطين، لذا فإنّ دعم شعبنا ومساندته ومساعدته على الصمود والثبات بالأرض يجب أن يكون له الأولوية في تعاطي المغترب مع شعبنا في الداخل، وإلا نكون قد قدمنا فلسطين هدية مجانية للصهاينة.

س: ماذا عن الإساءة للسيد المسيح وللسيدة مريم العذراء وللديانة المسيحية بشكل عام في التلفزيون «الإسرائيلي»؟

لم ولن يقوى هؤلاء الصغار، ضعفاء النفوس والعقيدة أن ينالوا من قداسة السيدة العذراء أو السيد المسيح أو الرسالة المسيحية القائمة على الصلب والفداء والقيامة من أجل البشركل البشر. فهؤلاء لا يستطيعون أن يفهموا الفرق بين رسالة الانفتاح والمحبة والحياة، ورسالة الانعزال والانغلاق والكراهية.. والموت. وشتّان بين الرسالتَين.. ومن هنا تأتي هذه المحاولات البائسة من قِبل صالبي المسيح بالأمس.. وصالبي فلسطين اليوم لتظهر هؤلاء، للعالم على حقيقتهم وقذارتهم.

س: بوصول اليمين المتطرف إلى الحكم في «إسرائيل» هل سيكون التعامل مع شعبنا في الداخل أكثر وحشيّة وتطرّفاً عمّا قبل؟

كل الحكومات التي جاءت إلى الحكم منذ الاستيلاء على أرضنا، وبالتالي منذ نشوء الكيان اللقيط على أرض فلسطين، كانت تحمل في تكوينها وتصرفاتها ذات الأساليب وذات الأهداف مع فارق التغير في الأسماء، فالعقلية العنصرية المنطلقة من تراث خرافي عدائي متعالٍ عن كافة الشعوب لا ولن تتغيّر

س: هل هناك تواصل بين سيادتكم وسيادة المطران كبوجي، سيما وأن وجوده على متن السفينة الداعمة لشعبنا في غزة التي انطلقت من الساحل اللبناني باتجاه فلسطين كانت مفاجأة للجميع؟

أخي سيادة المطران كبوجي شخصية مناضلة عريقة في صناعة التاريخ الفلسطيني المقاوم المعاصر، فبالرغم من كلّ ما قاساه من عذابات السجون الصهيونية، تبقى عذابات المنفى القسري أشدّ منها إيلاماًفها هو حمل صليبه وركب البحار باتجاه البوصلة التي لم تقوَ السنون على تغيير جهتهاوأيقن الصهاينة ذلك، فعمدوا على وضع العصبة على عينيه لكي لا يتمكّن من رؤية مدن وقرى فلسطين، ولكنهم لم يدركوا أنّ فلسطين تحيا بين صفحات إنجيله وفي داخل أفئدته وبين رموش عينيهوبالمناسبة، لقد تشكّلت مؤخراً لجنة قانونية تضمّ نخبة من كبار المحامين ورجال القانون من جميع أنحاء الأمة والعالم، إضافة إلى كبار رجال الدين المسيحي والإسلامي، للعمل على عودة المطران كبوجي إلى فلسطين.

س: قداسة البابا ينوي زيارة فلسطين المحتلة، ما هو تعليقكم على هذه الزيارة سيّما بعد غزو غزة؟

نحن نرحّب بقداسة البابا، ونتمنى أن تكون ناجحة بأهدافها، هذا من حيث المبدأ العام للزيارة، ولكننا كمسيحيين وفلسطينيين نقول لقداسته بأن لا يرضخ لأية ضغوطات وابتزازات «إسرائيلية»… نطالبه بإعادة النظر بموقف الفاتيكان من إعفاء اليهود من دم المسيح، لأنّ هذا بنظرنا أساسي، والتغاضي بشأنه أولوية دينية قبل كل شيء. وأما بالنسبة لزيارته للأراضي المحتلة، فندعو قداسته لزيارة غزة، التي أصبحت رمزاً ومحجة للنضال الفلسطيني، ليتضامن مع أهلها وليقف بالتالي على حقيقة ما جرى لنا على أيدي برابرة القرن الحادي والعشرين، وأهلاً به في القدس عاصمة المسيحيين والمسلمين حقاً، فكما هي أولى القبلتين عند إخواننا المسلمين، فهي القبلة الوحيدة عند المسيحيين.

س: ماذا عن «صراع الديانات» الذي يطلّ علينا بين الفينة والأخرى؟

ليس هناك صراع بين الديانات، بل بالعكس هناك تكامل. فالديانات يمكنها أن تتحاور وتتفاعل وتتعاون لا أن تتصارع، فكلمة صراع تعني العداء، وتعني الاختلاف العميق، وهذا أمر لا وجود له لأن الديانات في جوهرها واحدة في المرامي والأهداف مهما اختلفت الأساليب والطرق، فهي أديان توحيدية.

س: تجتمع لجان الفصائل الفلسطينية في مصر في سبيل إيجاد نقاط حلّ سياسي للأزمة القائمة بينهم، فهل لكم من تعليق حول هذا الموضوع؟

أتوجّه إلى أخوتي وأحبائي في جميع الفصائل الفلسطينية بطلب واحد، ألا وهو وحدة الموقف المنبثق من وحدة المصير، والنظر إلى القضية من منظار مصلحة الشعب وانتهاء الاحتلال وتحرير فلسطين.. فكفى شعبنا مرارة الاحتلالوليأخذوا العبرة من هذا الصمود التاريخي الذي يجسّده هذا الشعب في كل لحظةنقول لهم فلسطين أمانة في أعناقكم، فكونوا على مستوى هذه الأمانةاقتتالكم يزيد في الجرح.

نحن ندعو من عرف الرفيق فادي إبراهيم إلى أن يكتبوا ما يعرفونه عنه من سيرة ومسيرة، فهو كان مميزاً بأدائه القومي الاجتماعي ويجدر أن يكون له حضوره الجيد في تاريخ العمل الحزبي في وندسور والمهجر الكندي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى