أخيرة

الإصلاح يبدأ بالعقل…!

 

} لواء العريضي

إنّ العقل البشري كتلة من التناقضات المتشابكة بسككٍ عصبيّةٍ عجز الطبّ حتى يومنا هذا عن تفكيك كلّ شيفراته. يتمازج فيه الحب والبغض والخير والشرّ والوهم والمنطق. منه انبثقت أعظم الأفكار وفيه صُنّعَت أبشع الأشرار. فبتنميق الفكرة وإظهارها بصفة المنفعة الشخصية متوائمةً مع مفهوم الفرد للحياة والوجود، تُلاقي القبول عند الشخص وتنتج إنساناً مستعدّاً لبذل كلّ ما يملك في سبيلها. فهكذا دارت الحروب الصليبية بين مفهومَين «صحيحَين» بالنسبة للطرفَين، ومن بعدها برزت ظواهر التطرّف كالنازيين والصهاينة ثمّ داعش والإرهاب التكفيريكلها أفكارٌ متطرفة إلغائية نتاج العقل الإنساني والعصبية الضيّقة.

كلّ فكرة لها مؤيّدوها ومعارضوها ويستحيل جمع البشر للاتفاق على مفهوم موحّد للإنسانية بسبب المطامع والمصالح المتناقضة لشعوب وأمم الأرض. كذلك الأمر على الصعيد الداخلي في أغلب الدول، لا سيّما تلك الحديثة العهد. أفكارٌ كثيرةٌ وخططٌ مثيرةٌ منها ما جُرّب ومنها أفشل من أن يُجَرَّب تسيطر على أواصر المجتمع، وما من حكمٍ على صحّتها سوى التجربة. والتجربة لا تكون إلّا عن طريق الديمقراطية. لكن عند فشل احترام العملية الديمقراطية والآخر، لا يبقى غير الحرب سبيلاً في تقرير المصير. حتى إنّ الحرب في لبنان خرَّبَت ومنعت الوصول إلى أيّ نتيجة، بل قسّمت القرار السياسي في البلد بالتراضي. وبعد ثلاثين عاماً ما زلنا لا نحترم العملية الديمقراطية ونصرّ على الحكم متراضين مع الباطل، حتى أصبح البلد يُقتاد نحو حرب أخرى بحجة احترام الطوائف وعدم المسّ بالتكوين الطائفي للبنان.

اليوم يبرز رجال الدين في الصفوف الأمامية حاملين القضايا السياسية على عاتقهم متناسين رعاياهم وغافلين عن المحبة التي هي في صميم رسالتهم. لكننا ندرك أنّه إذا كان هناك من حلّ فيبدأ في المسّ بإقطاعية الطوائف وسيطرتها على القرار السياسي وحمايتها للفاسدين.

من جهةٍ أخرى، نمّقوا لنا فكرة الغرب والسلام وصوّروها كطريقٍ مزيّن بالورود والمودّة مستغلّين طيبة البعض وإرادتهم بالعيش النعيم. لكن بالحجة والمنطق نذكّرهم بورود النعوش في الشام، ومودّة القتلة في العراق، واستثمار المياه المقدّسة في الأردن وتجويع الناس لضمان «صفقة القرن»، هذا غير عزّ مصر وقوّتها في تقرير مصيرها بين سدّ أثيوبيا، وحرب ليبيا! بتنا نشكّ بأننا مصّاصو دماء نرسل طائراتنا الحربية في جولات استطلاعية وعمليات إرهابية يومياً ضاربين بالحائط جميع القرارات الدولية…! وكأننا وُلِدنا اليوم ولم نتعلّم من التجارب، ولم يمرّ أجدادنا في الأمس القريب بالمعضلات ذاتها، فيريدوننا تجربة الدواء ذاته على المرض عينه الذي غلب كلّ الأدوية من قبل.

لو كنت رجل دين لتعلّمت من الثورة الفرنسية ما هو مصيري، وأدركت أنّ ديني هو لعبادة خالقي وليس لإدراجه كخط أحمر في مجتمعي. لكنت اكتفيت بحثّ رعيتي على محبة الله وخلقه دون تمييز لأنّ اقتتالنا على السماء أفقدنا الأرض.

لو كنت سياسياً مرموقاً للهجت بتصحيح اعوجاج المنطق عند البعض والإثناء على رابط الأرض والوطن قبل رابط الدم. ووحّدت المفاهيم لينجلي الشك والتخبّط فتتّضح الصورة للجميع سواسيةً. فأصحّح ما في العقل قبل النظام، لأنّ الاستثمار بالإنسان يزهر وطناً. ويبقى العقل هو الشرع الأعلى.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى