الوطن

بعد استقالة حتّي… رسالة لباقي الوزراء

 

} روزانا رمّال

استقال وزير خارجية لبنان المعيّن في حكومة الرئيس حسان دياب اثر ملاحظات و»إحراجات» حالت دون تحمله الاستمرار في مهمته على اعتبار أن جزءاً لا يتجزأ من تاريخه الدبلوماسي سلك مساراً «مهنياً» هو أبعد ما يكون عن دخول العالم السياسي الذي رفض حتي ربط استقالته به على الرغم من دخوله الساحة السياسية من بوابة الحكومة، وعلى الرغم من أن الاسباب الموجبة هي سياسية بامتياز سواء تعلقت بمواقف لبنان الخارجية او الممارسة الحكومية او انتقاد بعض الأدوار في الصورة الخلفية للمشهد وفي مقدمتها ببعض الاحيان.

قبول التحدي وعرض التوزير لا يفترض أنه كان خياراً سهلاً في هذه الظروف والذي كان يعوّل كثيراً على إنتاجية سريعة لهذه الحكومة في مثل هذه الظروف المحلية والدولية لا شك أنه كان واهماً و»حتي» الذي يعتبر اكثر الدبلوماسيين خبرة وحنكة يعرف تماماً معنى هذه الحسابات ويعرف ايضاً الساحة الشرق اوسطية المحتقنة وما تطلبه من مواقف كانت يوماً خارج الإجماع اللبناني لكنه قام بها عندما كان سفيراً للجامعة العربية محملاً «النظام السوري المسؤولية التامة عن جرائم الإبادة التي كان يقوم بها إضافة الى تحميله مسؤولية الجرائم الكيميائيّة مطالباً النظام بتسليم المجرمين ودعوة الامم المتحدة بمحاسبته، حسبما كان نص البيان الختامي لوزراء الخارجية العرب الذي تلاه ناصيف حتي قبل ست سنوات تقريباً.. بيان ليس مسؤولاً عنه «حتي» لكنه سياسي بامتياز، تبنّاه أم لم يتبنَّه فهذا الموقف كمثال لم يأخذه نحو الاستقالة من مهامه يوماً، وبالتالي فان فكرة الاستقالة من هذه الحكومة لا تعكس سوى عدم الانسجام وتبني مواقفها وسياساتها بشكل عام.

تعيين الوزير حتي لم يكن منسجماً مع خيارات الرئيس ميشال عون سياسياً أو التيار الوطني الحر، مع العلم أن الحديث عن حصة الخارجية بقي بالأساس من حصة التيار الوطني الحر او الرئيس عون عملاً بمسألة «القديم على قدمه» بالتشكيلة الحكومية الا ان عون لا يبدو انه اشترط تعيين وزير للخارجية مؤيد لسياساته او لسياسة حلفائه؛ وموقف حتي من سورية خير مثال على ذلك فقد عين الوزير على رأس الخارجية اللبنانية لمناقبيته الدبلوماسية فقط..

تؤكد المعلومات أن «حتي» لم يتشاور مع الرئيس ميشال عون او الوزير جبران باسيل بفكرة الاستقالة ولم يطرح هذه المسألة في هذه الفترة على احد كخيار جدي. وعلى هذا الأساس يبدو ان هذا القرار جاء لموقف اتخذه وجد فيه أن البقاء بهذه الحكومة يشكل ضغطاً أكبر من الآمال بإنتاجيتها. وهذا الضغط ليس سهلاً على وزير خارجية لبنان الذي ينتظر منه مواقف بعيار تلك التي أطاحت بالوزير السابق عدنان منصور بعد أن حمل لواء الدفاع عن سورية في كل محطة ومعه الوزير جبران باسيل الذي تمسك بوطنية حزب الله واعتباره شريحة كبيرة من الشعب اللبناني، بحيث لا يمكن القبول بتسميته إرهابياً امام الأميركيين في وقت تحتدم فيه الاستحقاقات بالمنطقة ولبنان يعتبر واحداً من أخطر استحقاقاتها، حيث يرتقب احتدام المشهد بين جولة مفترضة مع «اسرائيل» مروراً بصراع الساحة السنية المنظور والذي تبدو فيه المنازلة على أشدها بين السعودية وتركيا. كل هذا والعلاقات العربية اللبنانية شبه مقطوعة وهي ضعيفة مع من بقي «صورياً». وعلى هذا الاساس كان ما كان من صعوبة المهمة ومعها الاستقالة لتباعد الرؤى إجرائياً وتنفيذياً بين الحكومة وأجندة حتي «الدبلوماسية».

وبهذا الإطار أكد مصدر متابع لـ «البناء» الى ان السرعة بتعيين بديل عن الوزير «ناصيف حتي» هي رسالة لباقي الوزراء الذين قد تراودهم فكرة الاستقالة في مثل هذه الظروف الحرجة. وهي إن تداعيات أي استقالة لن تهز او تعرقل التماسك الحكومي أو القرار السياسي الذي لا يجد بديلاً حالياً عن هذه الحكومة وان اي رد فعل او تعليق لن يتجاوز الـ 24 ساعة وربما اقل من لحظة الاستقالة تماماً كما حصل مع حتي، وبالتالي على الجميع التفكير ملياً قبل أخذ هذه الخطوة. فليس مطلوباً من الوزراء ان يكونوا شرارة الانتقال الى نقطة اللاعودة لحكومة لا يبدو بديلها جاهزاً. وأضاف المصدر «لا يخفى على احد ان فكرة التعديل الوزاري كانت موجودة وأن هذه المسألة لم تكن لتشكل معياراً لإسقاط الحكومة من عدمها الا ان الخوف من مغبة أن تكون بعض الجهات الدولية الكبرى ترغب بالضغط من جديد على بعض الوزراء للاستقالة لا يزال مطروحاً».

اكبر علامات الاستفهام حول هذه الحكومة برزت حيال سورية والعلاقة معها والتي يبدو ان الوزير الجديد «شربل وهبي» وبحسب تصريحاته الأولية منسجم مع فكرة زيارتها بشكل عادي كدولة شقيقة. وهو الأمر غير المقبول من سورية حيال «حتي» الذي تبنى كلام الجامعة العربية بحكم مهامه حينها واصفاً النظام هناك «بالمجرم»؛ بالتالي يستحضر هذا العنصر المستجد حول زيارة سورية كمهمة اساسية للوزير الجديد والتي ربما تكون على طاولة البحث بجدية في الفترة المقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى