الوطن

سدّ بسري حاجة ملحة لبيروت الكبرى وضواحيها ولا يجوز ان يبقى بازاراً في سوق المفسدين والسياسيّين

 

} عمر عبد القادر غندور

انتهت المهلة المحدّدة من قبل البنك الدولي لاستكمال مشروع سدّ بسري في الثاني والعشرين من تموز ٢٠٢٠، وعلى الحكومة ان تحزم أمرها وتتفادى ضياع القرض الدولي.

والسائد في لبنان اليوم ارتفاع حدة المواقف بين مؤيد لتنفيذ المشروع ومعارض له، في حين لم يعترض المعترضون في حينه بل رفعوا شعارات الإسراع في تنفيذ المشروع.

اليوم بعد ان جرى تسييس هذا المشروع الحيوي، نرى تجاذباً ومهاترات وما إلى ذلك من مظاهر مخجلة!

سدّ بسري على المجرى الأوسط لنهر الاولي، والذي يمكن أن يكون أكبر بحيرة للمياه بعد بحيرة القرعون، والذي يقع في المنطقة الفاصلة بين جنوب لبنان وجبل لبنان، والغاية منه تزويد بيروت الكبرى وجبل لبنان بـ ١٢٨ مليون متر مكعب منها ١٠٥ ملايين لمياه الشفة، ليغطي حاجات حوالي نصف سكان لبنان، ويمكن أن يزيد من إنتاج الكهرباء في بركة بحيرة انان ومصدراً إضافياً لتوليد الطاقة.

ويدّعي المعترضون على تنفيذ المشروع انه يقع ضمن فالق جيولوجي ما يجعله عرضة لمخاطر زلزالية! وهذا زعم باطل لأنّ اللجنة المستقلة المشكّلة من خبراء دوليين متخصّصين في الدراسات الجيولوجية أكدت أنّ السدّ آمن ولا مبرّر لطرح هذه المخاوف إلا لسبب غير علمي، لا سيما أنّ اللجنة المُشار اليها مشهود لها دولياً في هندسة السدود والجيولوجيا وعلم الزلازل، وهي وضعت لسدّ بسري أجهزة رصد الزلازل التي ستراقب هيكل السدّ والتغييرات الجيولوجية بشكل دائم ومستمرّ في حال حصولها فرضا، والتأكيد على عذوبة المياه وصلاحيتها للشرب، وجرى تحليل مفصّل وبحث الجوانب التقنية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية لأربعة مشاريع سدود ملحقة في بسري وجنة الدامور الشرقية والغربية إضافة الى العديد من الخيارات غير السدود.

وكانت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني باشرت في دراسة سدّ بسري عام ١٩٧٧ وأنهت الدراسة الأولية للجدوى الاقتصادية وفي عام ١٩٩٢ وضعت دراسة الجدوى النهائية مؤكدة على الـ ١٢٨ مليون متر مكعب للاستهلاك و ١٠٥ للشفة وفي خدمة ١،٦ مليون شخص يعيشون في انحاء بيروت الكبرى بينهم ٤٦٠ الف شخص يعيشون بأقلّ من اربعة دولارات في اليوم، وستتمكن هذه الاسر الفقيرة من الاعتماد على شبكة المياه العامة وتوفير ما تدفعه لصهاريج المياه.

وسيتوفر لسدّ بسري استغلال مياه الأمطار التي تذهب عادة الى البحر، وستتدفق هذه المياه من دون الحاجة الى الضخ، وعبر الجاذبية وستمرّ عبر نفق تحت الأرض بطول ٢٦ كلم وتجري معالجتها في محطة التكرير في الوردانية قبل توزيعها عبر الشبكات التي يجري حالياً إصلاحها ضمن مشروع إمدادات المياه في بيروت الكبرى.

ومن أسخف ما يروّجه المعترضون انّ نفق المياه سيمرّ في بلدة الناعمة وتحت مطمرها الشهير الذي طالما كان يبيض الذهب لمحترفي السياسة. وكأنّ النفق لا قساطل له!

وآخر ما طلع به المعترضون انّ بناء السدّ سيقضي على الأثر التراثي ومنه كنيسة مار موسى وبقايا دير القديسة صوفيا. وقد لحظت خطة السدّ نقل الكنيسة الى مكان قريب لا يعطل وصول المصلين والسائحين تحت إشراف سلطات الكنيسة المارونية، كما سيتمّ مسح وحفظ ايّ اكتشافات أثرية بالتنسيق مع المديرية العامة للآثارز

وكان الإعداد والتنفيذ للسدّ بدأ من شهر نيسان ٢٠١٢ وأيار ٢٠١٧ وعقدت اللجنة ٢٨ جلسة عامة بالإضافة الى مناقشات جماعية مع المستفيدين والمتضرّرين من المشروع ومع المنظمات غير الحكومية وجماعات المجتمع المدني، وجرت الاستملاكات اللازمة وقبض أصحاب الحقوق أموالهم. وما كان هذا السدّ الذي شغل الحكومات منذ أكثر من ٥٠ عاماً، وهو جزء مهمّ من استراتيجية المياه الوطنية في لبنان والتي تذهب الى البحر تاركة نصف اللبنانيين في حالة شحّ دائم نرى اليوم من يريد جعله حالة سرمدية من الظلم والفساد.

والأغرب من ذلك كله الاستهانة بالعقود والعهود التي أبرمتها الدولة مع البنك الدولي الذي قام بدرس المشروع وعرضه على الخبراء والاختصاصيين الذين أكدوا على جدوى هذا المشروع الحيوي لصالح الفقراء خاصة ورصد له ٤٧٥ مليون دولار، وقد وافق مجلس الوزراء في حينه على القرض ثم أقرّ في المجلس النيابي. وقد وقع القرض مع البنك الدولي في السراي الحكومي في ٢١ كانون الثاني من العام الماضي. وبناء عليه بوشر بتنفيذ المشروع وتمّ دفع ١٥٦ مليون دولار للاستملاكات. وكان أبرز المرحّبين بالمشروع الرئيس تمام سلام ورئيس لجنة الطاقة والمياه النيابية النائب محمد قباني والسيد وليد جنبلاط الذي طلب الإسراع في تنفيذ السدّ بالإضافة الى عدد من نواب المنطقة ورؤساء البلديات والمخاتير.

واليوم نرى من يتراجع عن ترحيبه بمشروع السدّ ويتجاهل العقد الموقع مع البنك الدولي بعد موافقة مجلس الوزراء والمجلس النيابي ويجيز لنفسه ان يقفز فوق العقود والعهود وكأنها لم تكن ولا يبالي بخسارة العقد وما يترتب عن ذلك من خسائر على خزينة الدولة، ويتجاهل انّ التراجع عن المشروع يحتاج إلى قانون جديد في مجلس النواب يلحس فيه المجلس النيابي نفسه قرار الموافقة على مشروع القرض المقدّم للحكومة!

وهل حصل مثل ذلك في مجاهل الأرض؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى