نقاط على الحروف

محاولة لإعادة سيناريو 2005

ناصر قنديل

لأن المؤمنين بالقضايا النبيلة لا يعرفون الانتهازيّة ولا استغلال الفرص، اقتضت نزاهة كل المؤمنين بخيار المقاومة عدم المشاركة بتغذية او ترويج النظرية الافتراضية التي راجت في بعض الأوساط عن معلومات او تقديرات بأن غارة «إسرائيلية» تقف وراء الانفجار الذي أصاب لبنان وعاصمته بكارثة، فقام الفريق المناوئ للمقاومة بتبني نظرية الغارة ليؤلف سيناريو هوليودي عن مصنع صواريخ أو عن دور ما لسماد كيميائي يشكل مادة خطرة على السلامة العامة، بكميّة تقارب ثلاثة آلاف طن في سلاح المقاومة، وهي محفوظة لست سنوات في مستودعات المرفأ، فقط ليقول هؤلاء إن المقاومة سبب الكارثة.

القضية التي تتم دحرجتها فوق عقول اللبنانيين اليوم، تتخطّى السيناريو الهوليودي لكيفية وقوع التفجير لصعوبة تصديقه من جهة وربما لأنهم ممنوعون من تحميل «إسرائيل» أي دور تخريبي على لبنان، فالتزموا، لكن لينتقلوا الى مربع أشد خطورة تشترك فيه سيمفونية داخلية وخارجية تتجاوز الاجابة عن سؤال كيف وقع الانفجار، ومن يتحمل المسؤولية، خصوصاً أن الذين تعاقبوا على ادارة الحكومات والوزارات التي تم في ظلها ارتكاب الجريمة الأصلية لتخزين المواد وتركها بلا تدابير تضمن السلامة العامة، هم من الذين يصطفون على ضفة العداء للمقاومة والمطلوب عدم جرّهم أمام التحقيق.

السيناريو الذي نشهده اليوم يذكرنا بما جرى بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، وتعامل فريق المقاومة ومؤيّديها معه بخلفية إيجابية بحثاً عن موقف لبناني موحد. وقام هذا السيناريو الذي تبدو ملامح تكراره واضحة اليوم، على ركيزتين، الأولى أن التحقيق معقد، والثانية أن أجهزتنا القضائية والأمنية غير مؤهلة من جهة، ولا تملك المصداقية والثقة اللازمتين لأخذ نتائجها بجدية، والخلاصة هي الدعوة لتحقيق دولي، والذي يبدأ ببعثة تقصي حقائق أو خبراء، يقترحون اقالة قادة الأجهزة الأمنية، كما فعل بيتر فيتزجيرالد عام 2005 مقترحاً تحقيقاً دولياً، ثم محكمة دولية، يبدو ان المطلوب عدم إنهاء مهامها، بتكليفها مهمة جديدة، ليلتقي كل هذا مع دعوات للوصاية الدولية، تحت باب تعالوا موّلوا البلد وتولوا إدارته، لأننا قاصرون كلبنانيين عن فعل ذلك.

المؤشرات واضحة من بيان رؤساء الحكومات السابقين، ومن دعوات تتسلل عبر الإعلام عن تعقيدات التحقيق وعدم أهلية الاجهزة اللبنانية للقيام به والوصول الى نتائج موثوقة، وما نشهده دولياً من حملة يبدأ عنوانها بالتضامن والمساعدات، ثم غرض المساعدة في التحقيق، حيث لا يمكن قبول بعض المساعدة ورفض بعضها الآخر. فعليك ان تقبلها كلها او ترفضها كلها، ونكتشف فجأة أننا صرنا في قلب التدويل، ونتساءل كيف حدث هذا؟ تماما كما قبل التحقيق الدولي بنية طمأنة عائلة الرئيس الحريري وأنصاره الى صدق النيات، وإذا بتدويل الملف ينتهي باتهام المقاومة وقبلها سورية وجرجرة كل مَن يمثل موقع قوة للعلاقة معهما بصفة متهم بالجريمة.

الواضح أن شعوراً ينتابنا ونحن نسمع التصريحات بأن نعيد حضور فيلم سبق لنا حضوره، وأن اللعب بالعقول والاستغلال للكارثة هو جزء من مخطط، سواء كان التفجير مدبراً ويتم استكمال أهدافه بالمواكبة السياسية والدبلوماسية، أو كان ما يجري هو استثمار مستعجل لحادث ناتج عن الإهمال والاستهتار وفساد الإدارة، لكن الأهم هو أن المؤمن لا يُلدغ من الجحر مرتين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى