أولى

كما لم تخذلنا بيروت سابقاً…
فلن تخذلنا اليوم

} جمال محسن العفلق

قالوا فاجعة وقالوا انفجار لم يكن له مثيل، وقالوا سيذكر العالم هذه الكارثة لمئة عام مقبلة، عشرات الضحايا بل المئات وآلاف المشرّدين والمفقودين، كلّ هذا في لحظة انفجار أتى على بيروت بدون مقدمات، يوم عادي انتهى بكارثة إنسانية وحدث أمني ليس له مثيل في منطقتنا.

نتج عنه ردود أفعال تراوحت بين متطرفة ومعتدلة وعقلانيةولكن كلها كانت تصبّ في خانة واحدة من وراء تفجير بيروت؟ فانتفضت الغرف السوداء على مواقع التواصل بطريقة هستيرية تذكرنا ببدايات الحرب على سورية حين يحدث تفجير كبير كنا نشاهد نفس أصحاب هذه الغرف السوداء يرمون سهامهم ضدّ الجيش والحكومة، واليوم في كارثة بيروت شاهدنا نفس السموم والسهام تطلق وبشكل لا يمكن حصره على لبنان المقاومة، فالجميع يريد النيل من لبنان واعتقد البعض انّ قرار الوصاية الدولية على بيروت أصبح جاهزاً للتنفيذ، فأتى الرئيس الفرنسي ليعطي تعليماته وكأنه في زيارة لإحدى ضواحي باريس، ولكنه نسيَ ان يخبر أهل بيروت أثناء جولته عن مصير المناضل جورج عبدالله المسجون في فرنسا بدون وجه حق، وتجاهل الحديث عن ضرورة إعادة اللاجئين السوريين الى بلدهم لأنّ هذا الأمر من الخطوط الحمر الأميركية فقضية اللاجئين السوريين هي سياسية وليست إنسانية وهذا ملف استثمار يعمل عليه أعداء سورية، وصرّح ترامب كما العادة بطريقته العبثية ورمي الحجر في البئر ليلفت الأنظار الى شيء غير موجود ويبعد الناس عن الحقيقة. أما داخلياً فقد سارع بعض الذين يعشقون التبعية السياسية لطلب تحقيق دولي ولسان حالهم يقول للعالم تعالوا احتلوا لبنان ونحن نساعدكم شرط أن نبقى على أقطاعاتنا السياسية.

وتحوّلت منصات مواقع التواصل الى سوق بذاءة وانحطاط أخلافي لا مثيل له وكأنّ هؤلاء جميعاً كانوا بانتظار هذه الفاجعة ليخرجوا هذا الكمّ الكبير من الشماتة والغدر ببلد لا يعرف حقيقته الا من يفهم تركيبة لبنان.

أما عربياً فيخجل كلّ من لدية الحدّ الأدنى من الأخلاق من نقل بعض التعليقات التي نشرها مستشارون وأمنيون في بعض الدول العربية مطالبين بسحق المقاومة وسجن قادتها وكأنهم أهل عقد وحلّ في المنطقة، ومنطق منشوراتهم يأتي من رغبة لديم في إشعال فتنة طائفية والرقص على جراح لبنان فكانوا أكثر صهيونية من الصهاينة الذي لا يؤمن جانبهم رغم محاولاتهم في إظهار الإنسانية الكاذبة في الإعلام.

هذا جزء يسير من ردود فعل متنوّعة على انفجار بيروت الكبير وتجاهل كلّ من تحدث عن لبنان والكارثة المالية والإنسانية والأخلاقية التي حدثت حقيقة بيروت وتاريخها.

بيروت التي حاصرها الصهاينة ولم يستطيعوا البقاء فيها وانهزموا، بيروت التي أتى المارينز اليها سياحة عسكرية مدعومين من أكبر اسطول عسكري في العالم وخرجوا منها محمّلين، بيروت التي احتفل شارون بالنصر عليها هي نفسها التي أذاقته مرارة الهزيمة، وبيروت أسقطت اتفاق 17 أيار وكسرت يد مهندسيه، بيروت التي أعيد إعمارها رغم الحصار والمؤامرات عليها، بيروت التي جمعت كل المثقفين العرب وطبعت أهمّ الكتب وترجمة أهمّ الأعمال العالمية، وبيروت فيها قرار المقاومة وقرار السلم والحربلهذا ليس هذا الحادث وبالرغم من حجمة وضخامته قادراً على كسرها.

اليوم يراهن البعض على إذلال لبنان من خلال سياسة العصا والجزرة فإما فكّ الحصار والخضوع التام لعواصم التطبيع مع الكيان الصهيوني أو البقاء تحت رماد الانفجاروهذا حلم طال انتظاره لدى أعداء بيروت فمنذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري ونفس الجوقة تعمل على أجندة تسليم مفاتيح بيروت للصهاينة.

وأمس كان خطاب الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله الذي أتى برداً وسلاماً لكلّ جمهور المقاومة فأجاب عن كلّ الأسئلة ودحض كلّ الاتهامات واختصر القول بعبارة لن تستطيعوا ان تصلوا إلى ما تخططون له والمقاومة أكبر من ان تنالوا منها. والتحقيق سيكشف كلّ الملابسات ولا يمكن ان تكون المقاومة غطاء او تحمي أحد أياً كان تسبب في هذه الكارثة.

لأنّ لبنان اليوم بحاجة لدعم ابيض دون خلفيات او شروط ولا يحق لأحد وضع شروط مهما كانت بسيطة إذا أراد دعم لبنان اليوم ومن يؤمن بالتاريخ يعرف تماماً أنّ هذه البلاد ستقف من جديد وستكون أقوى مما سبق فتعوّدنا أن المصائب تقوّينا لا تهزمنا. لهذا نؤمن أن بيروت لن تخذلنا كما لم تخذلنا من قبل

 

 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى