مقالات وآراء

لبنان
 والصراع العالمي…

 

} د. عمران زهوي

لم يكن ينقص لبنان كوارث ومصائب ابتداء من الأزمة المالية والاقتصادية التي تسبّب بها السيستم (الحكومات المتعاقبة منذ التسعينات) انتهاء بالانفجار الذي عصف بلبنان حتى تداعت الدول العظمى مرسلة جحافلها والبوارج العسكرية والمساعدات، مهرولين منهم للنفوذ والآخر خوفاً على الكيان وذاك الذي يتغنّى بتقديم يد العون والمساعدة، ولكن ما هي الا ساتر يتلطون خلفه لمآرب باتت معروفة. الفرنسي خسر في ليبيا والعراق وسورية ولم يتبقّ سوى لبنان لكي يبقى على ساحه الصراع الشرق أوسطية، ومعه التركي المتربص والذي يحاول ان يخرج الفرنسي من النفوذ ومن منابع النفط والثروات، الكباش الحاصل اليوم ومن خلفه الأميركي الذي لا يستطيع ان يضغط على التركي لعدة اعتبارات وأولها (الناتو) وليس آخرها الكيان الغاصب والتحالف التركي معه، فأصبح لبنان ساحه مستباحه للدول العظمى. البوارج البحرية الأميركية والفرنسية والبريطانية في مياهنا الإقليمية وكأنها حشود تستعدّ لمعركة ما؟! ولبنان منقسم بين هذا المحور وذاك والجميع يترقب ماذا سيحدث؟!

لا شكّ انّ المشهد ضبابي وحتى تلك الدول مهما حضرت وتحضر هي رهينة المستجدات الداخلية وتتعاطى مع الملف اللبناني كلّ يوم بيومه. والانفجار الأخير لا شكّ أنه أحدث زلزالاً قلب كلّ الموازين، فاليوم نحن أمام ضربة عسكرية أحدثت هذا الانفجار، ولكن لا الكيان يستطيع ان يعترف لأنها ستصبح جريمة حرب وإبادة جماعية رغم حاجة نتنياهو إلى مثل هذه الورقة للانتخابات، ولن يستطيع الأميركي ان يغطيه دولياً لأنّ موازين القوى لم تعد لقطب واحد بل أصبح الصيني القطب الآخر في العالم، والروسي يقف بين الطرفين، وانّ المقاومة التي تتحفظ لغاية اليوم عن الإدلاء بوجهة نظرها لسبب بسيط ألا وهو قواعد الاشتباك التي رسمتها وهي الردّ على العدوان دون قيد او شرط. وعدم انتهاء التحقيق إلا انّ الردّ على هكذا عدوان سيفتح المنطقة على حرب عالمية غير معلومة النتائج، وهنا تكمن صعوبة الاعتراف بما حدث من قبل الطرفين، ولكن ان أدّت التحقيقات الى إدانة «إسرائيل» فالردّ سيكون لا محالة، وما نشهده من حشود لخبراء عسكريين ومتفجرات في مرفأ بيروت خير دليل على تدوير للزوايا خوفاً من التداعيات الكبرى، والأمر الآخر الذي يوجب المقاومة عدم الاعتراف هو الوضع الداخلي الضاغط لا سيما على المستوى السياسي والاقتصادي والمالي. إذ بوجود حكومة كانت تدعمها لم تستطع ان تواجه السيستم بقيادة المايسترو دولة الرئيس بري لأنه الجامع لكلّ الأقطاب السياسية ويعرف كيف تدار الأمور، وآخر الدواء كان الكيّ عندما دعا دياب إلى انتخابات نيابية مبكرة، فقضى على حكومته بالضربة القاضية.

لا يختلف اثنان انّ الرئيس بري قادر على ان يفرض أجندته على كلّ القوى السياسية في لبنان بالإضافة إلى الشراكة العضوية مع كلّ أركان السيستم. ومن هنا نسأل الى ماذا سيؤدي الكباش الداخلي بين الأفرقاء؟ ومن سيترأس حكومة جديدة وسط الضغط الدولي والانقسام الداخلي العمودي؟ فحلفاء الأمس أصبحوا في خصومة كبيرة اليوم، فجعجع لا يريد الحريري، والتيار الوطني الحر لديه أسبابه، وجنبلاط والزواج الماروني مع بري، والثنائي الذي يسعى لإعادة الحريري، والأخير بانتظار كلمه السر السعودية، وباقي الأطراف كالكتائب ودورها الثانوي. بالإضافه إلى صراع النفوذ بين التركي والفرنسي، ومن جهة أخرى المنظمات الغير حكومية التي سيمدّها المجتمع الدولي بأكثر من 300 مليون دولار وبالتالي ستبرز شخصيات جديدة على الساحة اللبنانية وهذا مطلب دولي، وهذا الحراك الذي أصبح الأغلب الأعمّ فيه تابع للأحزاب والسفارات وللأجندات المرسومه له.

طبعاً لن ننسى قانون الطوارئ الذي يضع كلّ القوى الأمنية والعسكرية تحت امرة الجيش اللبناني وبوجود كلّ هذه الأساطيل فهل هناك مخطط ما يُحاك لهذا البلد، لا سيما للمقاومة؟!

هذا المشهد المعقد والخطر لا يبشر بالخير! إلا انّ بارقة الأمل تكمن بالمحادثاث الفرنسية ـ الإيرانية ومن خلفها انتظار الانتخابات الأميركية لكي تحسم الأوراق، التي يجب أن يستفيد منها لبنان الواقع اليوم في صلب صراع المحاور. كذلك هناك الإيراني والتركي والمصالح المشتركة وكيف ستنعكس على الأداء الفرنسي!

لا شكّ أنّ هذه المعطيات المتداخلة ستبقى مبهمة النتائج الى حين انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية والتي كشف الحزبان الجمهوري والديمقراطي أنهما ذاهبان بعدها الى الانفتاح على ايران وكوريا وغيرها من الملفات التي أدّت الى هذا الصراع.

من هنا بارقة الأمل التي من الممكن ان تنعكس على الساحه اللبنانية بالبحبوحة والاستقرار الأمني ومن ثم الاقتصادي والمالي بعد رفع العقوبات عن لبنان والاتجاه الى ترسيم الحدود وبعض الضمانات الدولية للصراع الإسرائيلي مع المقاومة.

الأيام المقبلة صعبة، ولبنان والمقاومة في فوهة المدفع، والثقة كبيرة بقدرتها على الثبات والمواجهة. حمى الله لبنان وأهله، متمنّين ان ينعم بلدنا بالاستقرار والأمن والأمان إلى ان يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى