الوطن

هل تكون الحكومة الجديدة نسخة عن سابقاتها منذ الطائف؟

} علي بدرالدين

بات من الثابت والمؤكد أنّ الطبقة السياسية الحاكمة منذ الطائف ستبقى للأسف لها الأولوية المطلقة للبقاء في الحكم والسلطة، وهي التي ستؤلف الحكومات وتتحاصص في الوزارات والحقائب والتعيينات في إدارات الدولة ومؤسّساتها وإداراتها ومصالحها المستقلة، وهي التي تستقبل رؤساء الدول وموفديها، وهي المعترف بها شرعياً ودستورياً دولياً وإقليمياً ومحلياً، وبيدها الحلّ والربط وإدارة شؤون البلاد والعباد، باستثناء تشكيل الحكومات والاستحقاقات الدستورية الكبيرة فإنها تركت للخارج الإقليمي مع طلب رأيها من دون الأخذ به أو إعطائه أية أهمية لمجرد رفع العتب والمحافظة على هيبة هذه الطبقة أمام بيئاتها الحاضنة، لتواصل تدجينها وترويضها وتغييبها عن الأحداث والاستحقاقات والانهيارات الاقتصادية والمالية والاجتماعية على اختلافها.

هذا هو الواقع المرّ والخطير الذي يتحكم بيوميات اللبنانيين وينغّص عليهم ويقضّ مضاجعهم ويطيح بأحلامهم وآمالهم إذا ما بقي لها أثر يرى في المستقبل بعد أن دمّرت هذه الطبقة العصية على السقوط أو التغيير ماضيهم وحاضرهم ونهبت أموالهم وأفسدت مجتمعهم وأفقرتهم وجوّعتهم وهجّرتهم وقتلت وأصابت وعوّقت مئات الآلاف في صراعاتها وخلافاتها ونزاعاتها على مصالحها ونفوذها وتراكم ثرواتها وتوريثاتها حتى أصبح العالم يعرف لبنان من خلال عائلات حكامه وسياسييه.

إنّ الرهان على ما يسمّى المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والدول الديمقراطية أثبت فشله وعقمه وسقوطه لأنّ كلّ هؤلاء يبحثون عن مصالحهم ونفوذهم ويصنعون من هذه الشعارات والعناوين المغرية شماعة وجسر مرور لتحقيق أهدافهم ومخططاتهم للسيطرة على الدول والشعوب الضعيفة للسطو والسيطرة على المقدرات والخيرات والقرار والسلطة من خلال أدواتهم التي صنعوها وسلّموها السلطة الأبدية ومن خلالها يحكمون العالم. ولبنان مثالاً لهذه الدول التي شهدت حروباً وصراعات وانتدابات ووصايات واحتلالات منذ ما قبل تأسيس ما يسمّى دولة لبنان الكبير التي ما زال الشعب اللبناني يعيش تداعياتها السلبية والخطيرة والمدمّرة بعد مائة عام من الفتن والحروب والانقسامات والقتل على الهوية أو في معارك الشوارع والأزقة والتشبيح أو من خلال التفجيرات الإرهابية والانفجارات التى كان أقساها وأشدّها هولاً وقتلاً وتدميراً وإصابات وتشريداً وكارثياً، هو انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب الحالي، هذا التاريخ الأسود الذي لا ينسى ولن يمحى من ذاكرة بيروت ولا اللبنانيين. كلّ ما تعرّض له هذا البلد الذي تتربّص به اللعنة وتحدق به الأخطار وما أصاب شعبه، فإنّ الطبقة السياسية لا تخجل من نفسها وهي تحضر للاحتفال بمئوية لبنان الكبير بأزماته ومشكلاته ومآزقه وديونه وفي قتل شعبه وتفقيره وتجويعه والتي حوّلته إلى متسوّل ينتظر المساعدات الغذائية من دول تحاصره وتعاقبه وتحمي السلطة المسؤولة عن ما هو فيه.

هذه الدول التي تدّعي حماية لبنان وشعبه وإنقاذه من براثن السلطة وفسادها هي التي تتواصل معها تحت عنوان الإصلاحات وتشكيل الحكومة وإنْ كانت لا تثق فيها ولا تحترمها ولكنها موجودة ولا بدّ من التعاطي معها كأمر واقع.

وعليه، فإنّ هذه الطبقة باقية في مواقعها السلطوية من دون أن تتزحزح عنها مهما حصل في لبنان حتى لو تمّ تدميره وإبادة شعبه ولو تعرّض للمجاعة أو تمكّن منه وباء كورونا القاتل الذي يتفشى. ولو أرادت هذه السلطة الخروج من الحكم لأقدمت على الاستقالة فوراً بعد انفجار المرفأ مع الاعتذار من الشعب ومن ذوي الضحايا وكلّ المتضررين، ولكن هذا لم يحصل ولا يتوقع أحد حصوله لا اليوم ولا في الغد. وتفرض الواقعية السياسية والدستورية ان تتيح لهذه السلطة الاتفاق مع قوى إقليمية ودولية بتسمية من سيكلف بتشكيل الحكومة واسمها، وآخر التسميات الفرنسية حكومة ذات مهمة وكأنّ مشكلة البلد المزمنة تكمن في عنوان الحكومة واسمها وعدد وزرائها، وليس في نوعية وكفاءة ونزاهة أعضائها ورئيسها، والمثل الشعبي يقول: «كيف ما بدو الفاخوري بيركب أذن الجرة» هذا يعني بالمباشر ومن  دون لفّ ودوران وتكهّنات وتحليلات أنّ الحكومة الموعودة رئيساً ووزراء ستكون نسخة طبق الأصل عن كلّ الحكومات التي تعاقبت على مدى ثلاثة عقود. هذا يعني أيضاً أنه لا وجود في القاموس السياسي اللبناني شيء اسمه تداول السلطة، وانّ الشعار المعلق على مدخل القصر الحكومي «لو دامت لغيرك لما اتصلت إليك» كذب وخديعة، خاصة في لبنان حيث وراثة السلطة تحوّلت إلى عرف قد يكون بقوة الدستور.

لا يتوقعن أحد أو يراهن على الإصلاح والتغيير وانقلاب المشهد السياسي والاقتصادي والمالي والمعيشي، لأنّ الحكومة الجديدة التي قد يتأخر تشكيلها لتعقيدات داخلية تحاصصية وتدخلات خارجية وتسويات إقليمية ودولية وأثمان مدفوعة غب الطلب أو مؤجلة، خاصة أنّ الطبقة السياسية غير مستعجلة وتسيّر أمورها من خلال حكومة تصريف الأعمال، والشعب المنكوب والثائر منشغل بدفن ضحاياه وتضميد جرحاه والبحث عن مفقوديه تحت الركام أو ما تبقى من أشلاء وإعادة إعمار بيوته المهدمة، وهي مطمئنة إلى أنّ أحداً لن يزيحها عن السلطة، المطوّبة لها حصراً.

لكن الشعب اللبناني أو بعضه على الأقل سيبقى متمسكاً بالأمل الذي لا بد منه، وفي التاريخ الكثير من الدروس والعبر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى